بدء مفاوضات غير مباشرة بين وفدي جوبا وجماعة التمرد في أديس أبابا

المتحدث باسم جيش جنوب السودان لـ {الشرق الأوسط} : المتمردون يسعون للتوسع في ولاية الوحدة وقواتنا تحاصرهم

الآلاف فروا من المعارك الأخيرة بين القوات الحكومية والمتمردين في بور بالقوارب عبر نهر النيل الأبيض من بلدة اويريال وجنوب السودان (ا ف ب)
الآلاف فروا من المعارك الأخيرة بين القوات الحكومية والمتمردين في بور بالقوارب عبر نهر النيل الأبيض من بلدة اويريال وجنوب السودان (ا ف ب)
TT

بدء مفاوضات غير مباشرة بين وفدي جوبا وجماعة التمرد في أديس أبابا

الآلاف فروا من المعارك الأخيرة بين القوات الحكومية والمتمردين في بور بالقوارب عبر نهر النيل الأبيض من بلدة اويريال وجنوب السودان (ا ف ب)
الآلاف فروا من المعارك الأخيرة بين القوات الحكومية والمتمردين في بور بالقوارب عبر نهر النيل الأبيض من بلدة اويريال وجنوب السودان (ا ف ب)

في وقت بدأت فيه المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حكومة جنوب السودان ومجموعة التمرد التي يقودها النائب السابق الدكتور رياك مشار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحت رعاية دول «الإيقاد»، دعت السفارة الأميركية رعاياها إلى مغادرة هذا البلد الذي يشهد حربا داخلية، بينما أعلن متحدث باسم جيش جنوب السودان عن اشتباكات عنيفة بين قواته والمتمردين في محيط مدينة بور عاصمة ولاية جونقلي شرق البلاد، نافيا وجود أي زحف لقوات مشار نحو العاصمة جوبا، لكنه أكد أن قوات التمرد تسعى للتوسع في ولاية الوحدة.\وقال مصدر مقرب من المفاوضات في أديس أبابا لـ«الشرق الأوسط» إن وفدي التفاوض من حكومة جنوب السودان والمجموعة التابعة إلى رياك مشار قد بدأت أمس أول حوار غير مباشر بلقاءات تعقدها الوساطة مع كل طرف على حدة للاتفاق حول أجندة التفاوض، وأضاف أن كل طرف متمسك بأجندته في التفاوض، وتوقع أن تحدد الوساطة أجندة يبدأ بها الطرفان المحادثات وأن ذلك سيجري في غضون الساعات القادمة، وقال «يبدو أن الوساطة ستطرح وقف العدائيات وتنفيذه على الأرض فورا وإطلاق سراح المعتقلين من جماعة مشار لتهيئة المناخ لبدء الحوار حول القضايا الأخرى»، مشيرا إلى أن مجموعة مشار طرحت قضية تكوين حكومة قومية انتقالية من كافة الأحزاب لكنه لم يحدد فترتها، وتابع: «على كل حال، الساعات القادمة ستوضح المواقف ودور الوساطة».
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان لها أن المفاوضات الهادفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حكومة جنوب السودان والمتمردين قد بدأت، لكن المحادثات المباشرة بين وفدي الطرفين لم تبدأ بعد، وقالت الوزارة إن الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (الإيقاد) «ملتزمة بتقديم الدعم بكل الوسائل الممكنة».
