قد لا يكون رجل الأعمال العراقي نمير قيردار أشهر رجال الأعمال العرب على مستوى عالمي، لكنه، بلا شك، من بين أكثرهم ثقافة. فهو لم يكتفِ بإنشاء مؤسسة عالمية حققت كثيرا من «الخبطات» الناجحة على غير صعيد، بل أراد أن يكون مرشدا لكثيرين ممن عرفوه وعملوا معه، أو قرأوا سيرة حياته. وحياة نمير قيردار عينة من تاريخ العائلات العراقية والعربية التي تداخلت فيها التجارة بالسياسة، وهي شهادة على أنماط وطرق العمل التجاري في العالم العربي ومنطقة الخليج بشكل خاص.
في سيرته الذاتية «سعيا وراء الإنجاز»، التي دونها بالإنجليزية، قدر كبير من التجارب التي يمكن أن يتعلم منها أي قارئ أشياء كثيرة، لعل أهمها: كيف يبدأ من الصفر، متحليا بقيم ومفاهيم لا يحيد عنها قيد أنملة، وكيف تتحقق الثروة بالمثابرة والعمل الجاد الدؤوب، وفهم الظروف ومتطلباتها في عالم يتحرك بسرعة البرق.
في الروايات الذاتية، أيا كان واضعوها، شيء من الأدب الراقي، تختلف نسبته بقدر ما يتحلى صاحب السيرة بثقافة عامة وقدرة على التخيل. وما سيرة حياة كل فرد بالنسبة إليه وإلى المقربين منه، إلا حكاية مشوقة ملؤها الحكم والعبر والمغامرات، تمليها قوانين الطبيعة وتفرضها مسيرة الصراع سعيا وراء النجاح وإثبات الوجود، وحياة نمير قيردار ليست استثناءً، إنها سيرة ممتازة لرجل ولد ونشا في عراق العهد الملكي، ودرس في جامعات الغرب وأنشأ واحدة من أهم المجموعات الاستثمارية التي أسسها العرب في العالم.
في سبعينات القرن الماضي، بدأت الثروة العربية تتدفق على المنطقة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. وشهدت الدول الخليجية طفرة مالية لم تشهدها في تاريخها القديم والحديث، مما أثار شهية المصارف والمؤسسات المالية العالمية التي بدأت تسعى إلى خطب ود الحكومات العربية والمستثمرين العرب المقبلين من بلدان الخليج. تلك المرحلة، دخلت «إنفستكورب»، المجموعة الاستثمارية التي أدارها قيردار نمير، السوق العالمية كمستثمر، وحققت قدرا كبيرا من النجاح واحتلت مكانها كمجموعة عالمية، إلا أن بعض عمليات «إنفستكورب» لم يكن مجديا، يقر نمير قيردار بذلك، ويعترف بأنه أخذ نصيبه من الخطوب وخيبات الأمل، لكنه لم يضيع الهدف كما قال.
في الكتاب فصول مختلفة، منها ما هو خاص، مثل سيرة العائلة والتربية الأولى والحياة الخاصة - كل ما يتصل بمكان الولادة والوالدين والأشقاء والزوجة والأولاد والأقرباء - ومنها ما يتصل بدائرة أوسع؛ عمله في مصرف «تشايس مانهاتن بنك» في نيويورك والخليج، وصندوق النقد العربي، وعملية تأسيسه «إنفستكورب» وما رافقها من مراحل مرت بها قبل أن تصبح عالمية.
من الفصول ما هو عام يتصل بالعراق، مسقط رأس صاحب السيرة وموطنه وهاجسه الأكبر. ولعله أكثر أجزاء الكتاب متعة للقراءة وللمهتمين بالشأن السياسي. يقول قيردار إن عودة العراق إلى سابق عهده من السلم والرفاهية كان هما آخر في حياته. وهو لم يكتفِ بأن تحسس أوجاع وطنه الجريح، بل سعى على المستوى العالمي لإيجاد الحلول.
عهد ذهبي
ترك نمير قيردار العراق في 1969 ليعمل في حقل المصارف، ثم أسس «إنفستكورب» وحولها إلى دار استثمارية كبيرة تمتلك أهم الشركات العالمية مثل مجموعة «غوتشي».
في السبعينات والثمانينات لم ينقطع عن التفكير في وطنه، لكنه فقد الشعور الخاص تجاه عراق العهد الملكي، لأن رحيله عن بلده وتجواله في العالم، وعمله في مؤسسات عالمية، ولقاءه بشرا من جميع الجنسيات، حوله إلى مواطن من العالم، حسب قوله، كما أن حياته الخاصة وأمور العائلة شغلته، وأخذت قدرا كبيرا من وقته وتفكيره.
