أفاد مسؤولون أميركيون بأن وكالات تجسس أميركية بدأت ترصد مجموعات من المقاتلين ينشقون عن تنظيم القاعدة في اليمن وأفريقيا للانضمام إلى تنظيم داعش المنافس الذي سيطر على مساحات من الأراضي في العراق وسوريا والذي تستهدفه الضربات الجوية الأميركية.
وينظر المحللون الأميركيون إلى هذه التحركات باعتبارها مؤشرا مقلقا لتوسيع الرغبة في الانضمام إلى مجموعة تعرف باسم «داعش» التي قهرت قوات عسكرية في المنطقة، وربما تجد نفسها الآن في صراع مباشر مع الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أميركي على دراية بالتقييمات الاستخباراتية السرية: «لقد انشقت مجموعات صغيرة عن عدد من الجماعات الموالية لـ(القاعدة) لصالح (داعش)». وأضاف: «من المحتمل أن تصبح هذه المشكلة أكثر حدة مع استمرار داعش في تحقيق الانتصارات».
عزز هذا التدفق لتنظيم يعد بالفعل قوة محدقة في الشرق الأوسط، حيث إنه أطاح بالفعل بسلسلة من المدن العراقية عبر شن هجمات بسرعة كبيرة وفي الكثير من الاتجاهات التي أوقعت بعض القوات الأمنية في طريق التنظيم ولم تكن غير قادرة على الرد بأي شيء غير التقهقر.
ويعزو مسؤولون أميركيون الظهور السريع لـ«داعش» إلى عوامل نفسية وتكتيكية، حيث أصقلت المجموعة الأساسية من مقاتلي التنظيم مهاراتهم ضد جيوش الرئيس السوري بشار الأسد والولايات المتحدة إبان احتلالها للعراق. واستخدم التنظيم المداهمات والفدى لتخزين الأسلحة والأموال. وأثارت سمعته بأنه لا يرحم انشقاقات كثيرة بين أفراد قوات الأمن العراقية من السنة الذين أصيبوا بخيبة أمل حقيقية من الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
وحتى قبل هجومها على المناطق الكردية في شمال العراق هذا الشهر، قال محللون إن داعش أظهر أسلوبا مندفعا في سعيه للحصول على الأراضي والمجندين بقليل من الصبر، على عكس تنظيم القاعدة الذي يفضل شن عمليات إرهابية معقدة وغالبا ما تستغرق وقتا طويلا.
ولم يرصد محللو مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية والوكالات الأخرى حتى الآن أي مؤشر على أن تنظيم القاعدة بأكمله أو أيا من كبار قادته على استعداد لتبديل الأماكن. ولكن المسؤولين قالوا إنهم قد بدأوا رصد مؤشرات لمثل هذا التطور.
وأثار شن ضربات جوية أميركية أسئلة جديدة، بما في ذلك ما إذا كانت الضربات ستقلل من قدرة داعش على جذب المجندين أو رفع مكانته بين الجهاديين. «هل سيزيد ذلك من قدرتهم أم سيقلل منها؟».. تساءل مسؤول أميركي كبير في مجال مكافحة الإرهاب، الذي تحدث، مثل الآخرين، شريطة عدم الكشف عن هويته، وأشار إلى أن العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان وأماكن أخرى شلت تنظيم القاعدة ولكن أيضا ساعدت على حشد الإدانات ضد الولايات المتحدة. بينما على المدى الطويل، أعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم من أن داعش، الذي ركز حتى الآن في الغالب على هدفه المتمثل في إعادة تأسيس «الخلافة الإسلامية»، ربما يوجه تركيزا أكبر إلى تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
وكان الرئيس أوباما حذرا في تصوير أن الضربات تأتي جزءا من مهمة إنسانية لحماية العراقيين المعرضين لخطر الإبادة، بمن في ذلك أفراد الطائفة المسيحية، المحاصرون على قمة جبل في شمال العراق وليس لديهم إلا إمدادات شحيحة. وأشار أوباما أيضا إلى وجود موظفين تابعين للولايات المتحدة في المنطقة، وأنه غير مستعد للسماح بهجوم أوسع نطاقا ضد داعش. ومع ذلك، أثارت الضربات نداءات واسعة النطاق للانتقام بين جماعات متشددة على الإنترنت، حيث كتب شخص بارز في منتدى جهادي معروف، يسمى شموخ الإسلام، يوم الجمعة، أن الضربات الجوية يجب أن تدفع المقاتلين للتوحد ضد الولايات المتحدة.
وأضاف الجهادي أبو العينة الخراساني، وفقا لمجموعة الاستخبارات (SITE) للبحث عن الكيانات الإرهابية الدولية، التي تراقب تدوينات المتشددين: «يجب على المجاهدين ضرب أميركا والسعي لتنفيذ عمليات استباقية في عقر دارهم، لتأديب أميركا وجنودها المجرمين». وقال مسؤولون أميركيون إن الانشقاقات إلى «داعش» جاءت في المقام الأول من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يتخذ من اليمن مقرا له والذي شن عدة عمليات تفجير تستهدف الولايات المتحدة، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي سيطر على أراض في شمال مالي قبل تلقيه ضربات جوية نفذتها فرنسا العام الماضي.
وقال مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة: «إن الأمر لا يصل إلى درجة إحداث انشقاق داخل الموالين للتنظيم». بيد أن الانشقاقات تسارعت في الأشهر الأخيرة، وفقا لما أفاد به مسؤولون، وأيضا تضمنت مقاتلين من مجموعات في ليبيا وأماكن أخرى ليست جزءا رسميا من تنظيم القاعدة.
ويقدر مسؤولون أميركيون أن «داعش» لديه ما يصل إلى عشرة آلاف مقاتل، بمن فيهم 3000 إلى 5000 من بلدان خارج قاعدته في العراق وسوريا. وقد تضخمت صفوفه مع بدء الحرب الأهلية في سوريا، وهي بلد يسهل نسبيا الوصول إليه من كل من الشرق الأوسط وأوروبا، حيث ينجذب إليها جهاديون أكثر من أفغانستان أو العراق. كما جذب التنظيم أيضا دعما مهما من السكان السنة المحرومين من حقوقهم في الموصل ومدن عراقية أخرى، وهم المدنيون الذين نفد صبرهم مع حكومة نوري المالكي، ولكن ربما لا يتبنون برنامج داعش المتشدد. هذا ولم يضطلع التنظيم بأي مؤامرة معروفة ضد الولايات المتحدة، ولكن شهد مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر في يناير (كانون الثاني) أن التنظيم «لديه بالفعل تطلعات لشن هجمات على الوطن».
وقال مسؤولون أميركيون إن نحو 100 أميركي سافروا أو حاولوا السفر إلى سوريا. وكان من بينهم ساكن سابق بولاية فلوريدا، يدعى منير محمد أبو صالح، الذي عاد دون أن يجري الكشف عنه للولايات المتحدة لعدة أشهر هذا العام قبل أن يغادر مرة أخرى لسوريا ويفجر قنبلة انتحارية. لم يكن أبو صالح مرتبطا بـ«داعش»، ولكن يعتقد مسؤولون أن ما يزيد على عشرات الأميركيين قد انخرطوا في التنظيم.
ويرجع أصل داعش إلى تنظيم القاعدة في العراق ولكنه انفصل عن الشبكة الإرهابية هذا العام بعد تعرضه لانتقادات بسبب تكتيكاته - بمن في ذلك ذبح المدنيين - ورفض تعليمات بالتنازل عن القتال في سوريا إلى حليف تنظيم القاعدة المعروف بجبهة النصرة.
ومنذ ذلك الحين، أخذ داعش في جمع الأسلحة والأموال والمقاتلين والأراضي بمعدلات مذهلة؛ ففي يوليو (تموز)، اعتلى زعيم الجماعة، أبو بكر البغدادي، المنبر في أكبر مسجد في الموصل، معلنا نفسه «خليفة»، وداعيا أتباعه إلى التوافد إلى تنظيمه.
وبهذا الإعلان، حقق البغدادي طموحا عبر عنه سلفه أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتلته القوات الأميركية في العراق في عام 2006، وأبرز أيضا اختلافا كبيرا عن قواعد اللعبة التي تمارسها «القاعدة».
وفي المقابل، كتب قائد تنظيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي، رسائل إلى التابعين لتنظيم القاعدة يحذرهم من إعلان الحكم الإسلامي حتى في القرى الصغيرة، وينبع ذلك جزئيا بسبب الخوف من أن الفشل في السيطرة على الإقليم أو فرض الشريعة الإسلامية من شأنه أن يؤدي إلى إراقة ماء وجه التنظيم أمام السكان المحليين.
يبدو أن انعدام ضبط النفس لدى البغدادي قد زاد من جاذبيته، وفقا لمسؤولين أميركيين أرجعوا سبب زخم التنظيم إلى توسعه في الأراضي وسمعته العدوانية وقائمته التي تحوي مقاتلين من ذوي الخبرة العالية.
وقال دانيال بنجامين، وهو أستاذ في جامعة دارتموث الذي شغل في السابق منصب كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية: «إنهم يظهرون مدى النفع الذي يعود على مجموعة إرهابية متمردة من القتال في الميدان لسنوات وسنوات في ظل قتالهم في العراق وسوريا».
وقال بنجامين: «إن مهاراتهم في المناورة هي حقا نمط غير عادي مقارنة بجماعات أخرى»، بمن في ذلك الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن ومالي. وأضاف: «هم غير مقيدين بالخوف من الفشل مثلما بدا من جماعات أخرى موالية لـ(القاعدة)» أو ميل التنظيم إلى «قضاء سنوات في إعداد هجمة واحدة».
* ساهمت جولي تيت في هذا التقرير
* خدمة «واشنطن بوست»
مقاتلو «القاعدة» باليمن وأفريقيا يلتحقون بـ«داعش»
مسؤول أميركي: انشقت مجموعات صغيرة.. والمشكلة ستكون أكثر حدة مع استمرار «داعش» في تحقيق الانتصارات
مقاتلو «القاعدة» باليمن وأفريقيا يلتحقون بـ«داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة