ماكي سال يتقدم في انتخابات السنغال الرئاسية

يواجه تحديات اقتصادية كبيرة في ولايته الثانية

أنصار ماكي سال يحتفلون بعد صدور النتائج الجزئية في دكار أمس (إ.ب.أ)
أنصار ماكي سال يحتفلون بعد صدور النتائج الجزئية في دكار أمس (إ.ب.أ)
TT

ماكي سال يتقدم في انتخابات السنغال الرئاسية

أنصار ماكي سال يحتفلون بعد صدور النتائج الجزئية في دكار أمس (إ.ب.أ)
أنصار ماكي سال يحتفلون بعد صدور النتائج الجزئية في دكار أمس (إ.ب.أ)

أعلن رئيس الحملة الانتخابية للرئيس ماكي سال، ورئيس وزرائه محمد ديون، فوز الرئيس سال بولاية رئاسية ثانية، بنسبة «57 في المائة على الأقل» من الأصوات، في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد.
وقال ديون، في تصريح أدلى به الليلة قبل الماضية في مقر التحالف الرئاسي (بينو بوك ياكار)، في العاصمة دكار، إنه بعد معاينة النتائج المؤقتة الصادرة عن مختلف مكاتب التصويت «يمكن أن نهنئ الرئيس ماكي سال على إعادة انتخابه».
وأضاف ديون، في التصريح الذي نقلته الإذاعة والتلفزيون السنغالية، أن تحالف «بينو بوك ياكار» قد خرج فائزاً «على نطاق واسع في 13 جهة من جهات السنغال الـ14، وهو يراهن على 57 في المائة على الأقل من الأصوات المعبر عنها لفائدة مرشحه، وهو فوز سيسمح للرئيس بمواصلة عمل مهم لفائدة بلدنا على درب الإقلاع».
ويبدو أن النتائج التي حصل عليها الرئيس سال في داكار، وهي نتائج مؤقتة، كانت عاملاً حاسماً في فوزه في الدورة الأولى؛ ذلك أن مرشحي المعارضة كانوا يعتقدون أن سال لن يحصل على أصوات كثيرة في داكار، بيد أن الرئيس سال حقق المفاجأة، ونجح نجاحاً باهراً في داكار، إذ حصل على 47.9 في المائة من الأصوات، خصوصاً أن عدد الناخبين في داكار يشكل ربع الكتلة الناخبة في البلاد.
ولوحظ أن الرئيس سال، الذي تصدر النتائج المؤقتة في معظم المناطق، لم يحصل على الصدارة في مدينة طوبى، المدينة المقدسة للطائفة المريدية التي ينتمي إليها المرشح إدريسا سك، ذلك أن الرئيس سال حصل فيها على 34.8 في المائة من الأصوات، بينما حصل سك على 56 في المائة. وفي مدينة مباكي، الواقعة في المنطقة ذاتها، حصل سال على 40.6 في المائة، مقابل 48 في المائة للمرشح سك.
ولقي الرئيس سال أيضاً بعض المتاعب في محافظة كازامانس، حيث صوتت لصالح عصمان سونكو الذي ينحدر من المحافظة نفسها، وحصل الرئيس في بيكونيا على 31.5 في المائة من الأصوات، بينما حصل سونكو على 60.4 في المائة من الأصوات.
ومن غير المتوقع الإعلان عن النتائج الرسمية على مستوى المناطق قبل اليوم (الثلاثاء)، وعلى المستوى الوطني، بحلول منتصف ليل الجمعة، كأبعد تقدير.
وفي غضون ذلك، قالت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بالسنغال، في بيان صدر عنها أمس (الاثنين)، إنها «حريصة على استمرار أجواء الهدوء والسكينة في البلاد التي طبعت يوم الاقتراع الأحد 24 فبراير (شباط) 2019»، مشيرة إلى أنه بموجب المادة (86) من قانون الانتخابات في السنغال، فإن «إعلان النتائج يكون في آخر منتصف ليل الجمعة الذي يلي الاقتراع»، قبل أن تضيف أن المادة (139) من القانون نفسه تقول إن «الإعلان النهائي للنتائج هو من اختصاص المجلس الدستوري، وفق ما تنص عليه المادة (35) من الدستور».
وخلص البيان الصادر عن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (زوال أمس الاثنين) إلى القول إن عمليات فرز الأصوات ومعالجتها ما تزال مستمرة من طرف الجهات المختصة.
