أعرب الدكتور غسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، عن تفاؤله بحلحلة الأمور على المسار السياسي في البلاد خلال العام الحالي، حال «اتفاق الأطراف الفاعلة»، لكنه لم يبد اهتماماً بالاتهامات التي وجهت إليه من الشرق الليبي، وقال إن «هذا الهجوم جيد، ولم يزعجني وكنت أتوقعه»، معربا عن أمنيته في أن يتفق الإخوة في ليبيا على نظرتهم إلى ممثل الأمين العام.
وأضاف سلامة في حوار مع «الشرق الأوسط» أن بعض أنصار المشير حفتر اتهموه بـ«عدم الاعتراف بالجيش، وهذا أمر خاطئ»، لافتاً إلى أن «البعثة تعمل في ليبيا بصورة تشبه الجواهرجي». كما تطرق سلامة إلى الملتقى الوطني الجامع، مؤكدا أنه لم يؤجل، وتحدث عن السلاح المنتشر في ليبيا، وقال إن «رهن الانتخابات بجمع السلاح يكلف ليبيا سنوات من الانتظار». وأوضح المبعوث الأممي أنه سيلتقي في جولته المقبلة المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح... وإلى نص الحوار:
> بداية... كيف تصف الهجوم عليك في الشرق الليبي، وما أسبابه؟
- هذا الهجوم جيد ولم يزعجني وكنت أتوقعه، ولو لم يحدث ذلك فإن هذا معناه أني لا أعمل من أجل تغيير الأوضاع في ليبيا إلى الأفضل. هذه الانتقادات وراءها أسباب كثيرة، وأتذكر أنه عندما دخل المشير خليفة حفتر المستشفى في باريس، وانتشرت بعدها إشاعة أنه توفي هناك، سألتني بعض وسائل الإعلام، فأخبرتهم أنه تحدث معي هاتفياً من المستشفى، بعدها قامت الدنيا، وبدأت أطراف كثيرة في الهجوم الشرس عليّ، وبشكل لم أشهده في حياتي، واتهمتني حينها بالكذب، وأني لم أتحدث بالحقيقة، وبعد فترة قصيرة عاد المشير سالماً واستقبل في بنغازي، وظهرت الحقيقة التي سبق أن أعلنتها من قبل. واليوم هناك بعض أنصار المشير حفتر يتهمونني بأني لا أعترف بالجيش، لكن هذا أمر خاطئ، وقريباً يرون أنهم خاطئون.
> البعض يقول إنكم تتصرفون في ليبيا كرئيس دولة وليس كمبعوث أممي؟
- مرة ثانية أقول إن هذا الهجوم جيد، وأتمنى أن يتفق الإخوة في ليبيا على نظرتهم إلى ممثل الأمين العام. فهناك من يتهمنا بأننا لا نضغط، ولم نحدد بالقدر الكافي ما يجب أن يقوم به الإخوة في ليبيا، وهناك أطراف أخرى تقول إننا نحكم ونتحكم. لذا أقول يجب أن يتفق المنتقدون حول ماذا ينتظرون منا. هل نحكم أو يأخذون علينا تقاعسنا؟ وحقيقة الأمر أن كل طرف ليبي يفرح عندما تقف بعثة الأمم المتحدة إلى جانبه، ويريد منها أن تتقدم أكثر، لكن عندما يشعر بأنها أقرب إلى طرف آخر يوجه إليها اتهامات بأنها تتدخل في الشؤون الليبية، من قبيل أنني أحكم ليبيا، إلى آخر هذه الاتهامات. والحقيقة أن بعثة الأمم المتحدة تعمل بصورة تشبه «الجواهرجي»، وهذا يتمثل في حيادها واحترامها تماماً للتفويض الذي حصلت عليه للعمل في ليبيا.
> تحدثت خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، عن أفكار جديدة تتعلق بالأمن والسياسة والاقتصاد. ماذا عن إشكالية جمع السلاح المنتشر في ليبيا وخاصة في العاصمة طرابلس؟
- هناك عدة مشروعات نقوم بها حالياً، وليس هناك ضرورة لتناولها في الإعلام. لكن فيما يتعلق بالسلاح، فقد ذكرت من قبل أن ليبيا تضم قرابة 15 مليون قطعة سلاح في أيدي المواطنين، وذلك يرجع إلى أن ترسانة معمر القذافي التي تركها كانت كبيرة. والأمر الثاني أن هناك سلاحا ما زال يدخل ليبيا. لذا نحن بصدد اتخاذ إجراءات عملية، ربما تكون تأخرت كثيراً، ومن بينها مراقبة مصادر دخل وإنفاق المصرف المركزي في طرابلس ومدينة البيضاء، وهو أمر يتطلب كثيرا من الصبر والإصرار كي نصل إلى نتيجة.
