لم يعد لدى المتابعين للشأن اليمني على مدى 3 أشهر أي بصيص للأمل في نجاح تنفيذ اتفاق السويد بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية، وهو الاتفاق الذي وصف منذ لحظة وجوده بأنه ولد ميتاً، ولا يمكن لحلفاء إيران و«حزب الله» الانصياع له.
وعلى الرغم من أن الحكومة الشرعية ذهبت إلى استوكهولم بحسن نية، وفي سياق التعاون مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لإيجاد مخرج للبلاد، عبر التوصل إلى اتفاق تمهيدي لبناء الثقة، فإنها في قرارة نفسها كانت تدرك استحالة تطبيق مثل هذا الاتفاق، وهو ما تبدى في تصريحات كثير من المسؤولين اليمنيين، ابتداء من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وانتهاء بوزير خارجيته خالد اليماني.
وفي حين تبدت نتيجة الفشل متوقعة بالنسبة للشرعية، بقي فقط بحسب المراقبين أن تنعى الأمم المتحدة رسمياً الاتفاق، وتضع كل أوراقها التي ذهبت أدراج الرياح في الحديدة مجدداً على طاولة مجلس الأمن، الذي يبدو أنه ليس بالحماسة الكافية من أجل اتخاذ قرار حازم يردع الحوثيين وحلفاءهم الإقليميين.
وقد حاول وزير الخارجية اليمني خالد اليماني أن يعترف في أحدث مقالاته، التي نشرها موقع «العربية نت» في نسخته الإنجليزية، بأن اتفاق السويد فشل، كما حاول أن يتطرق إلى مقدمات الفشل وأسبابه الإقليمية والدولية والأممية.
لعب إيراني بالورقة اليمنية
يقول اليماني إنه خلال لقاءاته في بروكسل، مطلع فبراير (شباط) الماضي، أفصح كثير من الوزراء الأوروبيين بأن إيران لعبت دوراً لإنجاح مشاورات السلام في اليمن، وأنها وجّهت الحوثيين للقبول بالاتفاقات التي تم التوصل إليها مع وفد الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018، وكان رده المباشر عليهم قوله: «إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم توجههم إيران، الدولة الراعية للميليشيات الحوثية في اليمن، للقيام بتنفيذ تلك الاتفاقات؟!».
وكان الرد من قبل هؤلاء الوزراء، أن السبب هو حدوث تغيير «في موازين القوى في المنطقة»، إلى جانب «الضغوطات التي شكلتها العقوبات الأميركية على إيران»، وكلها أفضت إلى دفع نظام الملالي لعدم التعاون في الملف اليمني.
ويعتقد اليماني «أن إحجام الحوثيين عن تنفيذ اتفاقات السويد، وتعنتهم، يؤكد التزامهم بتكتيكات التفاوض الإيرانية، التي تبدأ بالموافقة الضمنية على مجمل الحلول التفاوضية، ثم التراجع عنها جملة وتفصيلاً، لانتزاع مزيد من التنازلات من المجتمع الدولي، وفرض واقع على الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية، للسير في طريق الحرب، الذي وفق رؤيتهم يشكل النصر لمشروعهم».
ويستغرب اليماني من أن العالم «كأنه لا يدرك أن هذه الميليشيات المدعومة من إيران هي من انقضت على اليمن، وسرقت أحلام اليمنيين، وأشعلتها حرباً في كل مكان، لفرض أجندة إيران في اليمن، كما فرضتها في أماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط».
ويعتقد أن هناك أجندة تقف وراء سياسة بعض الدول الغربية، بالنسبة للملف اليمني، مستشهداً بإحدى الدول التي كانت راعية لاتفاق السويد وحاضرة أثناء صياغة الاتفاق، والتي بدأت - حسب قوله - في الآونة الأخيرة «لترويج فكرة أن بنود الاتفاق كانت ضبابية، وهي حمالة لتفسيرات مختلفة». ويؤكد «على الأجندات الخفية التي تحرك الدول في الملف اليمني، والتي تبتغي مصالح لدولها، ضاربة عرض الحائط بمعاناة ومأساة أبناء اليمن، الذين خرجوا دفاعاً عن وطنهم قبل أن تلتهمه إيران، التي تشدقت بأن العاصمة العربية الرابعة باتت تحت قبضتها».
السياق القانوني
يشير الوزير إلى وجود تلكؤ واضح لدى الأمم المتحدة، على الرغم من سعي الحكومة الشرعية الحثيث إلى تجلية الفهم القانوني للاتفاق، وبيانها «مفهوم المسارات القانونية للسلطة، بما في ذلك مسألة الأمن وإدارة الموانئ والإيرادات وفرع البنك المركزي». ويقول إن الأمين العام للأمم المتحدة أكد للرئيس هادي في الساعات الأولى من صباح يوم 13 ديسمبر 2018 «أن الهدف في النهاية لهذا الاتفاق يتلخص في انسحاب الحوثيين والقوات الحكومية من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومدينة الحديدة، وعودة سلطات الدولة الدستورية، ضمن جدول زمني وخريطة انتشار عسكري، أرفقتا بالاتفاق».