ودعت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات المرشحين وأنصارهم، بالإضافة إلى الفاعلين في المجتمع المدني وعموم الشعب السنغالي، إلى «الامتناع عن أي إعلان سابق لأوانه بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية».
بدوره، قال القاضي دمبا كانجي، رئيس اللجنة الوطنية لفرز الأصوات، في مؤتمر صحافي عقده أمس، إن القانون سيطبق على الجميع في حالة أي اعتراض أو خلاف حول نتائج الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية، مضيفاً أن «القانون يلزمنا بإعلان النتائج النهائية في أجل يسبق يوم الجمعة عند منتصف الليل، وهو ما سنقوم به».
وقدم رئيس اللجنة أمام العشرات من الصحافيين شرحاً مفصلاً لتفاصيل عمل اللجنة، وكيف أنها تتقيد بما قال إنه «قانون واضح صريح دقيق»، مشيرة إلى أنها تعتمد في النتائج التي بحوزتها على محاضر صادرة عن رؤساء مكاتب التصويت، موقع عليها من ممثلي المرشحين، تحت إشراف مباشر من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات».
وقال القاضي السنغالي إن تنظيم الانتخابات «امتحان ديمقراطي صعب يجب علينا جميعاً أن نعمل على تجاوزه؛ لجان مشرفة ومرشحين وهيئات مجتمع مدني».
وأضاف: «يجب أن يتم ذلك بالنقاش والتوافق، والتشاور والتنسيق، وحتى أنتم الصحافة يجب أن تساعدوا على ذلك»، مشيراً إلى أن «جميع محاضر التصويت موجودة بحوزتنا، ولكنها أيضاً بحوزة ممثلي الأحزاب وأعضاء مكاتب التصويت».
وأشار القاضي إلى أن «العمل الحقيقي للجنة يبدأ اليوم (الاثنين). لقد توصلنا بجميع محاضر التصويت لمناطق السنغال كاملة. وخلال الساعات المقبلة، سنتلقى شكاوى وتصحيحات لأخطاء قد تكون حدثت. إننا نتشاور في ذلك مع ممثلي الأحزاب والمراقبين الدوليين والوطنيين».
وخلص إلى القول: «عملنا يجري بكل شفافية، ويتم بالتنسيق مع ممثلي الأحزاب السياسية، والمرشحون لديهم الحق في المشاركة في هذا النقاش حول النتائج، وهم شركاء أيضاً في ضمان الشفافية، ونتمنى أن يتم كل ذلك بالتوافق والتشاور. وفي حالة غياب ذلك، فإن القانون واضح صريح، وسوف نطبقه على الجميع، ليكون هو الحاسم».
تجدر الإشارة إلى أنه في حال عدم حصول أي من المرشحين على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، ستتم الدعوة لدور ثانٍ في 24 مارس (آذار) المقبل.
وكان المرشحان عصمان سونكو وإدريسا سيك قد أعلنا في وقت سابق أن تنظيم دور ثانٍ للانتخابات الرئاسية «أمر حتمي»، بالنظر إلى النتائج التي يتوفران عليها.
وقال سيك، وهو وزير أول (رئيس حكومة) أسبق، إنه «في هذه المرحلة، يتم الإعلان عن دور ثانٍ، والنتائج التي تم جمعها حتى الآن تسمح لنا بقول ذلك».
أما أوسمان سونكو، فأكد أنه «في المرحلة الحالية لفرز الأصوات، لا يمكن لأي مرشح، وأشدد أي مرشح وأنا منهم، إعلان الفوز في الانتخابات الرئاسية».
واستيقظت مدينة داكار أمس (الاثنين) على يوم جديد، وبدت الحركة فيها طبيعية جداً، والناس منشغلون بأعمالهم اليومية، وخفتت حدة النقاشات السياسية في الشوارع والمحلات التجارية والمطاعم، ولكن في المقابل، ومع العودة إلى الحياة الطبيعية، بدأت تظهر التحديات التي تنتظر الرئيس سال في ولايته الرئاسية الجديدة، والوعود الكبيرة التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية.
ومن أبرز هذه الوعود تعهده بخلق «مليون فرصة عمل» خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي فرص عمل موجهة في أغلبها نحو الشباب والنساء، فالإحصائيات الصادرة عن الحكومة السنغالية تشير إلى أن قرابة ثلثي السكان (البالغ عددهم 16 مليون نسمة، حسب إحصاء رسمي جرى عام 2017) ينتمون لفئة الشباب، أي أن هذا الشعب يعد واحداً من أكثر الشعوب شباباً في العالم، وذلك خلق تحديات كبيرة للحكومة التي تجد نفسها مضطرة لخلق فرص عمل مناسبة لهذا الكم الهائل من الشباب.
