لا يزال أداء الاقتصاد ضعيفا. نعم، لقد كانت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأسبوع الماضي أفضل مما كان متوقعا. بيد أن الولايات المتحدة لا تزال تنتج نحو 800 مليار دولار سنويا أقل من السلع والخدمات مما لو كان الاقتصاد في كامل قوته، ونتيجة لذلك لا يعمل ملايين من الناس قد تفر لهم فرص عمل إذا كانت الظروف أفضل من ذلك.
ولكن لماذا؟ من أين تأتي هذه الفجوة؟ للحصول على إجابة، نحتاج إلى سؤال أكثر محورية: كيف كان سيبدو اقتصاد الآن لو كان متعافيا تماما، وكيف سيكون الواقع الفعلي للاقتصاد مختلفا عن ذلك في الوقت الراهن؟
بدأنا من خلال دراسة دقة نسبة الناتج المحلي الإجمالي التي اعتمد عليها مختلف القطاعات تاريخيا - على مدى العقدين المنتهيين في عام 2013. (في البداية، نظرنا إلى التاريخ الكامل لبيانات الناتج المحلي الإجمالي، بدءا من عام 1947، ولكن الاقتصاد كان مختلفا بما فيه الكفاية في الفترة التي تلت الحرب مباشرة مقارنة بالفترة الحالية، حيث بدا أنه ذو مغزى للحد منه لوقت أطول من التاريخ الحديث).
ثم ضاعفنا هذه النسب حسب تقديرات مكتب الميزانية التابع الكونغرس مقابل الناتج المحتمل في الولايات المتحدة في الربع الثاني من هذا العام. هذا يعطينا فكرة عن الناتج الذي «يجب» أن يحقق في كل قطاع إذا كان لدينا اقتصاد متعافٍ بحساب تلك النسب التاريخية.
تبين لنا أن ستة من أصل أحد عشر قطاعا قمنا بتحليلها تسير بشكل جيد، بناتج ليس أقوى من أو لم يكن أسوأ بكثير جدا مما يتوقع نموذجنا. على سبيل المثال، الإنفاق الاستهلاكي على الخدمات يفوق التوقعات بنسبة 63 مليار دولار، بإنفاق على السلع غير المعمرة بنحو 74 مليار دولار. (هذه الأرقام، مثلها مثل أرقام أخرى واردة في هذا التحليل احتسبت على أساس سنوي). إنفاق الشركات على الملكية الفكرية جاء أعلى قليلا مما كان متوقعا في اقتصاد منتعش، وبدا الإنفاق على البناء أقل قليلا.
وسنذكر في ما يلي خمسة أشياء هي السبب الرئيس للمشكلات الاقتصادية في البلاد، كل منها يؤثر سلبا إلى حد كبير في ما يمكن أن يبدو عليه نموذجنا في اقتصاد متعافٍ وهي: الاستثمار في الإسكان، واستهلاك السلع المعمرة، وإنفاق الدولة والحكومة المحلية، الاستثمارات التجارية في المعدات، والإنفاق الحكومي الفيدرالي.
تخطى عجزها مجتمعة 845 مليار دولار - وبعبارة أخرى، إذا عادت تلك القطاعات إلى حصتها النموذجية من الإمكانات الاقتصادية، لن يؤدي ذلك سوى إلى أداء الاقتصاد بشكل جيد، بل سيكون في ازدهار تام.
دعونا نتناول هذه العوامل الخمسة المسببة للفشل واحدة تلو الأخرى.
الإسكان هو الأكبر والأقل إثارة للاستغراب، حيث يمثل نحو 239 مليار دولار من الناتج الاقتصادي المهدر. درسنا استمرار ضعف أداء هذا القطاع في وقت سابق من العام، ولكن النسخة قصيرة الأجل هي تلك: حتى بعد سنوات من أزمة الإسكان، تقوم الولايات المتحدة ببناء منازل أقل بكثير مما هو متوقع بالنظر إلى الاتجاهات الديموغرافية. قد يكون هناك تحول أوسع نطاقا في رغبة وقدرة الشباب على الحصول على منازل خاصة بهم. وبغض النظر، فإن ذلك التحول يكبح زيادة مبيعات البناء والمنزل.
