مطالبات متزايدة لنتنياهو بالاستقالة لانشغاله بتهم الفساد

استطلاع بيّن تراجعه في مقابل تقدم غانتس

أمام مدخل مقر نتنياهو في القدس (أ.ف.ب)
أمام مدخل مقر نتنياهو في القدس (أ.ف.ب)
TT

مطالبات متزايدة لنتنياهو بالاستقالة لانشغاله بتهم الفساد

أمام مدخل مقر نتنياهو في القدس (أ.ف.ب)
أمام مدخل مقر نتنياهو في القدس (أ.ف.ب)

بعد قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، تقديم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى المحاكمة بتهمة تلقي الرشا وخيانة الأمانة وغيرهما من الاتهامات بالفساد، ارتفعت عدة أصوات تطالبه بالاستقالة. ولم تقتصر هذه المطالبة على المعارضة، بل انضم إليها عدد من كبار الوزراء والمسؤولين السابقين في الليكود الحاكم. وقال وزير المالية ووزير الشؤون الاستراتيجية دان مريدور، إن نتنياهو يدوس على ميراث عريق من اللبرالية اليمينية الديمقراطية وقدم أسوأ نموذج للقائد السياسي.
وانطلقت دعوة من الأوساط العسكرية في إسرائيل، التي شككت في وجود مصلحة إسرائيلية ببقاء نتنياهو رئيسا للحكومة في هذا الظرف، وقالت إن قراراته لن تكون سوية. ولكن هذه الأصوات خرجت بحزم خاص في مسألة منصب حساس آخر يتبوأه نتنياهو، هو وزارة الأمن. فقد اعتبر استمراره في هذا المنصب «خطرا استراتيجيا» و«يتوجب على قادة الأجهزة الأمنية إبداء المزيد من اليقظة والحساسية»، كما قال أحد المسؤولين العسكريين، أمس الجمعة، لوسائل الإعلام العبرية.
وأشار المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى أن رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، قد استقال قبل قرار المستشار القضائي للحكومة توجيه لائحة اتهام ضده. ومع ذلك، ففي الفترة التي مرت ما بين استقالة أولمرت (الثالثة الأخيرة من 2008) والانتخابات التي جرت بعدها وتسليمه الحكم لنتنياهو (في عام 2009)، وهي فترة 9 أشهر، شنت حكومة أولمرت حربا على قطاع غزة، أطلق عليها اسم: «عملية الرصاص المصبوب». وبحسب المحلل العسكري، فإن «نتنياهو يستعد لما هو أكبر من ذلك». وأضاف: «نتنياهو يصرح بأنه يعتقد أن بإمكانه إدارة شؤون الدولة حتى لو اقتضت محاكمته المثول أمام المحكمة المركزية في القدس 3 أو 4 مرات في الأسبوع، الأمر الذي من شأنه أن يستدعي إبداء المزيد من اليقظة من الآن، حيث إن نتنياهو سيضطر إلى إيجاد طريقة لدمج حملته الانتخابية ومعركته القضائية مع القيام بمهام منصبه رئيسا للحكومة ووزيرا للأمن». ويشير هرئيل إلى أن أحداث الأيام الأخيرة هي خير مثال على ذلك، حيث إنه اضطر لتقصير مدة زيارته «المهمة» لموسكو بهدف العودة إلى البلاد قبل نشر قرار المستشار القضائي للحكومة.
وقدم الكاتب مثلا على ذلك في تواصل سفر نتنياهو خارج البلاد المرتبط بالحفاظ على صورته أمام الجمهور تمهيدا للانتخابات التي يسعى لتكريسها، وكأن «زعماء الدول العظمى ودول أخرى كثيرة، من ضمنها الدول العربية، يصغون لآرائه ومواقفه». وقد شكك بمدى صدقية ادعاءات نتنياهو بتحقيق إنجازات خلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وقال: «المسألة الأهم بالنسبة لإسرائيل لم يتم التطرق إليها في بيانات تلخيص هذا اللقاء، ألا وهي تزويد سوريا ببطاريات صواريخ (إس 300). ومن المهم بالنسبة لنتنياهو أن يواصل بوتين تأخير تحويلها إلى عملانية، وأن يبقيها تحت الرقابة الروسية، ذلك أن استقلالية استخدام بطاريات الصواريخ قد يعجل استخدامها، بما يلزم طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بتدميرها حتى لا تشكل خطرا عليها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى التصعيد مع سوريا والقوات الإيرانية في الجبهة الجنوبية. وهذا فضلا عن التوتر مع قطاع غزة وربما الضفة الغربية».