والإحصائيات الصادرة عن الحكومة تشير إلى أن أغلب السنغاليين ينتمون للفئة العمرية من 15 إلى 34 عاماً، وهي الفئة العمرية الأكثر تضرراً من البطالة، إذ تقول إحصائية صادرة عن وكالة تشغيل الشباب الحكومية إن نسبة 15.7 في المائة من الشباب يعانون من البطالة، وأغلبهم من حملة الشهادات الجامعية، ومن سكان المدن، فنسبة البطالة تصل إلى 18.6 في المائة داخل المدينة، بينما تتوقف عند 13.1 في المائة في البوادي. لكن في المقابل تشير المعطيات إلى أن من يعانون من البطالة في الريف غالباً ما يهاجرون نحو المدن بحثاً عن عمل، أو تراودهم أحلام الهجرة السرية نحو أوروبا، ويفقد كثير من الشباب السنغالي أرواحهم غرقاً في البحر الأبيض المتوسط أو عطشاً في الصحراء الكبرى.
أما على مستوى النساء اللواتي يشكلن نسبة 51 في المائة من تعداد السكان، فتشير إحصائيات الحكومة إلى أنهن يعانين من البطالة أكثر من الرجال، إذ أن 22.1 في المائة من السنغاليات بلا شغل، بينما تتوقف هذه النسبة عند 9.6 في المائة لدى الرجال، وذلك ما دفع الرئيس سال في حملته الانتخابية إلى التركيز على النساء، متعهداً بخلق فرص عمل أكثر لهن، من خلال تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة لصالحهن.
ويقول الرئيس سال إنه يراهن على المرحلة الثانية من مشروعه «السنغال الناهض» من أجل توفير «مليون فرصة عمل» لصالح الشباب والنساء، وهو مشروع تنموي طموح يحظى بدعم الممولين الدوليين، ويشكل المرجعية الأولى لجميع الخطط التنموية في السنغال على المدى المتوسط والبعيد.
وانطلق مشروع «السنغال الناهض» عام 2014، في بداية الولاية الرئاسية الأولى لسال، ويقوم هذا المشروع على 3 محاور رئيسية، وهي: «التحول الهيكلي للاقتصاد» و«تعزيز الموارد البشرية» و«الحكم الرشيد». وكلف تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع (2014 - 2018) أكثر من 16.7 مليار دولار، على أن تنطلق المرحلة الثانية هذا العام (2019)، وهي مرحلة حاسمة نحو الهدف الأكبر للمشروع الطامح لتحويل السنغال في حدود عام 2035 إلى قوة اقتصادية نامية.
ولكن المشروع الذي يثير فخر السنغاليين لا يخلو من بعض الانتقادات التي وجهت له من طرف بعض السياسيين والاقتصاديين الذين يرون أنه يبالغ في الاعتماد على التمويلات الخارجية والقروض التي يقولون إنها ستثقل كاهل الدولة، وستدفع الأجيال المقبلة ثمنها غالياً، كما ستحول السنغال إلى دولة يتحكم فيها الممولون، حتى أن بعض السياسيين خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وصف المشروع بأنه «فرنسي»، وأنه لا يعدو كونه نمطاً جديداً من «الاستعمار»، وهي تهم يرفضها أنصار المشروع الذين يرون فيها مجرد «كلام سياسي وانتخابي لا تسنده أي أدلة».
ودعي 6 ملايين و683 ألفاً و43 ناخباً لاختيار رئيس جديد للبلاد، في إطار الاقتراع الرئاسي الحادي عشر من نوعه في تاريخ السنغال المستقل عن فرنسا عام 1960.
وتنافس في هذه الانتخابات 5 مرشحين، هم: الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال عن تحالف «بينو بوك ياكار»، وعيسى سال عن حزب الوحدة والتجمع، والوزير الأول الأسبق إدريسا سيك (تحالف رومي المعارض)، وأوسمان سونكو (تحالف باستيف)، وماديكي ديانغ وزير الخارجية الأسبق المنشق عن الحزب الديمقراطي السنغالي.



صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
TT

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

بسبب أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وحجم الثروات الكامنة فيها، وهشاشة أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية، تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز فيها، وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة»، وصراع إرادات ينتظر شرارة مشتعلة لينفجر صداماً إقليمياً.

وإذا كانت القوى الكبرى، مثل أميركا والصين وروسيا، تتصدر الواجهة في سباق الوجود بالقرن الأفريقي، فإن ذلك لم يمنع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران والهند من البحث عن مكان لها في المنطقة، ما دعا مسؤولين ومراقبين إلى التحذير من سيناريوهات تصعيدية عديدة بالمنطقة، كالتحول إلى «ميدان لحرب باردة» بين اللاعبين الدوليين.

ويُقصد بالقرن الأفريقي جغرافياً، الجزء الواقع غرب البحر الأحمر، وخليج عدن في شكل قرن، ويضم أربع دول، هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، ويتسع ليشمل دول الجوار: كينيا، أوغندا، تنزانيا، جنوب السودان، السودان، وكذلك اليمن، لارتباطها بهذه الدول.

صراع المواني

ويشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي، في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية للوجود بالمنطقة، لكونها معبراً رئيساً لنقل النفط من دول الخليج للأسواق العالمية. وتدلل على ذلك بيانات التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، حيث تسجل تلك التجارة نحو 12 في المائة من حركة تجارة العالم سنوياً، بواقع 30 في المائة من حركة حاويات الشحن العالمية، وبقيمة تتجاوز تريليون دولار. إلى جانب ما بين 7 إلى 10 في المائة من إمدادات النفط العالمية، وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يناير (كانون الثاني) 2024.

أحد المواني في جيبوتي (أ.ف.ب)

وتُضاعف المواني البحرية، وعددها 10 مواني، من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، لتحتل مرتبة متقدمة في سياسات القوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور بها، بالنظر إلى ما تمثله المنطقة من حلقة ربط بين مراكز تجارية وأسواق شرق ووسط أفريقيا ودول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وفق الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج. وعدّ اللواء فرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التأثير المتزايد للمنطقة، على حركة التجارة العالمية، يدفع الدول الكبرى، للوجود لتأمين تجارتها ومصالحها».

وبينما يتركز التنافس على تلك المواني بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه لم يمنع قوى إقليمية من الظهور على خريطة التنافس الدولي، مثل تركيا، وإثيوبيا التي تبحث عن منفذ بحري لها.

وتتنوع محددات اللاعبين الدوليين للتنافس على مواني القرن الأفريقي، إذ تنطلق لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، بضمان وجودها عبر مجموعة من «التحالفات البحرية الأمنية»، بينما تستهدف الصين توسيع استثماراتها في المواني البحرية في إطار مبادرتها «الحزام والطريق»، حيث تستحوذ على إدارة وتشغيل ميناء جيبوتي المعروف بـ«ميناء دوراله»، كما افتتحت عام 2018 منطقة تجارة حرة بجيبوتي مساحتها تقدر بنحو 48 كيلومتراً مربعاً. فيما تسيطر تركيا على ميناء مقديشو في الصومال، وفقاً لاتفاقية مارس (آذار) 2023. وإقليمياً تسعى إثيوبيا لإيجاد منفذ بحري لها، مطلع هذا العام، باتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض صومالي وعربي.

