السيستاني: نرفض استخدام العراق محطة لتوجيه الأذى لأي بلد

TT

السيستاني: نرفض استخدام العراق محطة لتوجيه الأذى لأي بلد

شدد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، السيد علي السيستاني، على رفضه استخدام بلاده «محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر»، بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزم الولايات المتحدة على استخدام وجودها العسكري في العراق «لمراقبة إيران».
وقال السيستاني لدى استقباله مبعوثة الأمم المتحدة الجديدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، في مدينة النجف، أمس، إن «العراق يطمح إلى أن تكون له علاقات طيبة ومتوازنة مع جميع دول الجوار وسائر الحكومات المحبة للسلام، على أساس المصالح المشتركة، من دون التدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته واستقلاله، كما أنه يرفض أن يكون محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر»، بحسب بيان أصدره مكتبه.
وحدد مهام الحكومة العراقية الجديدة وأولوياتها، معتبراً أن أمامها «مهام كبيرة، وينبغي أن تظهر ملامح التقدم والنجاح في عملها في وقت قريب؛ خصوصاً في ملف مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وتخفيف معاناة المواطنين، لا سيما في محافظة البصرة». وحذر الكتل السياسية من أنها «إذا لم تغير من منهجها في التعاطي مع قضايا البلد، فلن تكون هناك فرصة حقيقية لحل الأزمات الراهنة».
ورحب السيستاني بجهود الأمم المتحدة «في مساعدة العراقيين لتجاوز المشكلات التي يعاني منها البلد». وقال إن «العراقيين دفعوا ثمناً باهظاً في دحر الإرهاب الداعشي، تمثّل في أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والمعاقين، وخراب مناطق واسعة من البلد وكلفة مالية هائلة، وهناك حاجة ماسة إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة بالحرب وإرجاع النازحين إليها بعد تأهيلها». وشدد على أن «هذا يجب أن يكون من أولويات الحكومة، وهو مما يساهم في تقليل خطر تنامي الفكر المتطرف في هذه المناطق مرة أخرى، كما أن على المنظمات الدولية ودول العالم المساعدة في سرعة تحقيق ذلك».
وأكد «أهمية الالتزام العملي من قبل الجميع، مسؤولين ومواطنين، بمقتضيات السلم الأهلي والتماسك المجتمعي، وعدم التفريق بين أبناء البلد الواحد ورعاية الأقليات الدينية والإثنية». ودعا إلى «ضرورة تطبيق القانون على جميع المواطنين والمقيمين بلا استثناء، وحصر السلاح بيد الحكومة والوقوف بوجه التصرفات الخارجة على القانون، ومنها عمليات الاغتيال والخطف، ومحاسبة فاعليها بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية».
يُذكر أن معظم التوجيهات التي تصدر عن المرجعية الدينية لا تأتي بشكل مباشر من السيستاني، بل عبر وكلاء المرجعية أثناء خطب الجمعة، لا سيما أن السيستاني يرفض منذ سنوات لقاء المسؤولين العراقيين، بمن فيهم الرئاسات الثلاث، بسبب عدم رضاه عن الطبقة السياسية الحالية.
كما يرفض السيستاني استقبال المسؤولين الأجانب، وكان آخرهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، الذي زار النجف الشهر الماضي للقاء المرجع الشيعي؛ لكنه لم يتمكن من ذلك، فاستقبله المرجع محمد سعيد الحكيم، وهو أحد المراجع الكبار الأربعة في النجف. غير أن السيستاني يستثني مسؤولي بعثة الأمم المتحدة في العراق؛ حيث يلتقيهم كونهم يؤدون مهام خدمية وإنسانية بالدرجة الأولى.
وقال الرئيس السابق لـ«هيئة النزاهة» موسى فرج لـ«الشرق الأوسط»، إن «من بين أبرز مؤشرات عدم رضا المرجعية الدينية العليا على الطبقة السياسية، لا سيما لجهة دعاوى مكافحة الفساد التي بقيت حبراً على ورق، هو غلق المرجعية أبوابها بوجه كبار السياسيين منذ سنوات». وأضاف أن «المفارقة اللافتة للنظر أن غالبية من لا يرضى عنهم المرجع الأعلى، هم إما من أتباع المرجعية مثلما يقولون من دون أن يلتزموا بتوجيهاتها، وإما من رجال دين يتزعمون أحزاباً سياسية، بينما المرجعية حرمت على رجل الدين العمل السياسي».
وأوضح فرج أنه «في الوقت الذي كان فيه السيد السيستاني واضحاً وصريحاً في تحديد الأولويات ومحاربة الفساد، فإننا نلاحظ أن وكلاء المرجع ركزوا مؤخراً في خطب الجمعة على عدم مهاجمة الرموز الدينية، وهو أمر قابل للتأويل من قبل بعض رجال الدين، ممن يقودون أحزاباً بعدم التطرق إليهم».
وعن إعلان الحكومة تشكيل مجلس أعلى لمحاربة الفساد، يقول فرج، إن «الأمر لا يحتاج سوى إلى تفعيل مهام الجهات والهيئات الحالية المعنية بمكافحة الفساد، إضافة إلى أن هناك أكثر من 13 قضية فساد موجودة، فما الذي يمنع هذه الجهات من معالجتها؟». ورأى أن «العبرة ليست بزيادة الحلقات بقدر ما هي بوجود الإرادة السياسية لمواجهة كبار الفاسدين، وإصدار أوامر قبض بحقهم أو جلب لمن منهم خارج البلاد».
وأكد عضو مجلس محافظة البصرة، أحمد السليطي لـ«الشرق الأوسط»، أن إعطاء السيستاني «أولوية للبصرة خلال لقائه ممثلة الأمم المتحدة في العراق لم يأت من فراغ؛ بل إن هناك واقعاً مؤلماً تعيشه هذه المحافظة التي تمنح كل شيء للعراق ولم تحصل على شيء، مثلما يعرف الجميع».
وأضاف أن «الدلالات التي انطلق منها هذا التأكيد على أهمية أن تأخذ الحكومة الجديدة وضع البصرة تحديداً ضمن أولويات عملها يأتي أيضاً في سياق أن الحراك والاحتجاجات في البصرة يمكن أن تمتد وتتطور إلى ما لا تحمد عقباه، الأمر الذي يحتم على الجهات الاتحادية مثل البرلمان والحكومة أن تأخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.