بوتفليقة يخضع لضغط الشارع والجيش ويعلن تنحيه قبل نهاية ولايته

النيابة تحظر سفر مقربين من الرئيس وتحقق في فساد وتهريب أموال

بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
TT

بوتفليقة يخضع لضغط الشارع والجيش ويعلن تنحيه قبل نهاية ولايته

بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)

أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عزمه على التنحي قبل 28 من الشهر الجاري، موعد انتهاء ولايته الخامسة، وذلك استجابة لمطالب قائد الجيش، والحراك الشعبي ضده منذ 6 أسابيع. وفي غضون ذلك، قال الجنرال محمد مدين، الشهير بـ«الجنرال توفيق»، مدير المخابرات المعزول عام 2015، إن أخباراً بثتها فضائية محلية تناولت «اجتماعاً عقده مع عناصر من المخابرات الفرنسية، وبشير طرطاق (مدير المخابرات الحالي) وشقيق الرئيس» غير صحيحة.
ونشرت الرئاسة، أمس، بياناً جاء فيه أن «رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سيقدم استقالته قبل نهاية عهدته الانتخابية، المحددة في 28 أبريل (نيسان) 2019، وسيتولى قبل ذلك إصدار قرارات مهمة، لضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة، في أثناء الفترة الانتقالية»، وأوضح أن «الفترة الانتقالية ستنطلق اعتباراً من التاريخ الذي سيقرر فيه استقالته».
ويرجح مراقبون أن «القرارات المهمة» التي تحدث عنها بيان الرئاسة مرتبطة بمصير عبد القادر بن صالح، رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) الذي يكلفه الدستور، من موقعه بوصفه الرجل الثاني في الدولة، برئاسة الدولة لفترة قصيرة، بعد استقالة الرئيس، إلى غاية تنظيم انتخابات جديدة. وبما أن الحراك الشعبي يرفض أن يكون لبن صالح أي دور في ترتيب السلطة، فقد يضحي به الرئيس.
يشار إلى أن رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، قد طالب بوتفليقة مرتين بالتنحي، في إطار المادة (102) من الدستور، التي تتحدث عن شغور منصب الرئيس، بالاستقالة أو بسبب مرض خطير أو بسبب الوفاة. وبذلك، يمكن اعتبار تنحي الرئيس عن الحكم بمثابة خضوع لضغط الشارع والجيش.
وأعلن «الجنرال توفيق»، في بيان، أن فضائية «الشروق» الخاصة «تعمدت، في سهرة 30 مارس (آذار) 2019، بث معلومات خاطئة بعيدة عن أخلاقي ومبادئي. فمنذ أن غادرت مهامي، لم ألتقِ أبداً، ولو مرة واحدة، مع المسؤول الأمني الذي ذكر أنه حضر هذا الاجتماع المزعوم»، في إشارة إلى بشير طرطاق رئيس الاستخبارات الذي خلفه في المنصب.
وأضاف بيان مدين: «إن الاتهام الموجه لشخصي، والمتعلق بلقائي برجال مخابرات أجانب (فرنسيين)، قصد إثارة مواضیع مرتبطة مباشرة بالسیادة الوطنیة، وما هو إلا محاولة متعمدة لإیذائي والمساس بي، أنا الذي عرفت داخل البلاد وخارجها بالتصدي لكل التدخلات الخارجیة (في شؤون البلاد)، سواء كانت سیاسیة أو ثقافیة أو اقتصادیة»، وتابع: «لا یمكنني أبداً، تحت أي ظرف من الظروف، التخلي عن مبدأ الدفاع عن السیادة الوطنیة، مهما كانت خطورة المشاكل السیاسیة التي تمر بها البلاد؛ إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها».
واللافت أن «توفيق» لم ينفِ لقاءه المفترض مع سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، كما جاء في خبر «الشروق» الذي وضعته في سياق «وجود محاولات لضرب مصداقية قيادة الجيش، والالتفاف على مطالب الحراك برحيل رموز النظام». وكان قائد الجيش قد هدد أشخاصاً، لم يذكرهم، اتهمهم بـ«السعي للإساءة للجيش»، وقال إنهم «عقدوا اجتماعاً مشبوهاً في 30 مارس»، وفهم من كلامه، الذي تزامن مع ما نشرته الفضائية، أنه موجه لـ«توفيق» وشقيق الرئيس.