ناقلة نفط في البحر الأحمر (رويترز)

وتوفر حركة التجارة عبر الممر الملاحي للبحر الأحمر ميزة تنافسية، من حيث توفير الوقت والمسافة والتكلفة، حسب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، السماني الوسيلة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقع الجغرافي لقناة السويس والبحر الأحمر يجعلها أقصر طريق للتجارة بين الشرق والغرب، بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح».

وتعتمد دول شرق أفريقيا في تجارتها على البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعبر القناة نحو 34 في المائة من تجارة السودان، ونحو 31 في المائة من تجارة جيبوتي، و15 في المائة من تجارة كينيا، و10 في المائة لتنزانيا، وفقاً لتقرير «الأونكتاد»، في فبراير (شباط) 2024.

تنافس على الثروات

إلى جانب ذلك، تشكل ثروات القرن الأفريقي هدفاً آخر للتنافس الدولي. يدلل على ذلك وزير الإعلام الصومالي الأسبق، زكريا محمود، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بتدخلات أطراف دولية للاستفادة من الاحتياطي النفطي بالصومال الذي يبلغ 30 مليار برميل، وفقاً للحكومة الصومالية، وثرواته الحيوانية الكبيرة التي تُقدّر بنحو 56 مليون رأس ماشية، حسب منظمة «الفاو».

ووقعت تركيا والصومال، في يوليو (تموز) الماضي، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية. وأرسلت أنقرة على أثر ذلك، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سفينة الأبحاث السيزمية التركية «عروج ريس» إلى ميناء مقديشو، لإجراء مسح للغاز والنفط، في مهمة تستمر 7 أشهر.

وحسب تصريح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، عبد الرحمن مكاوي، لـ«الشرق الأوسط»، فإن المنطقة "تحظى بكميات كبيرة، من الليثيوم والذهب، والغاز، وغيرها من المعادن التي تحتاج إليها الدول الكبرى.

عسكرة البحر الأحمر

وبدافع مواجهة تهديدات حركة الملاحة، يتزايد الحشد العسكري الدولي بالمنطقة، فجيبوتي، رغم صغر مساحتها (23200 كيلومتر)، تستضيف 6 قواعد عسكرية لدول (الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، واليابان، وإسبانيا، وإيطاليا).

وباعتقاد الكاتب الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم، فإن «أطماع القوى الدولية في السيطرة على الممر المائي، وراء تزايد الوجود العسكري الأجنبي على الساحل الغربي للبحر الأحمر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تزايد العسكرة مخطط للاستعمار الحديث، ودليل على أن الصراع الدولي القادم سيكون بالإقليم».

وتشكل حالة الهشاشة، ومستويات الفقر، دوافع أساسية، لتأجير دول القرن الأفريقي مساحات من أراضيها، لإقامة قواعد عسكرية أجنبية بها، كما الوضع في جيبوتي وإريتريا والصومال. وفق مكاوي.

وتعتمد جيبوتي على الرسوم السنوية لتأجير أراضي القواعد العسكرية الأجنبية، بوصف ذلك جزءاً مهماً في دخلها القومي السنوي، حيث بلغت إيرادات تلك الرسوم عام 2020، نحو 129 مليون دولار أميركي، بواقع 18 في المائة من دخل البلاد، حسب معهد أبحاث «جايكا» التابع للوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

وأتاحت إريتريا، وجوداً عسكرياً لإسرائيل، بقاعدة في جزر «دهلك» (قرب مدينة مصوع الساحلية)، منذ تسعينات القرن الماضي، كما تستضيف قاعدة بحرية إيرانية، بالقرب من ميناء «عصب»، وفي الصومال افتتحت تركيا، قاعدة عسكرية (مخصصة للتدريب) على ساحل المحيط الهندي، في 2017.

لاعبون متنوعون

ودخلت الهند على الخط، حين نشرت البحرية الهندية للمرة الأولى مطلع العام الحالي، أسطولاً ضخماً يضمّ 12 سفينة حربية في خليج عدن وبحر العرب، بدعوى التصدي لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية.

