معاناة مزدوجة لألمانيا بين تطرف يميني وتشدد أصولي

رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه  بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
TT

معاناة مزدوجة لألمانيا بين تطرف يميني وتشدد أصولي

رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه  بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)

هل هو قدر مقدور في زمن منظور أن تعاني ألمانيا من تطرفين مزدوجين في الوقت ذاته: تطرف يميني يكاد يضحي سلاح دمار شامل ضد أوروبا بأكملها وليس ألمانيا فقط من جهة... وتيارات أصولية ذات صبغة إسلاموية تسعى لاختراق مؤسسات البلاد الكبرى كافة؟
قبل الجواب، ربما ينبغي الإشارة إلى أن إشكالية العنصرية لم تغب عن سماوات ألمانيا، دائماً وأبداً؛ جرى ذلك قبل ثمانية عقود وأزيد، حين تسربت الأفكار النازية إلى الداخل الألماني، وقد رأى البعض أنها ضرب من ضروب القصاص التاريخي الذي حاول أن ينتقم من الإذلال الذي تعرضت لها ألمانيا، والاتفاقيات المجحفة التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الأولى، وكان ما كان من شأن صعود وارتقاء تلك النازية، من حرب عالمية لم تبقِ أوروبياً أو عالمياً على الزرع أو الضرع، وفاق ضحاياها أكثر من سبعين مليون نسمة.
وتاليا، بدا وكأن هناك نوعاً جديداً من أنواع العنصرية في الداخل الألماني، نوع ظهر محدده الرئيسي في التعاطي مع الأجانب، هؤلاء الذين بدأوا في التوافد إلى الأراضي الألمانية مع خمسينات وستينات القرن العشرين، وقيض لهم أن ينشئوا مجتمعات ذات طبيعة عرقية ودينية، وقد كان جلهم من تركيا وبعض دول شمال غربي أفريقيا، وقد بدأوا في الشعور بأن الألمان لا يبادلونهم المودة، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، جراء ما حدث من انهيارات بنكية في الولايات المتحدة الأميركية.
على أنه من المؤكد أن قضية اللاجئين الذين ألقت بهم تطورات الأحداث في الشرق الأوسط بعد سنوات ما عرف زيفاً باسم الربيع العربي، قد أفرزت حالة مغايرة من العنصرية غير المسبوقة في الداخل الألماني، وأعطت مفاتيح العمل غير الخلاق لجماعات التطرف الألماني المختلفة أسماؤها وأعضاؤها، مثل «بغيدا» ومن لف لفها، وبدا وكأن ألمانيا أمام قصة مغايرة من قصص العنصرية التي تواجهها أصولية؛ وكلاهما لن يضيف إلى ألمانيا إلا المزيد من الانهيار الإنساني والمخاوف الأمنية.
والشاهد أن ذلك التيار اليميني العنصري قد ارتفع مده وحده إلى درجة غير مسبوقة أظهرتها استطلاعات رأي معاصرة. فعلى سبيل المثال، أشار استطلاع للرأي أجرته جامعة «لاينبرغ» الألمانية إلى أن ثلث الألمان يؤيدون شعارات الرفض للأجانب واللاجئين، وارتفعت هذه النسبة إلى النصف في شرق ألمانيا. أما ردود الاستفتاء، فقد بينت أن ظاهرة الرهاب من الأجانب (الإكزنوفوبيا) قد انتشرت منذ سنوات، وأن نسبة عالية من الألمان تطالب بفرض الدور الريادي الثقافي لألمانيا ذات الصبغة والهوية المسيحية، بالقوة لو أمكن. كما بيّن استطلاع الرأي أن 50 في المائة من الألمان يشعرون بأن بلادهم تزدحم بالأجانب، وبأنهم يخشون على المجتمع الألماني من تفكك نسيجه الاجتماعي.
تبدو ألمانيا اليوم قلقة مضطربة جراء ما يحدث فيها، سواء داخل مؤسساتها المدنية أو ما هو موصول بقواتها المسلحة، الأمر الذي أضحى يسبب لها إزعاجاً كبيراً. فعلي سبيل المثال، وفي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، كان اليمين الألماني المتطرف يشكل مجموعات للدفاع الذاتي في مدينة بولاية بافاريا، مجموعات تتخذ من أخطار المهاجرين ومشاكلهم تكأة لإعادة بلورة جماعات لها ميول نازية عنصرية، وقد نشروا صوراً لها على «فيسبوك»، ظهر فيها عدد من أعضاء تلك المجموعات من الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف يرتدون سترات حمراء واقية عليها شعار الحزب، وبدأت هذه المجموعات في تسيير دوريات في الأماكن التي وقعت فيها الاعتداءات قبل احتفالات رأس السنة... ماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مخل، نحن أمام حالة توسع وانتشار لمريدي حزب «البديل من أجل ألمانيا» و«الحزب الوطني الديمقراطي الألماني»، لا سيما أنهما يقدمان أنفسهم وتابعيهم بوصفهم مجموعات الدفاع الذاتي التي تحافظ على الأمن والأمان، في حين أنهما يعززان من حالة التطرف وصعود الأصولية في داخل البلاد.