وفي ضوء ذلك، خرجت المعارضة الإسرائيلية بمطلب إجماعي وهو أن يستقيل نتنياهو من رئاسة الحكومة ومن المعركة الانتخابية بالكامل. وصرح منافسه الأساسي بيني غانتس، بأنه لن يجلس في حكومة واحدة مع نتنياهو وهو متورط بقضايا فساد وينتظر المحاكمة. وانطلقت مظاهرة بمشاركة المئات أمام بيته تطالبه بالاستقالة. ونشرت غالبية الصحف الإسرائيلية مقالات وتحليلات تناديه بالاستقالة. وحتى في الولايات المتحدة، انطلقت انتقادات ضده، وقالت السيناتور إليزابيث وورن، المرشحة الدمقراطية للرئاسة الأميركية، إن «نتنياهو سياسي خطير. فقد تبنى اليمين المتطرف المشتبه بأعمال إرهابية وتورط في تهم خطيرة بالفساد تنطوي على تلقي الرشوة وخيانة الأمانة والمتاجرة بالامتيازات الحكومية». وأضافت: «الفساد في الحكم، في إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، سرطان يهدد الديمقراطية. وعلينا أن نحاربه، أيضا لدى حلفائنا».
وأما نتنياهو، فقد خرج بخطاب عصبي حاد ضد إعلان المستشار القضائي عن نيته تقديمه إلى المحاكمة. وقال إنها حرب عليه من اليسار بالتعاون مع وسائل إعلام ومسؤولين في المستوى القضائي، هدفها إسقاط حكم اليمين بقيادته في محاولة لصعودهم إلى السلطة. وتعهد نتنياهو بتفنيد جميع الشبهات الجنائية، التي وصفها بـ«افتراءات ليس لها أساس»، وقال: «أؤكد لكم، كل الادعاءات سوف تنهار وتنسف لن يتبقى منها ولو حتى ذكرى غبار، وذلك عندما أواجه شهود الملك الذين شهدوا زورا ضدي وأدلوا بشهادات كاذبة». واعتبرها «حملة مطاردة لم يسبق لها مثيل، وملاحقة سياسية بهدف وحيد هو إسقاط الحكومة اليمينية تحت قيادتي، وإيصال السلطة لحزب لبيد وغانتس اليساري. الذي سيحظى بدعم الأحزاب العربية».
واختتم نتنياهو بالوعد بأن «القضايا كلها ستسقط في المحكمة. وأنا أعتزم أن أواصل خدمة الدولة من منصب رئيس الحكومة، سأحكم لسنوات كثيرة». وسخر المحلل السياسي في صحيفة «معريب»، بن كسبيت، من ادعاءات نتنياهو أنه يتعرض لملاحقة، وتوجه إلى نتنياهو قائلا: «جميع الضالعين في التحقيقات هم رجالك، من دمك ولحمك. والشهود الملك هم حلفاؤك منذ سنين طويلة. هل يلاحقك آري هارو الذي يعتمر قلنسوة، واليميني الذي يقدس الأرض التي تسير عليها}؟
وفي أول استطلاع للرأي، أجري في تل أبيب، عقب الإعلان عن تقديم نتنياهو إلى المحاكمة، حقق تحالف «أزرق أبيض» برئاسة الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي «بيني غانتس»، تقدما واضحا على الليكود بقيادة نتنياهو.
وأظهر الاستطلاع، الذي بثته إذاعة 103 العبرية، أمس الجمعة، حصول تحالف «أزرق أبيض» برئاسة غانتس على 37 مقعدا (من إجمالي 120)، في مقابل 29 مقعدا فقط لحزب «الليكود» اليميني برئاسة نتنياهو. ويدل هذا على أن الليكود خسر 4 مقاعد على الأقل، مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل إعلان قرار المستشار القانوني للحكومة أن يحاكم نتنياهو.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».