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان فيليب أقوير لـ«الشرق الأوسط»، إن «القوات التابعة لرياك مشار تحركت إلى الجنوب من بور، والجيش الشعبي لتحرير السودان يتحرك باتجاه بور»، وأضاف أن قوات الجيش الشعبي تواصل زحفها نحو بور لإعادة السيطرة عليها من المتمردين، مشيرا إلى أن قواته ستدخل بور خلال 48 ساعة، وقال «الحرب أصلا كر وفر ولكن عندما نسترد المناطق التي سيطرت عليها قوات مشار لن يستطيعوا العودة إليها مجددا»، بيد أنه أشار إلى أن قوات التمرد تبحث عن الغذاء والسلاح في تلك المنطقة لكنها لن تجد ما تبحث عنه بسبب فصل الجفاف الذي بدأ، وتابع: «ليس في مقدور قوات مشار السيطرة على بور عندما نستردها في الساعات القادمة إلا إذا استخدموا السحر الأفريقي، وهي الآن اتجهت جنوب المدينة بعد تقدم قواتنا».
وأكد المتحدث باسم جيش جنوب السودان أن قوات التمرد تعمل على توسيع سيطرتهم على ولاية الوحدة الغنية بالنفط، وقال إن قواته تجري عمليات حصار على قوات مشار في بانتيو بعد الحملات التي شنها المتمردون في شرق وجنوب الولاية، وأضاف: «نعمل على إخراج المتمردين من الولاية الغنية بالنفط حيث نحن نسيطر على شمال وغرب الولاية وقواتنا تتجه نحو المتمردين لطردهم»، مؤكدا أن قوات بلاده لن توقف عملياتها العسكرية وفقا للدستور الذي يعطيها حماية البلاد من العدوان الداخلي والخارجي، وقال «إذا جرى اتفاق أو صيغة لوقف العدائيات مع المتمردين فإن الجيش الشعبي سينفذ سياسة الحكومة ولكن حتى يصل الطرفان إلى اتفاق فعملياتنا سوف تستمر لحماية البلاد».
ونفى أقوير صحة الشائعات التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام عن توجه قوات التمرد تجاه مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، لكنه قال «كانت للمتمردين خطة للزحف نحو جوبا ولكن هذا مستحيل إلا في حال حاربت معهم الملائكة لأننا نسيطر على كل الطرق المؤدية إلى جوبا، والطريق الرابط بين العاصمة وبور»، وأضاف: «لن تدخل قوات التمرد جوبا ولا يوجد أي تهديد لها»، مشيرا إلى أن قواته منتشرة في مناطق منقلا، وجميزة، وسودان سفاري، ورئاسة القوة متمركزة في منطقة فرياك جنوب مدينة بور، مشددا على عدم مشاركة أي قوات أجنبية في القتال بين قواته والمتمردين، عادا أن الاتفاقيات العسكرية بين جوبا والخرطوم تختص بإدارة ومراقبة الحدود وليس التدخل في شؤون البلدين.
إلى ذلك، دعت سفارة الولايات المتحدة في جوبا أمس كل الأميركيين الموجودين في جنوب السودان إلى مغادرة جنوب السودان بسبب ما وصفته بتدهور الوضع الأمني، ونظمت عملية إجلاء جوا، وقالت السفارة في بيان: «نواصل دعوة المواطنين الأميركيين إلى مغادرة البلاد»، وأضافت أن رحلة إجلاء مواطنين أميركيين نحو الدولة المجاورة الآمنة الأقرب بدأت منذ الأمس، بينما ستغلق الخدمات القنصلية في السفارة اعتبارا من اليوم، وأكدت أنها ستخفض من جديد عددا من موظفيها بسبب الوضع الأمني المتدهور، ويعد هذا الإجراء هو الثاني منذ اندلاع المعارك بين القوات الحكومية والمتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار.
وناشدت السفارة كل الأميركيين غير القادرين على المغادرة مع الذين سيجري إجلاؤهم أن يدرسوا وضعهم الأمني والتفكير جديا أن يستقلوا طائرة تجارية لمغادرة جنوب السودان، وأضاف البيان: «عليهم أن ينظموا طريقة نقلهم نحو المطار وأن يدرسوا الوضع الأمني». وقد غادر رعايا دول أخرى منها بريطانيا، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والصومال عبر رحلات إجلاء نظمتها حكومات تلك الدول.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.