وكشف اليماني أن الاتفاق «خصص 4 أيام لانسحاب الميليشيات الحوثية من موانئ الحديدة، تحت إشراف لجنة تنسيق إعادة الانتشار، التي أنشئت بقرار مجلس الأمن 2451. وهي لجنة مكونة من الأمم المتحدة والحكومة اليمنية والميليشيات الحوثية، وقد فوّضها القرار حق التدقيق والمتابعة لتنفيذ اتفاق الحديدة»، مضيفاً: «العالم شهد المسرحية التي أنتجها الحوثي في ميناء الحديدة بعد أسبوعين من دخول الاتفاق حيز النفاذ، ليقوم بالانسحاب الصوري، ويسلم عناصره إدارة الميناء، ولما كشف الجنرال باتريك كومارت الأمر اعتُبر بنظر الحوثيين شخصاً غير مرغوب فيه، وفقد تدريجياً وظيفته، وما كان من الأمم المتحدة إلا البحث عن مخرج يليق بالمنظمة الدولية، حينما قالت إن عقد الجنرال كومارت كان قصيراً للغاية».
فرصة تلو أخرى
ولأن الحكومة الشرعية كانت حريصة على التعاطي الجاد مع الأمم المتحدة، استمرت في التعاون معها، حتى بعد انقضاء المدة الأولية المحددة لتنفيذ الاتفاق، وقامت بالموافقة على تمديد مهلة تنفيذ اتفاق الحديدة، الذي كان من المفترض الانتهاء منه مع نهاية ديسمبر 2018، وقدّم الرئيس هادي عرضاً للمبعوث الدولي في اجتماعه معه يوم 7 يناير (كانون الثاني) الماضي حول ضرورة تقديم خريطة طريق مزمنة لاتفاق الحديدة، وفق بنودها الأصلية، حتى يتم التضييق على الميليشيات للتنفيذ.
وبعد مرور شهر دون تنفيذ الاتفاق، وافقت الحكومة اليمنية - بحسب اليماني - «على تقدم البنود الإنسانية لاتفاق الحديدة على بنود إعادة الانتشار، بناء على طلب المبعوث الخاص؛ حيث أبرز برنامج الغذاء العالمي الحاجة للوصول إلى مطاحن البحر الأحمر، حيث تخزن كمية كبيرة من القمح، تساوي 51 طناً مترياً من القمح، أي 10 في المائة من كامل ميزانية البرنامج في اليمن للعام 2018، ما يكفي لتغذية 3.7 مليون نسمة طوال شهر كامل».
وفيما يشير اليماني إلى قصف الميليشيات الحوثية لمخازن القمح، وإتلاف نحو 20 في المائة من المخزون، قال إن الحكومة الشرعية بادرت «بحسن نية بإبلاغ برنامج الغذاء العالمي في 26 فبراير باستعدادها للتعاون، لإخراج كميات القمح عبر الطرق الآمنة في المناطق المحررة تحت سيطرة الجيش الوطني، لنقل الكميات وتوزيعها بحسب خطط البرنامج الإنسانية، وذلك بعد فشل كل من الجنرال كومارت، وتلاه الجنرال لوليسغارد، في فتح ممر آمن عبر شارع الستين، المعروف بشارع صنعاء، لنقل المواد الإغاثية».
وفي تعاون حكومي آخر مع الأمم المتحدة، وافقت الشرعية في 31 يناير على طلب الأمم المتحدة بتغيير رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، الذي كانت له تصريحات قوية عقب مغادرة المنصب، وجّه فيها الاتهام للميليشيات الحوثية بعرقلة جهود تنفيذ اتفاق استوكهولم حول الحديدة. إلا أن الميليشيات الحوثية أبدت تعنتها على الرغم «من كل المواقف المرنة التي أبدتها الحكومة، واستعداد الفريق الحكومي للمخاطرة بحياة أعضائه والذهاب لاجتماعات لجنة تنسيق إعادة الانتشار في مناطق سيطرة الانقلابيين، وتعرضهم للاستهداف المباشر في أكثر من مناسبة، وبشهادة الأمم المتحدة، ورفض الطرف الانقلابي المشاركة في الاجتماعات التي دعا إليها رئيس اللجنة الجنرال لوليسغارد في مناطق سيطرة الجيش الوطني».
