«حواديت» شعبية مصرية في لوحات فنية

في 35 لوحة يضمها معرض صلاح عناني الجديد

اللوحات تدخل الهيئات الحكومية وتجسد حياة موظفيها - بائع الخبز ومحاولة دائمة للتوازن والثبات رغم صعوبات الحياة -  جلسات المقهى والسمر بالمدن المصرية
اللوحات تدخل الهيئات الحكومية وتجسد حياة موظفيها - بائع الخبز ومحاولة دائمة للتوازن والثبات رغم صعوبات الحياة - جلسات المقهى والسمر بالمدن المصرية
TT

«حواديت» شعبية مصرية في لوحات فنية

اللوحات تدخل الهيئات الحكومية وتجسد حياة موظفيها - بائع الخبز ومحاولة دائمة للتوازن والثبات رغم صعوبات الحياة -  جلسات المقهى والسمر بالمدن المصرية
اللوحات تدخل الهيئات الحكومية وتجسد حياة موظفيها - بائع الخبز ومحاولة دائمة للتوازن والثبات رغم صعوبات الحياة - جلسات المقهى والسمر بالمدن المصرية

يحمل معرضه عنواناً يستوحي الكثير من سمات أعماله، فقد اختار الفنان المصري صلاح عناني لمعرضه الجديد، المقام حاليا ًبغاليري «ليوان» بحي الزمالك الراقي، اسم إحدى أشهر الأغنيات الشعبية التي عرفتها الساحة الفنية أخيراً في مصر، وهي «إلعب يلا»، الذي ربما كان مفاجئاً وصادماً للجمهور بسبب جرأته واستغراقه في «شعبيته» إلى حد كبير.
وسيطرت على لوحات المعرض، الذي يستمر حتى 25 أبريل (نيسان) الجاري، الروح الشعبية والتفاصيل الفلكلورية، في تناول فني مختلف مميز يستند إلى التعبيرية الهزلية، مازجاً بين المباهج والأحزان، والجد والهزل، وقضايا المهمشين والدعابة. فبينما جاءت لوحاته مطرزة بالألعاب المعروفة في الموالد الشعبية، أو مواكب الأفراح وجلسات السمر و«الفرفشة»، كما يُطلق عليها المصريون، فإنها في واقع الأمر ليست سوى مدخل أو رؤية يدخل عبرها إلى عالم شديد الجدية، لأن اللعب - على حد تعبير الفنان في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مجرد مفتاح أو كلمة سر من خلالها أفتح مغارات عالمي الشعبي وأسراره».
فكأن «اللعب» في اللوحات هو وسيلة للاطلاع على «دفتر أحوال» لشرائح كثيرة من المصريين، ولواقعهم اليومي. فبعد أن ننتقل عبر أعماله إلى الشوارع والحدائق العامة والحارات والمؤسسات الحكومية والمدارس والمراقد والمساجد ووسط حلبات الذكر والزار، نلتقي بشخوصه على قارعة الطريق أو في المقاهي والأسواق والحوانيت، وربما يطلون علينا أيضاً من الشرفات أو مداخل البيوت التي كثيراً ما تُترك أبوابها مفتوحة في الأحياء الشعبية.
لوحات عناني بناسها وأمكنتها وتفاصيلها الصغيرة تحمل بين طياتها إزالة أي مسافات وحواجز بين الجمهور العادي والفن والإبداع، لتخاطب الجميع بلغة بصرية بسيطة سهلة، وساخرة أيضاً حتى في أصعب اللحظات والهموم، تماهياً مع الشخصية المصرية التي تمزج بين الضحك والوجع، وتوحد بين روح الدعابة وأكثر المواقف والمشكلات تعقيداً وإيلاماً.
يقول الفنان: «يكمن المعنى الحقيقي للحياة، وتكامل جوانبها بلا افتعال، في القاهرة الشعبية، حيث العفوية والبساطة والصدق، ولطالما جلست مع أبناء الأحياء الشعبية، وعايشت عن قرب نوادرهم وحكاياتهم وهمومهم»، ويتابع: «إن المواطن البسيط في حياته اليومية يمثل بالنسبة لي مصدراً لإلهام فني لا ينتهي». ولعل ذلك ما يوضح أسباب احتفائه دوماً بالبسطاء من أبناء الأحياء الشعبية، الذين تموج بهم لوحاته، فعلى سطحها نلتقي بصغار الموظفين، وسائقي «التوك توك» والباعة الجائلين والحرافيش والأسطوات وعمال المقهى، والحمالين والمجاذيب والدراويش والمداحين والحواة، إلى جانب الأدباء والمثقفين.
ولعل في رائعته «الشوارع حواديت»، التي يضمها المعرض، نلتقي بأصل الحدوتة المصرية... حيث يُطل علينا الفنان الراحل صلاح جاهين متصدراً المشهد، وسط حشد من الشخوص المختلفين في العمر والعمل والمظهر الخارجي، لكن تجمع بينهم حدوتة واحدة، لنستدعي على الفور رباعية جاهين الشهيرة التي استوحى منها عناني عمله.
وعبر 35 لوحة يحتضنها المعرض، نتعرف على صور ومشاهد وأحوال تزخر بلحظات إنسانية غنية، وننتقل بجانب صخب الشوارع إلى دواخل البيت المصري، فنرى جلسات أسرية دافئة، أو امرأة تغسل الملابس بالطريقة التقليدية القديمة على «وابور الجاز»، وأخرى تستمع في شغف إلى قارئة فنجان القهوة، كما نشاهد بائع الخبز محتفظاً بتوازنه وثباته على دراجته، رغم قفص الخبز الذي يحمله على رأسه، وغير ذلك من مواقف حياتية متنوعة.
ويأتي اهتمام الفنان بهذه الحواديت كلها في إطار حرصه على تجسيد موضوعات وقضايا عامة، فقد سبق أن كرس فنه للاحتفاء بريادة مصر الثقافية والتنويرية، ومن أشهر أعماله في هذا المجال لوحة «عالم محفوظ»، بمناسبة حصوله على جائزة نوبل 1988، التي حققت صدى عالمياً كبيراً، لا سيما عند نشرها في الصفحة الأولى في الصحف السويدية، يوم تسليم الجائزة إلى الأديب الراحل، ولوحة «مائة عام من التنوير»، ولوحة «مائة سنة سينما مصرية».
تتمتع أعمال صلاح عناني بلغة فنية خاصة، تجمع بين التشخيصية التعبيرية وفن الكاريكاتير، بما يتضمنه الأخير من أسلوب ساخر، وتضخيم لافت لأجساد شخوصه، ومناقشة قضايا مجتمعية مهمة جاذبة للمتلقي، ومحركة لفكرهم ومشاعرهم ببساطة وهزلية.



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.