يعتبر قيردار انقلاب 1958 الذي أطاح الحكم الملكي في العراق مأساة حقيقية، أدت ليس إلى خراب البصرة وحدها، كما يقول المثل، وإنما إلى خراب العراق كله. وعلى الرغم من الحقب التي تلت الحكم الملكي، خصوصا زمن البعثيين وما رافقه من انقلابات وويلات وحروب، بقي عراق العهد الملكي الذهبي، ماثلا في وجدان نمير قيردار.
هذه التحولات أصابته بخيبات أمل، وجعلته ينكفئ عن التعاطي بشؤون بلده، لكن آماله بدأت تنتعش بعد غزو صدام حسين الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، إذ وجد فيه فرصة ليس لتحرير الكويت وحدها، وإنما لتحرير العراق كله من صدام حسين وأعوانه، ووضع تصور لحل مشكلات العراق أمام بعض قادة العالم. فحوى هذا التصور إعادة ما كان سائدا قبل انقلاب 1958، أي الفيدرالية الملكية الهاشمية التي كان الملك فيصل الثاني زعيمها والعاهل الأردني الملك حسين نائبه عليها. وهكذا، يجري تجنب مجيء مجموعات معارضة إلى الحكم، لا تملك تجربة أو خبرة.
لم يطرح هذا الحل بعد انقلاب 1958، لأن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، هدد الغرب آنذاك بأن أي تدخل غربي في شؤون العراق سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. لكن طرح الحل كان معقولا، برأي قيردار، في منتصف تسعينات القرن الماضي، لأن الاتحاد السوفياتي أصبح شيئا من الماضي.
لم يكن هذا التصور واردا في ذهن أي زعيم في العالم مهتم بالشأن العراقي، ولا حتى في ذهن المعارضين الذين كان لكل منهم «أجندته» الخاصة، وكان قائما، برأي قيردار، على أساس أن العاهل الأردني ملك محبوب في العالم، وله علاقات قوية ممتازة، ويحترمه شعبه والشعب العراقي، وهو صديق ودود للغرب، كما كان قبل 1958، نائبا للملك فيصل الثاني، بموافقة البرلمان الأردني والبرلمان العراقي.
قد يظن من عرف نمير قيردار أو قرأ كتابه، أن «الخيار الهاشمي» لحل مشكلات العراق، مسألة نظرية لا تستند إلى واقع، لكن قيردار يؤكد أن على المسرح العالمي حدثا مشابها وقع في هايتي، بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح حكومة جون برتراند أريستيد المنتخبة ديمقراطيا، وكيف أن الولايات المتحدة تدخلت عسكريا لتعيد الحكم السابق إلى السلطة. لذلك لم ير قيردار ما يمنع من عودة الحكم الهاشمي إلى العراق، على الرغم من مرور 40 عاما على انقلاب 1958، وإن هذا الاقتراح في رأيه، «حل نبيل وشرعي وقابل للتطبيق».
لم يكن قيردار يرمي إلى تحقيق مصلحة شخصية، بل إلى رؤية العراق وهو يعود إلى عهده السابق من الاستقرار والازدهار. وطفق يسعى إلى إنجاز ما يهدف إليه بقدر ما سمحت به مشاغله التجارية. قابل الأمير حسن، شقيق الملك حسين، والأمير زيد بن شاكر (رئيس الديوان الملكي آنذاك)، والتقى الملك حسين، وشعر أن هذا «الخيار الهاشمي» لم يكن بعيدا عن وجدان العاهل الأردني.
في حضرة بوش الأب
التقى نمير قيردار الرئيس الأميركي، جورج بوش الأب، عام 1993 بعد تركه الحكم، في منزله بكينبنكبورت، وتحدث معه عن العراق وصدام حسين الذي كان لا يزال حاكما مستبدا في العراق. سأل قيردار بوش، لماذا اكتفى بتحرير الكويت ولم يكمل المهمة بالذهاب إلى بغداد والتخلص من صدام؟ فكان جواب الرئيس الأميركي: «إن تحالف الدول لتحرير الكويت ما كان صمد لو دخلت القوات الأميركية بغداد».