ظلت الدولة والحكومة المحلية للسنوات التي تلت الأزمة تخفض من حجم الموظفين وتقلص من التكاليف. وكانت النتيجة: وجود فجوة تقدر بنحو 189 مليار دولار لما كانوا ينفقونه بالفعل في ربيع هذا العام مقابل ما يمكن توقعه بناء على حصتهم التاريخية من الاقتصاد.
استهلاك السلع المعمرة يقدر بنحو 178 مليار دولار أقل مما سيكون عليه في نموذجنا عن اقتصاد سليم تماما. وهذا يتعلق على الأرجح بالعوامل ذاتها التي تقلص من نمو قطاع الإسكان. الناس لا يشترون السيارات والأثاث وغيرهما من المنتجات باهظة الثمن على نفس الأنماط الماضية، قد تتعلق بعبء الديون خلفتها سنوات الازدهار.
الاستثمارات التجارية في المعدات أصبحت نقطة ضعف أخرى، حيث تنفق الشركات الأميركية 120 مليار دولار وهو ما يقل عن نموذج الاقتصاد السليم المقترح. إذ يشير إلى وجود استمرار لانعدام الثقة بين التنفيذيين بشأن الطلب في المستقبل.
الإنفاق الحكومي الفيدرالي يقدر بنحو 118 مليار دولار دون مستوى ما يتوقعه المرء بالنظر إلى الاتجاهات على الأجل الطويل. وتعني تخفيضات الإنفاق التي كانت جزءا من صفقات لخفض النفقات المنبثقة عن اتفاق سقف الديون لعام 2011، إلى جانب خمود الحروب في العراق وأفغانستان، أن الإنفاق الفيدرالي كان بنسبة 6.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل، بانخفاض من 7.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الفعلي من عام 1993 إلى 2013.
بعض محاذير هذا التحليل: ليس هناك إجابة «صحيحة» عن حجم الحصة التي يجب أن يشغلها كل من هذه القطاعات من الاقتصاد. ربما هناك تحولات جارية على المدى الطويل تعني، على سبيل المثال، أنه ينبغي أن تصبح السلع المعمرة قسما أصغر من الناتج المحلي الإجمالي مما كانت عليه تاريخيا، أو أن الاستثمارات التجارية في مجال الملكية الفكرية يجب أن ينمو وأن يتقلص الإنفاق على المعدات، أو أي تحول آخر قد تتصوره.
ولكن ما نريد أن نراه هو أنه حتى لو أن قطاعا واحدا، كالإسكان على سبيل المثال، انخفضت أهميته، ستزيد أهمية قطاع آخر ليأخذ مكانه. وما حدث في السنوات القليلة الماضية هو أن كل من هذه القطاعات الرئيسة قد تقلصت نسبة إلى دورها المعتاد في الاقتصاد، ولم تعلُ قطاعات أخرى بما يكفي لتجنب الركود. ومن الممكن أيضا أن تكون تقديرات مكتب الميزانية التابع للكونغرس عن الإمكانات الاقتصادية في البلاد مرتفعة جدا، وأن ارتفاع البطالة في السنوات القليلة الماضية هو حقبة جديدة. ولكن إذا كنت تعتقد أن الاقتصاد الأميركي قادر على أن يؤدي بشكل أفضل في ظل صفقة جيدة، وأن النمط الذي يتأتي منه النشاط الاقتصادي خلال العقدين الماضيين ينبغي أن يظل مطبقا إلى حد كبير، إذا لن يكون معرفة القطاعات المسؤولة عن الأداء السيئ للاقتصاد لغزا.
* خدمة «نيويورك تايمز»
خمسة قطاعات ما زالت تكبح الاقتصاد الأميركي
نموه يبقى ضعيفا رغم التحسن الملحوظ عليه
خمسة قطاعات ما زالت تكبح الاقتصاد الأميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة