الحكومة اللبنانية أمام مرحلة الحسم: التأليف أو الخيارات المفتوحة

بعد إعلان الحريري أن موقفه النهائي سيكون في الأسبوع المقبل

TT

الحكومة اللبنانية أمام مرحلة الحسم: التأليف أو الخيارات المفتوحة

بقيت أجواء التفاؤل مخيّمة على الجولة الأخيرة من مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، التي يجريها الرئيس المكلّف سعد الحريري مع القوى والأحزاب السياسية، بعدما أصبح الاتفاق شبه ناجز على حلّ عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري» الذي يضم نواباً سنة متحالفين مع «حزب الله»، وتموضع الوزير الذي يمثله في الحكومة، لكنّ هذا التفاؤل لم يلغ الحذر من عرقلة مساعي الفرصة الأخيرة، خصوصاً أن مهمّة الحريري محفوفة بمخاطر تبديل بعض الحقائب المتفق عليها سابقاً، التي تنذر بإعادة الأمور إلى المربّع الأول.
وقبل أن تتضح نتائج جولة المشاورات الجديدة، وما إذا كانت ستنهي مخاض التأليف المتعثّر منذ ثمانية أشهر، أوضحت مصادر مواكبة لتحرّك الحريري، أن «الأجواء التفاؤلية لا تزال قائمة، والحريري يستكمل اتصالاته بكل الأطراف، وإذا صفت النيات يمكن للحكومة أن تبصر النور قريباً». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحادثات الجديدة أوحت بأن الكلّ يحتاج إلى الحكومة، انطلاقاً من الواقع الاقتصادي الصعب، والوضع المتردي في إدارات ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة». وغادر الحريري الى باريس في زيارة عائلية قصيرة يعود بعدها الى بيروت.
وشددت المصادر نفسها على أن «عقدة تمثيل (اللقاء التشاوري) أخذت طريقها إلى الحلّ، وتمّ الاتفاق على صيغة تجعل الوزير الذي سيمثل (اللقاء) على تفاهم مع الفريق الوزاري التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون، ولا يصوّت ضدّه عند اتخاذ القرارات الحكومية ولا يعرقل مسار الرئيس، وفي الوقت نفسه يحضر اجتماعات اللقاء التشاوري، ويعبّر عن رأيه على طاولة مجلس الوزراء»، مشيرة إلى أن «هذه الصيغة حظيت برضا الجميع، والأمور باتت في مرحلة (الرتوش)، ويفترض أن تتبلور صيغة الحكومة منتصف الأسبوع المقبل أو في نهايته على أبعد تقدير».
وفيما بات اسم جواد عدرا خارج البحث، ولم يعد من ضمن الأسماء المطروحة لتمثيل «اللقاء التشاوري»، قالت مصادر مواكبة لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة توجهاً لاختيار الوزير الذي سيمثّل سنّة الثامن من آذار، بأحد الأسماء الثلاثة التي قدّمت لرئيس الجمهورية، وهم حسن مراد، وطه ناجي، وعثمان المجذوب». وأفادت المعلومات بأن هذا الوزير «سيكون حتماً من حصة الرئيس ميشال عون، ولا يشارك في اجتماعات وزراء التيار الوطني الحرّ، بل مع فريق الرئيس الوزاري». لكن المصادر نفسها كشفت عن «نقاش يدور حول إعادة توزيع حقائب: البيئة، والإعلام، والصناعة والمهجرين، حيث يصرّ رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على استبدال وزارة الإعلام التي رست ضمن حصته، بوزارة أخرى هي البيئة أو الصناعة»، لكنها أشارت إلى أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يرفض التخلّي عن وزارة الصناعة، كما يرفض برّي الاستغناء عن وزارة البيئة.
في هذا الوقت، تخوّفت مصادر مقرّبة من الحزب التقدمي الاشتراكي أن «تؤدي إعادة فتح الباب أمام توزيع الحقائب إلى إحباط مهمّة الحريري مجدداً». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الأمر «قد يعيد النقاش إلى المربّع الأول، خصوصاً أن الاتفاق على توزيع الحقائب استغرق أكثر من أربعة أشهر».
وتضاربت التفسيرات حول مغزى كلام الحريري غداة زيارته وليد جنبلاط ليل أول من أمس، وتأكيده أنه سيحسم موقفه النهائي بشأن الحكومة الأسبوع المقبل، وما إذا كان يلوّح بالاعتذار إذا جرت عرقلة مهمته الحالية، وقالت مصادر مواكبة لجولة الحريري إن «كل الخيارات مفتوحة ما لم يحسم تشكيل الحكومة سريعاً، لأن وضع البلد لم يعد يحتمل التأجيل والمماطلة». فيما قدّمت مصادر سياسية تفسيرات أخرى قد لا تذهب إلى حدّ الاعتذار، وتوقعت «الذهاب نحو تفعيل دور حكومة تصريف الأعمال، أو تسمية الأشياء بأسمائها، وكشف المعطلين، وبالحدّ الأقصى اعتماد خيار الاعتكاف».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.