وافق قيردار بوش رأيه، ثم طرح أمامه فكرة الفيدرالية الهاشمية، وتحدث عن الدور الذي يمكن للملك حسين أن يضطلع به، والمزايا التي يمكن أن تتحقق بتحويل العراق إلى قوة اقتصادية في المنطقة ذات علاقات وطيدة مع الغرب: «قلت للرئيس إن الولايات المتحدة محظوظة بأن لها أصدقاء مثل مصر والسعودية، وإن وجود دولة أخرى مثل العراق في المنطقة، إذا ما قدر لها أن تنهض بمساعدة الغرب، يعني دورا مماثلا لدور اليابان في الشرق الأقصى، ودور ألمانيا في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا سيكون كفيلا بتغيير معالم الشرق الأوسط»، كما ورد في الكتاب.
قابل قيردار أيضا، ريتشارد هيس، المدير السابق لمجلس الأمن القومي لـ«الشرق الأوسط»، وبرنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق في عهد بوش، وهذا وجد في الفيدرالية فكرة طموحة، وأرنود بورتشغريف رئيس تحرير مجلة «نيوزويك»، وجيم وولسي المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية، وزبيغنيو بريجنسكي المستشار السابق للأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، الذي استمع لرأي قيردار شكك في سيناريو يكون فيه العراق تحت حكم ملك أردني. كما التقى هنري كيسينجر، وقال إن السياسي المخضرم سأله كيف يتصور الطرق العملية لتحقيق هدف الفيدرالية، فأجابه قيردار: «إن اقتراحي مجرد رؤية يناط أمر تطبيقها بالمسؤولين الحكوميين، الذين يتعين عليهم أن يحولوا التصور إلى واقع».
لم يتوانَ قيردار عن العمل. بقي يستثمر وقته في لقاء مسؤولين على المسرح الدولي، منهم ألكسندر كومت دومارينشييز المدير السابق لجهاز المخابرات الفرنسية، والرئيس الأميركي بيل كلينتون، بعد نجاح وساطته في عقد اتفاق سلام بين الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، وجرى الاجتماع في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في 25 يوليو (تموز) 1996.
في ذلك الاجتماع، أوضح قيردار للرئيس كلينتون، ضرورة «التخلص من صدام حسين، وإعادة الفيدرالية الهاشمية، وتثبيت الملك حسين رئيسا شرعيا للفيدرالية، وإن الفائدة المرجوة من ذلك (هي) عراق حليف، مستقر ومزدهر في قلب الشرق الأوسط، وخطوة متقدمة على طريق السلام في المنطقة».
ومما قاله قيردار للرئيس الأميركي أيضا: «في عام 1958 كان أي تدخل أميركي في العراق سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، لكن لا شيء الآن يمكن أن يوقفكم إذا ما اتخذتم قرارا من هذا النوع. عليكم أن تفعلوا شيئا، لأن العراق قد يذهب في أحد طريقين؛ إما أن يتقدم ويزدهر ويكون صديقا للغرب، أو يتحول إلى مصدر أكبر لمشكلات المنطقة».
وافق الرئيس كلينتون على أن ينظر في فكرة الفيدرالية، لكن قيردار يقول إنه لم يسمع ما إذا كان الرئيس الأميركي فعل شيئا في هذا الخصوص. ويوضح أنه لو اعتمدت الولايات المتحدة التصور الذي وضعه أمام الرئيس الأميركي، لكانت وفرت على نفسها مئات مليارات الدولارات، وخمسة آلاف قتيل، و35 ألف جريح، وكان تاريخ العراق تغير وتجنب سنوات طويلة من المآسي».
ذهب قيردار إلى عمان بعد ذلك، وأبلغ الملك حسين والأمير زيد ما دار في اجتماعه مع الرئيس الأميركي، وظل يلاحق حلم الفيدرالية الهاشمية إلى أن توفي الملك حسين عام 1998، عندها لم يعد أمام قيردار إلا أن يتقبل حقيقة أن حلمه بالفيدرالية الهاشمية قد تبخر بموت العاهل الأردني، وأن الفرصة بعودة هذه الفيدرالية إلى العراق والأردن قد ضاعت إلى الأبد.
احتلال أميركي عاجز
على الرغم من ضياع «الخيار الهاشمي»، بقي قيردار يولي العراق اهتمامه. وبعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كان من الواضح أن الولايات المتحدة، تدعمها بريطانيا، اتخذت قرارها بالتخلص من صدام. وحين بدأت الاستعدادات العسكرية لحرب الخليج الثانية، وظهر أن الولايات المتحدة بدأت تتكلم عن عراق مسالم ومزدهر بعد صدام، كتب قيردار إلى الرئيس بوش وإلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، مبديا دعمه الشخصي للسياسة الأميركية - البريطانية حيال العراق، محذرا من أن فرض حكومة على البلد من الخارج سيكون غلطة كبيرة، وأن على الشعب العراقي في الداخل أن يختار حكومة بلاده المناسبة.
لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، إذ ما إن وقع الغزو وجرى احتلال العراق ولجأ صدام إلى المخبأ، حتى بدأت القوة المحتلة تظهر عجزا في التحكم بمجرى الأمور، وخرجت بغداد من السيطرة، وانتشرت عمليات النهب والسلب في كل مكان، ولم تعد أميركا الغازية تعرف كيف تحكم البلاد التي غزتها.
بعد مضي ثلاثة أشهر على الغزو، أي في يونيو (حزيران) 2003، سنحت فرصة لقيردار للقاء الرئيس بوش في أثناء زيارة له إلى روما. عقد الاجتماع في فيلا تافيرنا، مقر سكن السفير الأميركي في العاصمة الإيطالية، وهناك أحس قيردار بقلق الرئيس بوش على العراق الذي سأله: «ما الذي على الولايات المتحدة أن تفعله».
رد قيردار: «وضعت أمام الرئيس ثلاثة اقتراحات لحماية العراق من الفوضى والانهيار: «الأول أن تتخلص الولايات المتحدة من صدام وولديه قصي وعدي، وبعض أعضاء عائلته، وبعض الوجوه البارزة في حكومة حزب البعث، وأن تبقي أعضاء الحزب في مواقعهم ليعودوا إلى المراكز التي كانوا يشغلونها، وأن يبقى أعضاء الحكومة في أماكنهم، وأن تبقى ماكينة الحكم على حالها ولا تتفكك».
الاقتراح الثاني «أن لا يُحكم على أي مواطن عراقي بناء على خلفيته، أو انتمائه العرقي أو الديني، لأن ذلك يحدث شروخا في المجتمع. وأن النظام الجديد بعد صدام يجب أن يراعي حقيقة أن العراقيين كلهم يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق كما كانوا في العراق الموحد تحت الحكم الهاشمي قبل ثورة 1958».
الاقتراح الثالث «أن على الولايات المتحدة أن لا (تزرع) زعماء المعارضة في الحكومة الجديدة، لأن هؤلاء يريدون التخلص من صدام ليحكم كل واحد منهم حسب أجندته الخاصة، وليس لديهم تجربة في الحكم ليديروا شؤون البلاد».
رايس المخيبة
في 11 أيلول 2003، وبعد أن قامت الولايات المتحدة بما كان عليها أن لا تقوم به، أي حل الجيش العراقي وحزب البعث، شاءت الظروف أن يلتقي قيردار كوندوليزا رايس في الجناح الغربي من البيت الأبيض، ويقول لها: إن أفضل دور يمكن للولايات المتحدة أن تؤديه، هو التأكد من أن الدستور الجديد يجب أن يكون علمانيا وعادلا، يتساوى فيه العراقيون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية والمذهبية، كما الدستور المعمول به في الولايات المتحدة منذ 200 سنة.
يكتب قيردار: «عندما أجابتني رايس بالقول إن على العراقيين أن يضعوا الدستور الذي يناسبهم، جاء ردي عليها سريعا: أي عراقيين تقصدين؟ إذا كنت تقصدين العراقيين الذين كلفتموهم إدارة البلاد، فهؤلاء سيضعون دستورا يتوافق مع أجنداتهم الخاصة، وهم إذا وجدوا أن تقسيم البلاد على أسس قبائلية وطائفية وعنصرية يخدم مصالحهم، فلن يترددوا (في) القيام بذلك»!
يضيف قيردار، إنه خرج من اجتماعه مع رايس خائب الأمل، لأنها كانت قد اعتمدت قراراتها، ولا يبدو أنها كانت مستعدة لتغيير رأيها، وشعر أن طلبها لقاءه كان واجبا إداريا، على الرغم من أنها كانت في غاية الود.
وعلى الرغم من أن اقتراحات قيردار، فيما يتعلق بحاضر العراق ومستقبله، لم تنفذ، فإنه شعر كما يقول، بأنه كان محظوظا لأنه تمكن من أن يضع تصوراته أمام مسؤولين كبار لهم دورهم المؤثر على مسرح العلاقات الدولية، وأنه على الرغم مما ولدته الأحداث من الغضب وخيبات الأمل، يبقى عزاؤه أنه تمكن من أن ينقل أفكاره جهارا.
