دمشق ترفض تثبيت حق لبنان في ملكية مزارع شبعا

«ممانعون» يحددون مواعيد لبدء المقاومة ضد «وثيقة الجولان»

TT

دمشق ترفض تثبيت حق لبنان في ملكية مزارع شبعا

المخاوف التي أوردها رئيس الجمهورية ميشال عون، في خطابه أمام القمة العربية في تونس، من أن يشمل القرار الأميركي المتعلق بالجولان مزارع شبعا المحتلة وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، لن تكون موضع أخذ ورد بين اللبنانيين تقديراً منهم أن عون تحدّث باسمهم.
ومع أن القمة العربية أكدت في بيانها الختامي حق اللبنانيين في مقاومة أي اعتداء على أراضيهم بالوسائل المشروعة، فإن الموقف الرسمي السوري من إلحاق هضبة الجولان بالسيادة الإسرائيلية لم يحمل أي مفاجأة وجاء متناغماً مع المواقف العربية والدولية التي أجمعت على أن هذا القرار يشجّع إسرائيل على المضي في سياستها التوسعية ويعيق الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في المنطقة.
لكن اللافت في المواقف المندّدة بضم الجولان إلى إسرائيل، مبادرة شخصيات لبنانية مقربة من «حزب الله» إلى المزايدة على النظام السوري بإعلانها أنها تتوقع انطلاق مقاومة سورية من الجولان، وبعضها ذهب إلى تحديد مواعيد لبدء هذه المقاومة، بذريعة أن القرار الأميركي ينسحب على الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها إسرائيل.
فهؤلاء بالسماح لأنفسهم بالنيابة عن النظام السوري بتحديد جدول زمني لانطلاق المقاومة السورية من الجولان، يريدون القول إن الموقف السوري تبدّل فجأة من «ممانع» إلى «مقاوم»، خلافاً لأدبياته السابقة في تعاطيه مع المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي التي كانت قائمة على تحييد هضبة الجولان، انسجاماً مع موافقته على اتفاق فك الاشتباك الذي أبرمه الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، في أعقاب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والذي أنتج هدنة مديدة ما زالت مفاعيلها سارية حتى اليوم.
وحاولت إسرائيل اعتبار الأراضي اللبنانية المحتلة عام 1967، خاضعة للقرار الدولي 242، وليس القرار 425 الذي انسحبت بموجبه من لبنان عام 2000، وهي تربط بقاءها في المناطق اللبنانية المحتلة بملف الجولان، علماً بأن قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر عام 1973، يدعو إلى وقف إطلاق النار على الجبهات كافة وتنفيذ القرار 242 بكامله.
وكان الموقف السوري يقوم على الالتزام باتفاق فك الاشتباك برعاية واشنطن، على أن يتولى لبنان مقاومة الاحتلال في مقابل اتباع النظام في سوريا سياسة «الممانعة».
إلا أن تحرير جنوب لبنان في مايو (أيار) 2000، وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، كان وراء استحضار هذه المناطق في عهد الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، الذي اعتبر أن التحرير منقوص ما لم يسترد لبنان سيادته على هذه الأراضي. ولم تعترض الأمم المتحدة على مطالبة لبنان باستردادها لكنها أحالته على النظام السوري بعد أشهر من وصول الرئيس بشار الأسد إلى سدة الرئاسة، وطلبت من لبنان الحصول من دمشق على وثيقة يتم إبرامها حسب القانون الدولي بين البلدين وتكون بمثابة وثيقة رسمية تعترف فيها سوريا بلبنانية هذه المناطق.
وجاء الرد السوري بعد مفاوضات ماراثونية بين البلدين، بموقف بقي في إطار موافقة دمشق، إنما إعلامياً، على أن هذه الأراضي لبنانية من دون أن تقرنه بإعطاء لبنان وثيقة رسمية يرفعها إلى الأمم المتحدة لتثبيت لبنانيتها. وعزت دمشق في حينه سبب رفضها تزويد لبنان بوثيقة سياسية إلى أنها تشترط أولاً انسحاب إسرائيل من هذه المناطق على أن يشكّل المدخل للبدء بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
وقيل في حينها إن سوريا ترفض تزويد لبنان بهذه الوثيقة، ليس لإصرارها على التلازم بين المسارين اللبناني والسوري فحسب، وإنما لتقديرها أن المضي في تحرير هذه الأراضي دبلوماسياً سيُفقد سوريا ورقة سياسية تتيح لها الإمساك بورقة من شأنها أن تعزز موقفها في المفاوضات.
ويبدو اليوم أن ضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية أتاح للنظام السوري ربط لبنان إقليمياً بها، لكن هذا الكلام يقود حتماً إلى فتح جبهة الجولان أمام انطلاق المقاومة السورية كما يشتهي البعض في لبنان ممن هم على ارتباط وثيق بمحور «الممانعة».
فدمشق ليست قادرة على أن تتخذ قرارها برعاية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في الجولان في ظل وجود روسيا الذي نجح أخيراً في التمدُّد عسكرياً جنوب غربي سوريا، وهي المنطقة التي تطل على الجولان، وكانت قد تمكّنت من إبعاد أي وجود لإيران وحلفائها من هذه المنطقة حيث إنهم أعادوا انتشارهم على مسافة تبعد نحو 60 كيلومتراً عن هذه المنطقة.
وعليه فإن روسيا تبقى اللاعب الأول في هذه المنطقة الخاضعة جغرافياً للملعب السوري، فهل تدفع في اتجاه إعطاء الضوء الأخضر لبدء المقاومة السورية في الجولان في وقت تستمر فيه إسرائيل بتوجيه ضرباتها الجوية إلى الأماكن التي توجد فيها الوحدات العسكرية التابعة لإيران وحلفائها، حيث لا تلقى اعتراضاً روسياً باستثناء الاعتراض الذي جاء على خلفية إسقاط المقاتلات الإسرائيلية لمقاتلة روسية من نوع «سوخوي» عن طريق الخطأ؟
يُذكر أن سوريا كانت قد أقامت في منتصف الستينات عدة مخافر في منطقة المزارع لوقف عمليات التهريب التي كانت تنطلق منها باتجاه سوريا ولبنان والأردن مروراً بإسرائيل. وبقيت هذه المخافر قائمة إلى أن احتلتها إسرائيل في حرب يونيو (حزيران) 1967، إضافة إلى هضبة الجولان، لكنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تبادر إلى مخاطبة الأمم المتحدة لاسترداد هذه المنطقة، واستمر الوضع على حاله إلى حين تسلّم الرئيس لحود سدة الرئاسة، وإنما بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان من دون أن يقرن موقفه بمطالبة دمشق بتسليم الحكومة وثيقة رسمية تعترف فيها بلبنانية المزارع، ما يعني أنه قرر مراعاة النظام السوري الذي كان يتعامل ضمناً مع أي مطالبة من هذا القبيل على أنها محاولة لاستفراده.
لذلك يبقى السؤال: هل يعاود لبنان الرسمي محاولته لدى دمشق باعترافها بلبنانية مزارع شبعا أم أن مخاوفه تبقى في حدود تظهيرها إعلامياً لئلا يزعزع علاقته بالرئيس الأسد؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».