والثابت أن اليمين الألماني لم يعد خطراً فيما يتصل بوقائع الصدامات داخل المدن الألمانية فحسب، بل بات أثره وتجاذباته واقع حال فيما يخص علاقة ألمانيا أولاً بالاتحاد الأوروبي، وتكاد فعالياته تمضي في أثر «البريكست البريطاني».
وفي يناير الماضي أيضاً، افتتح اليمين القومي الألماني مؤتمراً يهدف لتنظيم حملة لخروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، ويتهم حزب «البديل من أجل ألمانيا» الاتحاد الأوروبي بأنه «أصبح هيكلية غير ديمقراطية، أعدها بيروقراطيون لا يتحلون بكثير من الشفافية، ولا يخضعون إلى مراقبة».
ويطالب الحزب الألماني المتشدد بإجراء إصلاحات عميقة بحلول عام 2024، أي مع انتهاء الولاية البرلمانية الأوروبية المقبلة، ويحذر من أنه في حال لم يتم ذلك «فسيكون من الضروري انسحاب ألمانيا، أو القيام بحل منسق للاتحاد الأوروبي»، وهذا السيناريو أطلق عليه اسم «ديكسيت بالألمانية»، في إشارة إلى دويتشلاند. ويرى رئيس الحزب، يورغ موتين، أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» يريد «اتحاداً أوروبياً أفضل»، وقد هدف المؤتمر بإجمالي أحداثه إلى وضع استراتيجية استعداداً للانتخابات الأوروبية المرتقبة في أواخر مايو (أيار) المقبل.
على أن السؤال المزعج للألمان مؤخراً: «هل قدر لتلك العناصر الحزبية الألمانية المتطرفة اختراق بعض من وحدات الجيش الألماني، لتضحي المخاوف هنا وبنوع خاص أشد هولاً؟
الجواب من واقع وجهة نظر سيسيولوجية بداية يقودنا إلى القول إن القوات المسلحة الألمانية وأفرادها ليسوا استثناء من التطورات الجارية هناك بشكل مقلق للجميع، فهي في كل الأحوال مجتمع مصغر يعكس جميع الأفكار والتوجهات، وكذلك الولاءات والتجاذبات الممزقة للمجتمع الألماني، وما يدور في داخله، وقد أشارت صحف ألمانية كثيرة إلى اكتشافات أفادت بها الاستخبارات العسكرية الألمانية تؤكد وجود عناصر من اليمين الألماني المتطرف داخل وحدات للجيش الألماني.
ولعل الاهتمام الفائق بما يجري في الجيش الألماني قد تبدى قبل نحو عامين، بعد اكتشاف مؤامرات يرتب لها ضباط ألمان يميلون للأفكار النازية المحظورة، ويحاولون إلصاقها بعدد من المهاجرين من الشرق الأوسط، الأمر الذي كشفته مجلة «ديرشبيغل» الألمانية الشهيرة، بعد نشرها صوراً لجنود ألمان قاموا برسم رموز نازية على جدران بعض الوحدات السكنية في معسكرات بها جنود ألمان في ثكنة «الكيغش»، في شمال فرنسا من جهة، وأخرى في الجنوب الغربي من ألمانيا.
ومن ناحية ثانية، لم يقتصر الأمر على صور الجدران، بل تخطاها إلى وجود مسدسات وخوذات وميداليات عسكرية نازية. أما وكالة الأنباء العالمية «رويترز»، فقد نقلت عن الناطق باسم وزارة الدفاع الألمانية قوله إن المواد التي عثر عليها لم تحتوِ على رسوم للصليب المعقوف، وإن كانت قد وجدت علامات أخرى قريبة الشبه من الانتماء النازي.
أما الهول الأعظم فيما يخص التطرف الألماني المسلح، فقد أفردت مجلة «فوكوس» الألمانية أخباره في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك حين كشفت إدارة التحقيقات الجنائية الاتحادية الألمانية عن مؤامرة كانت تحضر داخل صفوف الجيش الألماني للقيام بعمليات اغتيال لشخصيات ووجوه سياسية في البلاد.
المعلومات المتاحة تشير إلى أن المخططين هم مجموعة من عسكريين في الجيش الألماني، بالإضافة إلى عسكريين في القوات الخاصة الألمانية، ومجموعات عسكرية متخصصة أخرى... ماذا كانت ملامح خطة عسكر ألمانيا من المتطرفين؟
لا تتبدى خطورة الحدث فقط من مجرد التخطيط العسكري، رغم فداحة المشهد، بل الأسوأ والأخطر معاً هو أن المجموعة اعتبرت أن الدولة الألمانية أصبحت على حافة الانهيار، وأنه لا بد من بديل يكون جاهزاً لتسلم البلاد، وقد استطاع هؤلاء جمع أسلحة مختلفة ومواد بنزين خصيصاً ليوم الانقلاب بالتحديد.
وفي المقابل... كما ينتشر التوجه الألماني المتطرف في السياقين المدني والعسكري، كذلك تجري الأحداث في البلاد من الإسلامويين في المؤسسات ذات الصبغة الأهلية، ومن دون أن يغفلوا تسريب عناصرهم في داخل صفوف الألمان أنفسهم على الجانب العسكري، مما يجعل المخاوف هائلة والخسائر مضاعفة. ويمكن للمتابع لشؤون ألمانيا أن يرصد ما يشبه الصحوة الألمانية تجاه المؤسسات الإسلاموية على الأراضي الألمانية، لا سيما تلك التي ترعاها تركيا، والمرتبطة ارتباطاً جذرياً وثيقاً بالإخوان المسلمين.
ولا يغيب عن أعين المحلل السياسي وثيق الصلة بما يحدث على الأراضي الألمانية أن هناك تاريخاً طويلاً للحضور الأصولي في ألمانيا، حضور يسبق الحرب العالمية الثانية، وقد قام الكاتب الصحافي إيان جونسون بتضمين كتابه «مسجد في ميونيخ» أبعاد ما جرى، وكيف أن النازية قد تلاعبت بالقوى الإسلاموية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمين في صراعها مع الجانب الروسي قبل عقود طوال.
وتجددت الروح الأصولية الإسلاموية في الداخل الألماني مرة جديدة بعد اكتشاف خلية هامبورغ، تلك التي كانت تقف وراء حادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، أي هجمات نيويورك وواشنطن، بقيادة الانتحاري محمد عطا، وبلغ الأمر منتهاه مع وصول وتسرب عناصر من «داعش» وبقية الجماعات المتطرفة إلى الداخل الألماني، ضمن عشرات الآلاف من المهاجرين في الأعوام الأخيرة.
ومؤخراً، بدا وكأن أجهزة الأمن والاستخبارات الألمانية تقف بالمرصاد للمؤسسات والجمعيات الإخوانية، وإن اتخذت لها ستاراً من العمل المدني، غير أن ما لم يكن في الحسبان هو اكتشاف اختراقات لمتطرفين إسلامويين لقوات الجيش الألماني على حد سواء... ماذا عن هذا؟
وفي أوائل فبراير (شباط) الماضي، كشفت إحصائيات للاستخبارات العسكرية الألمانية عن ارتفاع حالات الاشتباه، فيما يتعلق بالتطرف الإسلاموي داخل صفوف القوات المسلحة الألمانية. ولاحقاً، كانت صحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية تشير إلى اكتشاف وجود 3 عناصر شديدة الخطورة داخل الجيش الألماني، وقد تم اتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم، وغالبيتهم غادروا صفوف القوات المسلحة مطرودين من الخدمة. ما الذي يريده هؤلاء بانضمامهم إلى معسكرات الجيش الألماني؟
قد يكون الجواب مثيراً وخطيراً في الوقت ذاته، ذلك أن هناك دوائر إسلاموية في ألمانيا على علاقة وثيقة بالتطرف الأصولي في العالم العربي والإسلامي، دوائر تريد لعناصرها الالتحاق بالجيش الألماني لتلقى تدريبات عالية المستوى، أولئك المعروفين باسم «المجندين على المدى القصير»، وهؤلاء عادة ما يضحون «خميرة شر» جاهزة للانتقال إلى أماكن أخرى حول العالم، لنشر شرورهم المجانية، وإشاعة إرهابهم الآثم.
ما يجري على الأراضي الألمانية، من تطرف يميني واختراق أصولي إسلاموي، أمر شديد الخطورة والوعورة، يتوجب الانتباه له عربياً وشرق أوسطياً في الحال والاستقبال.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.