متعة القراءة
في كتاب قيردار كثير من الفصول الممتعة، لعل أجملها ذلك الذي يتصل بالشخصيات العامة في حياة صاحب السيرة، مثل الملك حسين، والملك عبد الله الثاني، والأمير زيد بن شاكر، والأمير رعد بن زيد، والشيخ أحمد زكي اليماني، ورجل الأعمال السعودي سليمان العليان، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، والرؤساء بوش الأب وبوش الابن، والرئيس التركي الراحل طورغوت أوزال. ومن حديثه عن تلك الشخصيات العالمية، بدا أن الملك حسين كان أقربهم إليه. وكان قيردار قابله في المرة الأولى في بداية الثمانينات، في أثناء حفل غداء بمنزل صديقه عبد الحميد الدامرجي، في بلدة وايبريدج بمقاطعة سري في إنجلترا. كان جميع المدعوين في ذاك الحفل ينتظرون ضيفا مرموقا، فإذا هو بعد حين، الملك حسين. وظهر أن العاهل الأردني كان يعرف معظمهم، إذ كانوا رفقاء له عندما كان طالبا في كلية فيكتوريا بمصر.
يقول قيردار: «لم يكن الملك حسين قد رآني من قبل، والأرجح أنه قد سأل بعض الحاضرين من أكون. بعد برهة، جاءت زوجة عبد الحميد الدامرجي لتقول لي إن الملك يريد أن يراني. وحين تقدمت منه نظر إلي بإمعان، وقال: أظن أن بينكم وبين أسرتي علاقة طويلة، أليس كذلك؟! أجبت: نعم، يا جلالة الملك، جدكم وجدي كانا عضوين في البرلمان العثماني مطلع 1900».
ثم عاد وسألني: «كيف لم أقابلك من قبل؟» أجبت: «أسكن في المملكة المتحدة، وأنتم يا جلالة الملك رجل كثير المهام، ولم أرد يوما أن أثقل عليكم وآخذ حصة من وقتكم، ولكن أريد من جلالتكم أن تعرفوا أنني كنت دائما شديد الوفاء للهاشميين».
هكذا بدأت علاقة قيردار بالملك حسين، ثم توطدت إلى درجة الصداقة الشخصية.
ويكشف قيردار عن لقاء بينه وبين الملك حسين في أحد المطاعم في لندن، وعن معلومات غير معروفة أو مدونة، عن المذبحة التي تعرضت لها الأسرة الهاشمية في العراق إثر انقلاب 1958. يقول قيردار: «في تلك الجلسة أخبرني الملك أن رجال الأمن في حكومته كشفوا، قبل الانقلاب في بغداد بوقت قصير، عن خطة مماثلة في الأردن تحيكها مجموعة من الضباط العسكريين، المدعومين من عبد الناصر، للقضاء على الأسرة الهاشمية في الأردن، وأن الملك أراد أن ينبه ابن عمه، الملك فيصل الثاني في بغداد، عن المؤامرة. وجد أن إعلامه بالهاتف أو كتابيا مسألة محفوفة بالمخاطر، فآثر بدلا من ذلك، أن يطلب من الملك فيصل أن يرسل إلى عمان رجلا موثوقا به ليقابله. كان الرجل الذي اختاره الملك فيصل للذهاب إلى الأردن هو الجنرال رفيق عارف، قائد القوات المسلحة العراقية. وعندما وصل هذا الجنرال إلى عمان، أخبره الملك حسين أن لديه معلومات عن مؤامرة تُدبر في بغداد، وأن على الملك فيصل أن يتصرف».
يضيف قيردار: «أخبرني الملك حسين أنه وجد الجنرال عارف فظا وغير متعاون، إلى درجة أنه، أي الملك حسين، وبخ عارف وطلب منه أن يتوقف عن الجدل، وينقل الرسالة سريا إلى الملك فيصل».
كان ذلك في 11 يوليو 1958، أي قبل ثلاثة أيام من الانقلاب العسكري الذي أطاح الأسرة الهاشمية في العراق. وبعد الانقلاب، بدأ العسكريون في بغداد يحاكمون رموز العهد الملكي. وحين جاء دور الجنرال عارف بصفته عضوا في الحكم السابق، أخبر المحكمة أنه كان على علم بخطة الانقلاب، لكنه لم يرد أن يكشف عنها. وبخلاف ما جرى لأعضاء الحكم السابق، لم يُحكم على الجنرال عارف بالموت!












