قلة الصلاحيات تغيب البرامج الانتخابية.. وإردوغان يعد بـ«تركيا جديدة»

جمع 28 مليون دولار لحملته وإحسان أوغلو 700 ألف

قلة الصلاحيات تغيب البرامج الانتخابية.. وإردوغان يعد بـ«تركيا جديدة»
TT

قلة الصلاحيات تغيب البرامج الانتخابية.. وإردوغان يعد بـ«تركيا جديدة»

قلة الصلاحيات تغيب البرامج الانتخابية.. وإردوغان يعد بـ«تركيا جديدة»

خاض المرشحون الثلاثة للانتخابات الرئاسية التركية معارك انتخابية قاسية، لكن رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان كان أكثرهم قدرة على جمع الجماهير وإيصال صوته وصورته إليهم، وهو ما دفع بالمعارضين إلى الشكوى من استعماله موارد الدولة في حملته الانتخابية، فهو قد سافر في طائرته الخاصة بين المناطق للمشاركة في المهرجانات الانتخابية، ونقلت مهرجاناته في وسائل الإعلام مباشرة، كما أنه حظي بتغطية إعلامية أوسع من غيره نظرا لجاذبيته السياسية كرئيس للحكومة.
لكن الأرقام تظهر أيضا تفوقا لإردوغان على منافسيه لجهة حصد الدعم الشعبي لحملته الانتخابية، حيث أفيد بأن حملة إردوغان نجحت في جمع 56 مليون ليرة تركية (نحو 28 مليون دولار) من التبرعات، بينما حصد منافسه الثاني، أكمل الدين إحسان أوغلو، مليونا ونصف المليون ليرة (نحو 700 ألف دولار) فقط، مما اضطره إلى استعمال موارد أخرى، كالامتيازات التي تعطى لنواب المعارضة في الطائرات ووسائل النقل وغيرها. وبما أن منصب رئيس الجمهورية ليس منصبا تنفيذيا بالكامل فإن الوعود الانتخابية لم تكن لتغري المواطنين، ولهذا لم يطلقها المرشحون على نطاق واسع، رغم أن إردوغان وعد جمهوره بـ«تركيا جديدة»، في إشارة إلى نيته بتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي.
أما مرشح المعارضة إحسان أوغلي فقد وعد فقط بالتخلص من سياسات إردوغان من دون أن يتمكن من إطلاق وعود تتعلق بتغيير في السياسات الداخلية أو الخارجية، مقرا بهزيمته في هذا المجال حتى لو فاز بإعلانه أنه سوف يتعاون مع البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية بشكل شبه كامل.
وتقول صبحات تونجال، النائبة اليسارية عن حزب حرية الشعوب الذي رشح الكردي صلاح الدين دمرتاش: «إن الحزب عرض في حملته الانتخابية كيف يمكن لنا كحزب أن ندير الحكم في تركيا من خلال مرشحنا وركزنا هنا على العنصر الكردي وكيفية حل المعضلة الكردية بالطرق الديمقراطية كما ركزنا على مشكله حقوق الإنسان والمرأة والمهمشين من الأقليات الأخرى في البلاد». ورأت أن الحزب «سيخرج رابحا مهما كانت النتائج لأننا استطعنا أن نرسل رسالة إلى العالم بأنه يمكن أن نرشح لرئاسة الجمهورية مرشحا ليس تركيا من أصل كردي لرئاسة تركيا، وهنا نقول: يمكن أن تكون تركيا غير التي يجبروننا على العيش فيها». وأوضحت تونجال لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماهير التي يسعى الحزب لكسب أصواتها هي القوى الديمقراطية والثورية وأصوات الأكراد والكادحين والنساء والمهمشين في جميع أنحاء البلاد. واستبعدت أن تذهب أصوات الأكراد هذه المرة بالتساوي بين حزبهم وحزب العدالة والتنمية، كما حصل في الانتخابات البلدية، عادة أن الوضع مختلف هذه المرة وإردوغان سيحصل على نسبة ضئيلة جدا من الأصوات».
وقالت تونجال، إنه في حال ذهب الناخبون إلى دورة ثانية فإن الحزب «سيجتمع لتقرير المسار الذي سوف تسير فيه أصوات الأكراد وسنحدد خارطة الطريق لها»، مشيرة إلى أن هذا القرار سيكون في اللجنة المركزية ولا يمكن توقعه منذ الآن، لكنها لمحت إلى مقاطعة الانتخابات لأنه «لا إردوغان ولا إحسان أوغلو يفيان بوعودهما لنا، وهما وجهان لعملة واحدة».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»