«البيئات الحاضنة» تتململ من النازحين السوريين في لبنان

TT

«البيئات الحاضنة» تتململ من النازحين السوريين في لبنان

أقدمت مجموعة من أهالي عرسال، البلدة الحدودية الواقعة شرق لبنان، على رشق المحال التجارية للنازحين وسياراتهم بالحجارة وتخريب بعضها، إضافة إلى التعرض لسوريين كانوا يمرون على دراجاتهم النارية في شوارع البلدة، مطلع الأسبوع الحالي. وقد سبق هذه التحركات اعتصام نفذه عشرات الشبان ضد العمالة السورية، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد.
واللافت أن عرسال ذات الغالبية السنية، كانت شكلت أبرز المناطق الحاضنة للنازحين، كما قدمت الدعم لمقاتلي المعارضة السورية مع اندلاع الأزمة في العام 2011 فكانت أشبه بـ«قاعدة خلفية» لهم، وبالتحديد لأولئك الذين كانوا يقاتلون في المناطق السورية المتاخمة للحدود مع لبنان، إلا أن ضيق الأحوال الاقتصادية والأعداد الكبيرة من النازحين، شكلت عاملاً ضاغطاً على أهالي البلدة مع مرور السنوات، ما أدى إلى تصاعد وتيرة احتجاجاتهم على المزاحمة السورية لليد العاملة اللبنانية.
وأظهر فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من شبان يحملون الحجارة ويقذفون بها واجهات المحال التجارية، كما الزجاج الأمامي لبعض العربات التي يقودها سوريون. وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إن مجموعة من أهالي البلدة نظموا اعتصاماً ضد العمالة السورية في ظل الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلدة، بمشاركة عدد من أصحاب سيارات النقل. وطالب المعتصمون بـ«تنظيم العمالة السورية التي تزاحم اليد العاملة وأصحاب المؤسسات والمصالح على أنواعها، احتجاجاً على حصر المساعدات التي تقدمها الجهات المانحة بالسوريين، متجاهلين ما يعانيه الأهالي».
وأشار رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري إلى أن نحو 30 شاباً معظمهم من المراهقين قاموا بهذا التحرك، وبالاعتداء على النازحين، تحت حجة المطالب المعيشية، إلا أن القوى الأمنية ما لبثت أن تدخلت وتداركت الأمر. ونبّه الحجيري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن طريقة التعبير التي تم اعتمادها تنذر بمخاطر كثيرة، وهي مرفوضة من قبلنا تماماً، وإن كانت تبيّن حجم الاحتقان.
وأضاف: «نحن نتلقى شكاوى كثيرة من أهالي البلدة الرافضة للعمالة السورية التي تنافس العمال اللبنانيين، لكننا نعتقد أن الأزمة غير مرتبطة فقط بمحال السوريين التجارية في البلدة، إنما بالركود الذي يشهده سوق البناء نتيجة مشكلة قروض الإسكان والمنافسة في صناعة الصخر». وأشار الحجيري إلى أن حالة من الخوف والقلق تتملك النازحين في البلدة، الذين يبلغ عددهم حوالي 50 ألفاً، بعدما بلغ في السنوات الماضية نحو 120 ألفاً، علماً بأن عدد أهالي عرسال لا يتجاوز 40 ألفاً. وقال: «لكننا طمأناهم بأن ما حصل لن يتكرر، وبأننا لن نقبل مغادرتهم بهذا الشكل».
من جهته، اعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أن الوضع في عرسال لم يعد مقبولاً نتيجة وجود أعداد كبيرة جداً من المحال التجارية للسوريين، لافتاً إلى أنه عقد سلسلة اجتماعات مع وزيري العمل والاقتصاد لضبط الوضع، لكن عدم وجود عدد كافٍ من المراقبين لضبط الوضع يجعل الأمور على ما هي عليه. وقال المرعبي لـ«الشرق الأوسط»: «على البلديات أن تتحمل مسؤولياتها، فلا تعطي الرخص القانونية، أو تقوم بإغلاق المحال التي تفتح أبوابها من دون مراعاة القوانين اللبنانية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.