«حزب الله» منح الثقة للحكومة بعدما «شكّلها وفق شروطه»... وبعد {تهدئة إيرانية}

اعتاد الامتناع عن التصويت على «الحكومات الحريرية» السابقة

الرئيس سعد الحريري خلال مشاركته في إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في بيروت يوم الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس سعد الحريري خلال مشاركته في إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في بيروت يوم الخميس (إ.ب.أ)
TT

«حزب الله» منح الثقة للحكومة بعدما «شكّلها وفق شروطه»... وبعد {تهدئة إيرانية}

الرئيس سعد الحريري خلال مشاركته في إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في بيروت يوم الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس سعد الحريري خلال مشاركته في إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في بيروت يوم الخميس (إ.ب.أ)

خرج «حزب الله» عن عادته في التعامل مع ما يعرف بـ«الحكومات الحريرية» في لبنان، مانحاً الثقة في البرلمان لحكومة سعد الحريري الثالثة أول من أمس، بعدما اعتاد الامتناع عن التصويت على حكوماته السابقة.
مقاربة جديدة قد يضعها بعضهم، وتحديداً حلفاء الحزب، ضمن سياسته التي بدأها منذ ما قبل الانتخابات النيابية عبر تصويب الاهتمام على الأمور الداخلية اللبنانية، في حين لا يرى فيها معارضوه سوى نتيجة طبيعية لسلوك الحزب في السنوات الأخيرة بجعل لبنان خاضعاً له، وصولاً إلى تشكيل حكومة «وفق شروطه»، بحيث لا يمكنه أن يقف في مواجهة نفسه أو ضدّ حكومة محسوبة عليه.
ومع وصف بعض الأفرقاء الحكومة الجديدة بأنها «حكومة حزب الله»، يرى الوزير والنائب السابق بطرس حرب أنه لا يمكن للحزب أن يعارض نفسه في مجلس وزراء يملك فيه الثلثين بعدما بات على ثقة بأنه قابض على الحكم في لبنان، وهو الأمر الذي يوافقه عليه المحلل السياسي المعارض للحزب، علي الأمين، الذي يعتبر أن موقف الحزب الأخير من الحكومة ليس إلا نتيجة تلقائية لنجاح رغبته بتشكيل حكومة وفق شروطه وفي غياب أي معارضة فعلية له.
في المقابل، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الحزب قاسم قصير أن هذا التبدّل ليس إلا إعادة ترتيب لأولويات الحزب واستكمالاً لسياسته في الفترة الأخيرة عبر إيلاء الاهتمام الأكبر للداخل اللبناني بعدما كان مكتفياً بالتركيز على ما يصفه بـ«المقاومة» ضد إسرائيل ومعركته في سوريا في السنوات الماضية، وذلك على وقع بعض التململ في بيئته التي تعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية، على غرار مختلف المجتمعات اللبنانية.
هذه المقاربة وتحديداً اعتبار أن الحزب بدّل في سياسته يستغربها الأمين فيما يضعها حرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ضمن إطار تعزيز قبضة الحزب على السلطة في لبنان، من رئاسة الجمهورية، مروراً بالبرلمان، وصولاً إلى الحكومة التي لم تتشكل إلا بالشروط التي فرضها بنفسه أو عبر حلفائه بعد تسعة أشهر من تكليف الحريري، مؤكداً «بعد كل هذا يأتي منح الحزب الثقة للحكومة نتيجة طبيعية لمسار حقق من خلاله مبتغاه بوضع يده على الحكم في لبنان».
أما الأمين فيقول: «منذ الانتخابات الرئاسية التي أوصلت مرشحّ الحزب (إلى قصر بعبدا)، إلى قانون الانتخابات الذي حقّق بموجبه للمرة الأولى اختراقات (في مناطق لم يكن قادراً على الفوز بها)، وصولا إلى الإصرار على فرض شروطه في الحكومة بحيث بات صاحب القرار الفعلي بالحكومة بالمعنى العددي للوزراء، يثبت حزب الله أنه يُخضع الآخرين في لبنان لما يريده». وفي موازاة هذا المسار، يشير الأمين إلى واقع آخر لا بد من التوقف عنه، وهو مناخ التسوية التي فرضتها الاعتبارات الإقليمية والدولية عبر التهدئة الإيرانية من خلال «تحييد لبنان» وهذا ما تجسد ليس فقط عبر سياسة «حزب الله» التي شهدت تراجعاً في المواجهة وإنما أيضاً من خلال مواقف خصومه المنخفضة النبرة والبعيدة عن الانتقادات المتطرفة التي اعتادوا عليها.
وإضافة إلى الحكومة وتشكيلها، يلفت حرب إلى أن إمساك «حزب الله» بالقرار انسحب أيضا على البيان الوزاري وتوزيع بعض الوزارات الحساسة في وقت لا يعلو موقف معارضيه إلى أكثر من مستوى «التحفّظ» الذي لا يترجم بأي نتائج. ويعطي مثالاً على ذلك ما جاء في بند المقاومة في البيان الوزاري الذي أُبقي كما هو، وفي بند المحكمة الدولية حيث ورد التالي: «ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة». وهنا يعتبر حرب أن «حزب الله» بعبارة «مبدئياً» ترك لنفسه حرية القبول أو عدمه بنتائج المحكمة.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيها «حزب الله» في الحكومة وهو الذي كان قد دخل إلى مجلس الوزراء منذ عام 2005 عبر وزارات ليست أساسية بالتنسيق والتوافق مع حليفه رئيس البرلمان نبيه بري حيال توزيع الحقائب الخاصة بالطائفة الشيعية، إلا أن قصير يرى أن مشاركة الحزب في الحكومة هذه المرة تحمل «مشروعاً متكاملاً للخوض في تفاصيل عملية الإصلاح، إضافة طبعاً إلى التفاهم مع الأفرقاء الآخرين على السير وفق قاعدة ربط النزاع». من هنا، يعتبر قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الملف الداخلي في المرحلة المقبلة «يكاد يوازي أهمية المقاومة بالنسبة إلى حزب الله في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يعد يحتمل». ويضع استيعاب الحزب للخلاف الذي وقع في مجلس النواب بين النائب نواف الموسوي ونواب حزب الكتائب، عبر إقدام «حزب الله» على الاعتذار، ضمن هذه السياسة التي يصفها بأنه «سياسة الابتعاد قدر الإمكان عن الخلافات الداخلية وتركيز الاهتمام على (ما يعتبره الحزب) إصلاحات ومكافحة للفساد».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.