ومع ذلك، لا تتوقف محاولات الوجود العسكري، من لاعبين دوليين آخرين بالمنطقة، خاصة مع التحركات الروسية، لإقامة قواعد لها على السواحل الإريترية والسودانية، وفقاً لرئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر، محجوب حامد آدم، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحشد العسكري الدولي، يعكس رغبة تلك الدول في فرض وصايتها على المنطقة».

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (أرشيفية - سونا)

وتسعى روسيا للحصول على موطئ قدم هي الأخرى على ساحل البحر الأحمر، حيث أبرمت اتفاقاً مع السودان عام 2017 لإنشاء قاعدة بحرية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، أن «موسكو طلبت إقامة محطة تزويد بالوقود على السواحل السودانية». وبموازاة ذلك، كانت موسكو أبرمت اتفاقاً مع إريتريا في يناير 2023، لاستغلال ميناء «مصوع».

وفي رأي وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، فإن موسكو «لن تسمح للقوى الغربية بتمديد نفوذها وحدها في الإقليم».

غير أن الحضور العسكري الأكبر في المنطقة، يأتي من نصيب أميركا، وفق المستشار العسكري السابق للخارجية الأميركية، عباس دهوك، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «واشنطن تكثف من وجودها العسكري، للرد على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، ومواجهة مخاطر القرصنة».

حرب باردة جديدة

نوّعت واشنطن من صيغ تحالفاتها الأمنية مع حلفائها، بدافع التصدي لتهديدات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. ودشّنت في سبيل ذلك، تحالف «سانتينال» البحري عام 2019. وفي 2022، شكلت «قوة المهام المشتركة 153» التي تضم 39 دولة. وفي نوفمبر 2023، أعلنت عن تحالف جديد باسم «حارس الازدهار» يضم 10 دول، للتصدي لهجمات الحوثيين وعرقلتهم للملاحة الدولية.

في المقابل، تُوسّع الصين نشاطها الاقتصادي بالمنطقة، وتسعى لإحكام قبضتها بالقروض المتزايدة لدول القرن الأفريقي، ما يثير قلق القوى الغربية، حسب المحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، الذي حذّر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من «فرض الوصاية الصينية على دول المنطقة، بسبب تراكم الديون».

وباعتقاد شرقاوي، فإن تحركات القوى الكبرى «تجعل من القرن الأفريقي ميداناً جديداً لحرب باردة بينها»، وحذّر من «تفاقم المواجهة، حال تعارض المصالح الصينية والروسية، مع تحركات القوى الغربية».

سيناريو «الحرب الباردة» بين أميركا والصين وروسيا لا يستبعده دهوك، الذي عدّ صراع النفوذ بين تلك الدول «يزيد من توترات المنطقة، وربما يصل إلى حدّ الصدام».

نزاعات وتحالفات

وتُشكّل توترات ونزاعات القرن الأفريقي، باباً خلفياً لتدخلات لاعبين خارجيين. فقد دفع توقيع إثيوبيا مُذكّرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي للحصول على ميناء بحري، مقديشو لتعزيز تعاونها العسكري مع حلفاء إقليميين مثل مصر وتركيا.

ووقّع الصومال في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، إلى جانب «مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. وتفاقم التوتر، مع توقيع الصومال ومصر، بروتوكول تعاون عسكري، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، وأعلنت عزمها على إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من بعثة حفظ السلام الجديدة الأفريقية، في خطوات أغضبت إثيوبيا، التي اتهمت الصومال بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار بالمنطقة».

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويُعوّل الصومال على مصر وتركيا لدعم قدرات جيشه في مواجهة التحركات الإثيوبية، وفق وزير الإعلام الصومالي الأسبق، عادّاً «الصدام بين مقديشو وأديس أبابا قادماً، وعلى نطاق إقليمي واسع». وقال إن الخطر في التحركات الإثيوبية «سعيها لاجتزاء جزء من أرض الصومال بالمخالفة للقانون الدولي».

غير أن الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال، يأتي بمباركة دول غربية، حسب الكاتب الصحافي الإثيوبي. ودلّل على ذلك بتعهد الولايات المتحدة وفرنسا، بعد توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، «بتطوير القوات البحرية الإثيوبية رغم عدم امتلاكها منفذاً بحرياً».

لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الصومالي في أنطاليا (جنوب تركيا) مارس الماضي (أرشيفية - الرئاسة التركية)

وتتمسك الحكومة الإثيوبية باتفاقها مع «أرض الصومال» للحصول على ميناء بحري. وأكّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نهاية أكتوبر الماضي، أن «بلاده تسعى للوصول السلمي للبحر الأحمر، ولا تحتاج إلى القوة أو الحرب. وإذا لم ننجح، فسيفعل ذلك أطفالنا».

وأفرزت التحركات الإثيوبية تحالفات إقليمية جديدة، منها آلية التعاون الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، ما ينذر بمواجهة مع أديس أبابا، وفق رئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر.

صراع مائي

ولا يمكن فصل التحركات المصرية لدعم الصومال عن مصالحها المائية، في ضوء النزاع القائم بين القاهرة وأديس أبابا حول «سد النهضة»، وفق تقدير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، الذي يرى أن «المياه ستشكل السبب الأساسي في الصراع الدولي والإقليمي القادم بالمنطقة».

صورة حديثة لسد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا على «إكس»)

غير أن اللواء فرج عدّ التعاون العسكري المصري - الصومالي «ليس مُوجّهاً ضد أحد، ويستهدف دعم قدرات مقديشو لمواجهة الإرهاب وتأمين الملاحة بمضيق باب المندب»، واستبعد وصول التوترات لمرحلة «الصراع العسكري».

ووفق بحث لمركز دراسات الحرب الأميركي، في سبتمبر (أيلول) 2024، فإن «لجوء الصومال لمصر وتركيا للمساعدة في التصدي للتحركات الإثيوبية، استفادت منه القاهرة وأنقرة، لتعزيز مصالحهما بالقرن الأفريقي». وقال إن «مشاركة الدولتين ستؤدي لزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع».

«استعمار جديد»

لا يختلف الأمر في حالة الحرب الداخلية بالسودان بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع». ذلك أن الاتصالات أظهرت تقارب الحكومة السودانية مع قوى كروسيا والصين ودول إقليمية مثل إيران، في مواجهة محور دولي مقابل، يقول قادة الجيش السوداني إنه داعم للطرف الآخر بالحرب (قوات الدعم السريع).

ويسعى السودان لوضع حد للتدخلات الخارجية من بعض الجهات التي تسعى للسيطرة عليه، وفق رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، لوفد مجلس السلم والأمن الأفريقي في أكتوبر الماضي، عاداً تلك التدخلات «استعماراً جديداً لبلاده».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وقد يدفع صراع النفوذ الدولي بالقرن الأفريقي إلى تمدد التنظيمات الإرهابية، أو ظهور «حروب بالوكالة» من تنظيمات مُسلّحة تحقيقاً لمصالح قوى دولية، وفق الكاتب إبراهيم، الذي دلّل بـ«بوادر التعاون بين حركة الشباب الصومالية، مع الحوثيين، ما قد يفرز تنظيمات مسلحة أكثر تشدداً بدعم خارجي، ويحول الوضع في المنطقة إلى (أفغانستان جديدة)».

ويرجح السماني الوسيلة هذا السيناريو في السودان، محذراً من «استغلال حركات مسلحة وتنظيمات أصولية وثورية، حالة الهشاشة الأمنية والسياسية، بالانتشار والتموضع على السواحل السودانية بالبحر الأحمر، التي تمتد لنحو 750 كيلومتراً».

وفي وقت استبعد فيه كل من فرج وشرقاوي انتشار التنظيمات الإرهابية في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية، فإن المستشار السابق للخارجية الأميركية عدّ أن «عدم استقرار منطقة البحر الأحمر، قد يؤدي لتمكين وانتشار التنظيمات الإرهابية بالمنطقة»، وطالب بضرورة «معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، ودعم جهود الاستقرار الإقليمي».