> تقصد أن الأموال تخرج من المصارف للإنفاق على السلاح؟
- تنفق على السلاح وغيره. لكن كشف سبل الإنفاق أمر في غاية الأهمية والشفافية، وهذا مطلوب لأن كثيرا من الإخوة في ليبيا يتأففون ويقولون إن أموال البلد لا تنفق في خدمة الشعب، ومصالحه واستقراره وأمنه بشكل صحيح. ثانياً وهو الأمر المهم، يجب وقف التضخم، والفارق الهائل بين السعر الرسمي للدينار الليبي وسعر الصرف. لقد حصلنا على نتائج عملية فيما يتعلق بالسلاح، ونعلم أنه إذا قلنا إن الانتخابات يجب أن تؤجل لحين جمع السلاح فسوف ننتظر لسنوات، بالتالي ما يجب أن نفعله على الأقل هو إسكات صوت المدافع، وليس بالضرورة جمع السلاح.
> وهل ستتمكنون من إسكات المدافع؟
- بالتأكيد هناك تجاوب مع إسكات المدافع، وهذا ما تم إثباته خلال وقف إطلاق النار بين طرابلس وترهونة في سبتمبر (أيلول) الماضي. صحيح وقعت بعض الخروقات والاشتباكات، لكنها كانت محدودة، ولم تستمر أكثر من يومين، وتكرر الأمر ذاته خلال منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن بالإجمال فإن الهدنة ما زالت قائمة، ونسعى لمنع حدوث أي اشتباك، حتى قبل وقوعه، وهذا أمر لا يتحدث عنه الإعلام.
> هل هذه الاشتباكات تغذيها تدخلات خارجية في رأيكم؟
- نعم توجد تدخلات خارجية.
> وهل تقدمتم بمذكرة بشأن ذلك إلى الأمم المتحدة؟
- هذا العمل تقوم به لجنة متخصصة من خبراء معنيين بمجال السلاح، وهي تعمل مباشرة مع مجلس الأمن، حيث ترصد وتعلن عن كل ما يصل إليها من أدلة حول تصدير السلاح إلى ليبيا، وبالفعل فقد قامت بدور خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وهي الآن تمارس دورها بكل دقة لمتابعة كل ما يصل إليها من معلومات حول وصول سلاح جديد إلى ليبيا.
> سياسيا... من يعطل انعقاد الملتقى الوطني، ولماذا تم تأجيله؟
- لا أحد يعطل انعقاد الملتقى الوطني. الليبيون تحمسوا له، ولم يفرض عليهم شيء، واليوم ينظر البعض لهذا الملتقى وكأنه جسم جديد سيضاف إلى الأجسام القائمة، وأحياناً يرونه مجرد اجتماع. أما في تقديري فهو ملتقى مهم. لكن إطاره الزمني تحدده تفاهمات الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، ونحن نسعى لتقريب وجهات النظر كي يتمكن الملتقى من وضع ميثاق للعمل في المستقبل بين الجميع، وقد سعدت جداً خلال الأسابيع الأخيرة للتقارب الذي حصل بين بعض الأطراف في البلاد، التي كانت لا تتحدث فيما بينها، وبدأت تتفاعل، وسبق أن أعلنت أن الملتقى الوطني سوف ينعقد خلال الربع الأول من عام 2019. ولايزال أمامنا الوقت، وبالتالي لم يحدث أي تأجيل. الموعد قائم والعمل متواصل مع جميع الأطراف.
> هل ستتمكن من تحقيق اختراق في المسار السياسي وفقا لمهمتك في البلاد؟
- بالفعل تمكنت من حدوث اختراق في أمور كثيرة، وتبقى أمور أصعب. لكن بالإجمال نحن أمام حالة لا تسأل نفسك ما حظوظ النجاح فيها. المهم أننا نعمل من أجل استقرار وبناء الدولة الليبية بكل الوسائل والسبل، وبالفعل أنجزنا تفاصيل كثيرة.
> اختراق في ماذا؟
- التعامل والتعاون القائم حالياً بين إدارات الدولة في الشرق والغرب، دون المرور بالضرورة بالجانب السياسي، وهناك تعاون كثيف بين وزارت الداخلية والمالية والاقتصاد والتعليم في المنطقتين. ونحن نسعى حالياً ونشجع لفتح أبواب جديدة للتعاون لإعادة وحدة المؤسسات، والجميع في ليبيا يلمس النتائج المباشرة لذلك.
> وماذا عن دور مجلس الدولة والبرلمان؟
- يجب أن يعود الجميع إلى صندوق الاقتراع حتى يكون في ليبيا مجلس نواب واحد.
> ما تفاصيل جولتك القادمة تجاه التقارب بين الأفرقاء في البلاد؟
- نبدأ خلال ساعات جولة جديدة من التفاوض بين جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا بهدف سد الفجوة القائمة. هناك نقاط عدة، بعضها قديم تم التوصل إلى حل لها بنجاح، لذا أنا متفائل، وسألتقي رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ثم المشير خليفة حفتر، ثم المستشار عقيلة صالح.
> أخيراً... ماذا عن زيارتكم لمصر؟
- التقيت الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط، ونحن على تواصل دائم، وكذلك وزير الخارجية سامح شكري، وبعض المسؤولين. وأنا أدعم كل الجهود التي تقوم بها مصر في مجال دعم وتوحيد الجيش الليبي، وهذه خطوة مهمة للأمن والاستقرار.