وأوضح اليماني في مقاله، أن الوفد الحكومي عمل بجدّ مع الجنرال لوليسغارد، الذي قضى شهر فبراير في صياغة خطة بسيطة لمباشرة المرحلة الأولى من إعادة الانتشار، في خروج واضح عن الصيغة التي تمخضت عن اتفاقات استوكهولم، التي تلخصت في انسحاب الميليشيات الحوثية من موانئ الصليف ورأس عيسى، فيما تنسحب القوات الحكومية من مثلث الكيلو 8 الاستراتيجي.
وقال إن الحكومة «قبلت الانسحاب لما يقارب 4 كيلومترات من منطقة حيوية في عمق المدينة، فيما يشكل انسحاب الميليشيات من موانئ الصليف ورأس عيسى انسحاباً ضمن مساحتهم العملياتية العسكرية».
وفي 10 مارس (آذار) الحالي - كما يقول اليماني - وبعد اجتماعات متكررة للمبعوث الخاص خلال 6 زيارات إلى صنعاء للقاء قيادة الميليشيات، التي دأبت على إرسال التطمينات وتقديم الموافقات، فيما تترك للميليشيات في الحديدة رفض كل خطوة باتجاه تنفيذ الاتفاق، قدمت الحكومة اليمنية رؤية لحل إشكاليات الأمن في المناطق التي سيتم الانسحاب منها ريثما يتم حسم الأمر في المرحلة الثانية. وتتلخص الفكرة التي تنطلق من صلب القرارين 2451 و2452 في قيام لجنة مشتركة من الأطراف الثلاثة للرقابة على الانسحابات من موانئ الصليف ورأس عيسى ومثلث الكيلو 8.
وبعد أن قام الجنرال لوليسغارد - بحسب اليماني - بإبلاغ الأطراف لمباشرة التنفيذ، طلب الجانب الحوثي منحه مزيداً من الوقت للتشاور، ولم يأت الرد الحوثي إلا قبيل ساعتين من عقد جلسة مجلس الأمن المغلقة، التي دعت لها المملكة المتحدة في 13 مارس الحالي، فكان رد الحوثيين برفض المقترح الدولي والتهديد بتنفيذ الانسحاب من طرف واحد، في تكرار لمسرحية ميناء الحديدة في 29 ديسمبر 2018، وهي التسمية التي أطلقها الجنرال كومارت على مهزلة الانسحاب الحوثي.
نعي الاتفاق
يبدو أن الشرعية اليمنية توصلت إلى قناعة مطلقة بعدم جدوى الجهود المبذولة مع الميليشيات الحوثية، خاصة بعد أن أفشلت الجماعة جهود الجنرال كومارت، وأفشلت خطته لإطلاق قافلة إنسانية، ثم رفضت خطته لإعادة الانتشار، ثم أفشلت خطة لوليسغارد للوصول إلى المطاحن، ثم رفضت خطته لإعادة الانتشار.
يقول اليماني: «في كل هذه الخطوات، كانت الجماعة توافق وتستهلك الوقت، ثم ترفض أخيراً، دون أي اعتبار للجهود الدولية، ولا بمعاناة الشعب، ولا بضحايا الحروب التي تختلقها مع كل فرصة للسلام».
ويتساءل وزير الخارجية اليمني: «هل سيكون بمقدور السيد مارتن غريفيث، والجنرال لوليسغارد تنفيذ أي خطوة في اتفاق الحديدة، في الوقت الذي يرفض الحوثي فكرة الانسحاب، التي يرتكز عليها اتفاق الحديدة، بل يرتكز عليها مفهوم قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يؤكد على ضرورة انسحاب الميليشيات الحوثية وتسليم الأسلحة؟!».
وأمام تعنت ورفض هكذا من الطرف الحوثي، يتساءل أيضا اليماني: «ماذا بقي لفرص السلام في اليمن، بعد أن جرّب المبعوث الخاص الخوض في تجربة الخطوات الصغيرة لبناء الثقة، التي فشلت بسبب تصلب موقف الحوثيين، ومن ورائهم إيران؟!».
ويعترف، فيما أشبه ما يكون ببيان نعي لأي عملية مشاورات جديدة مع الحوثيين، فضلاً عن كونها نعياً لاتفاق استوكهولم، بعدم جدوى أي مساعٍ لتجربة الحل الشامل، مستشهداً بفشلها في الكويت بعد أكثر من 100 يوم من المشاورات التي أنجزت الشق الأمني من الاتفاق الشامل، الذي وقّعت عليه الحكومة اليمنية، فيما هرب الطرف الحوثي من طاولة المشاورات.
وتساءل مجدداً: «هل الأفكار التي عرضت مؤخراً للقفز إلى الحلول النهائية ستجدي نفعاً مع طرف حوثي مغامر لا يعرف القانون الدولي، ولا يعي أهمية احترام التعهدات والاتفاقات؟!».