وأطلقت النيابة بالجزائر، أمس، إجراءات ضد مقربين من بوتفليقة، وأصدرت أوامر بمنعهم من السفر. وجاء ذلك بعد 24 ساعة من اعتقال رجل الأعمال المعروف علي حداد، على الحدود التونسية، حيث كان يستعد للخروج بجواز سفر بريطاني إلى تونس، ومنها إلى فرنسا.
وقال النائب العام لـ«مجلس قضاء العاصمة» (محكمة الاستئناف)، في بيان، إنه أمر بـ«فتح تحقيقات في قضايا فساد وتهريب أموال بالعملة الصعبة، مع إصدار أوامر بالمنع من مغادرة التراب الوطني، كإجراء احترازي في حق مجموعة من الأشخاص»، من دون ذكر أسماء.
وأفاد مصدر في وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط» بأن النيابة أعدت لائحة بأسماء 50 شخصاً معنيين بالتدابير، ويأتي على رأسهم الإخوة كونيناف، وهم ثلاثة، أصحاب مجموعة للمقاولات والأشغال العمومية التي يترأسها شقيقهم رضا، صديق سعيد بوتفليقة. وكان والدهم المتوفي صديقاً لبوتفليقة منذ أيام ثورة التحرير في خمسينات القرن الماضي، وبفضله حصلوا على مشروعات ضخمة، ويكاد لا يخلو أي مشروع في قطاعات البناء والمياه والأشغال الفنية والنقل من أثر لـ«مجموعة كونيناف» الاقتصادية.
وتضمنت اللائحة علي حداد، رئيس مجموعة للأشغال العمومية، وشقيقه عمر، وطحكوت محي الدين مالك مصنع لتركيب السيارات، والشركة الوحيدة لنقل طلبة الجامعة. كما طالت إجراءات النيابة نجليه بلال وناصر. وفي القائمة يوجد محمد بعيري، مقرب من حداد، ومالك شركة استيراد سيارات، وأسماء أخرى غير معروفة، قياساً إلى الأشخاص الذين يعرفهم عامة الجزائريين منذ سنوات طويلة، بحكم علامات الثراء الفاحش التي ظهرت عليهم في زمن قصير.
ولوحظ أمس انتشار أفراد من الدرك بمحيط إقامات هؤلاء الأشخاص، وتتواجد بحي حيدرة والأبيار ودالي إبراهيم بأعالي العاصمة، وهي أماكن راقية. ويدير هؤلاء أعمالاً في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ويملكون عقارات وحسابات بنكية في دول مصنفة بأنها «جنات ضريبية».
وقال رئيس حزب «اتحاد الوطنيين الأحرار»: «يملك المقربون من الرئيس حسابات بنكية مفتوحة للقروض، وهم لا يضعون أموالهم في البنوك. يستفيدون من صفقات عمومية بآلاف المليارات، ثم يتنازلون عنها لشركات أخرى بآلاف المليارات، دون أن تتسخ أيديهم ولا يلامس غبار الورشات أحذيتهم. وأخيراً، اكتشفنا أن لهم طائرات خاصة، في نظام يحتكر النقل الجوي وأروقة الطيران في السماء، ومنصات الهبوط والإقلاع في الأرض. وأكثر من ذلك لديهم جوازات سفر وبطاقات إقامة في دول أجنبية، وأملاك في الخارج، أكثر مما لهم بلدهم الأصلي».
وتوالت ردود فعل الطبقة السياسية، أمس، على الحكومة الجديدة التي أعلنت عنها الرئاسة مساء الأحد، والتي تم الاحتفاظ فيها بـ6 وزراء من حكومة أحمد أويحيى، رئيس الوزراء المستقيل في 10 من الشهر الماضي.
وذكر رئيس الوزراء سابقاً علي بن فليس، وهو رئيس حزب «طلائع الحريات»، في بيان، أن «السلطة لم توفق في اختيار الشخصية التي وضعتها على رأس الحكومة (نور الدين بدوي)، بلجوئها إلى وجه من أوجه النظام السياسي القائم، الفاقد لكل مصداقية، والمرفوض شعبياً».
واللافت على الطاقم الحكومي أن الرئاسة أبقت على وزراء رفضهم الشارع لارتباطهم بمحيط الرئيس، خصوصاً هدى فرعون وزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام، وغنية ادالية وزيرة التضامن والأسرة، وهما تنتميان إلى «جبهة التحرير الوطني». كما يشار إلى تنحية رمضان لعمامرة، كنائب لرئيس الوزراء ووزير للخارجية.



السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
TT

السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

تعكف الرياض والقاهرة على وضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى السعودي - المصري»، وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي. وهو ما عدَّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «خطوة على طريق تعميق التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية».

وقال عبد العاطي، في تصريحات متلفزة، مساء الخميس: «نعمل حالياً على وضع الهيكل التنسيقي للمجلس المصري - السعودي»، مؤكداً على «العلاقة الاستراتيجية الوطيدة، والتنسيق المستمر بين البلدين».

وكان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد شهدا في ختام مباحثاتهما بالقاهرة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التوقيع على تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي» برئاسة الرئيس السيسي، وولى العهد السعودي.

ومنتصف الشهر الماضي، وافقت الحكومة المصرية على قرار تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي». وأوضحت الحكومة في إفادة لها، أن «المجلس يهدف إلى تكثيف التواصل وتعزيز التعاون بين مصر والمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات التي تهم الجانبين».

وعدَّ الإعلامي السعودي، خالد المجرشي، «مجلس التنسيق الأعلى السعودي - المصري» بمثابة «خطوة تؤكد إمكانية توسيع تكامل العلاقات بين الرياض والقاهرة، في إطار سلسلة من الخطوات التي بدأت قبل نحو عقد من الزمان».

وقال إن «المجلس يأتي في إطار بناء الآلية المستقبلية لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما مع توجيهات رسمية من قادة البلدين لتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري». واستشهد المجرشي بما سبق أن قاله وزير التجارة السعودي، ماجد القصبي، عن تكليفه بتشجيع الاستثمار في مصر.

ونهاية عام 2018، قال القصبي، خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات «مجلس الأعمال المصري - السعودي»، إنه «تلقى تكليفاً واضحاً من ولي العهد السعودي بأن يعد نفسه وزيراً بالحكومة المصرية سعياً لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين».

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إن «وجود مجلس أعلى للتنسيق بين القاهرة والرياض من شأنه تذليل أي عقبات أمام التعاون الثنائي لا سيما أنه برئاسة الرئيس السيسي وولي العهد»، موضحاً أن «المجلس خطوة لتعميق العلاقات بين السعودية ومصر في مختلف المجالات».

بدر عبد العاطي خلال استقبال الأمير فيصل بن فرحان بالقاهرة في سبتمبر الماضي (الخارجية المصرية)

وأوضح عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية بالبرلمان)، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن «السعودية ومصر هما قبة الميزان في المنطقة، وتعزيز التعاون بينهما ضروري لمواجهة التحديات الإقليمية»، وَعَدَّ سعيد «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، «نقطة بداية لمواجهة التحديات، وتحقيق الاستقرار الإقليمي».

وأضاف: «لا تستطيع دولة عربية واحدة مواجهة عدم الاستقرار الإقليمي»، مشيراً إلى أن «تعميق العلاقات السعودية - المصرية من خلال (مجلس التنسيق الأعلى) من شأنه حماية القاهرة والرياض من الأخطار، وأيضاً التنسيق لمواجهة ما يحيط بالمنطقة من تحديات».

وكان وزير الخارجية المصري أكد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في القاهرة، سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، «سيكون مظلة شاملة لمزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، والدفع لآفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية، بما يحقق مصالح الشعبين».

ووفق بيان الحكومة المصرية، الشهر الماضي، «يتألف المجلس من عدد من الوزراء والمسؤولين من البلدين في المجالات ذات الصلة»، كما «يعقد اجتماعات دورية بالتناوب في البلدين، ويحق له عقد اجتماعات استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك». والمجلس «سيحل محل الاتفاق الخاص بإنشاء اللجنة العليا المصرية - السعودية المشتركة».