ملف «اجتثاث البعث» يعود في العراق

شمول وزير شيعي بإجراءات {المساءلة والعدالة} لانتمائه سابقاً إلى الحزب المنحل

جانب من ميدان الرصافي في مركز بغداد أمس (أ.ف.ب)
جانب من ميدان الرصافي في مركز بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

ملف «اجتثاث البعث» يعود في العراق

جانب من ميدان الرصافي في مركز بغداد أمس (أ.ف.ب)
جانب من ميدان الرصافي في مركز بغداد أمس (أ.ف.ب)

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ تشريع قانون «المساءلة والعدالة» المعروفة إعلامياً باسم {اجتثاث البعث} عام 2008، يتبنى نواب سنة في البرلمان العراقي إقالة وزير شيعي مشمول به. وكان عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى ووزير الزراعة السابق فلاح الزيدان أعلن عن جمع تواقيع برلمانية لغرض التصويت على إقالة وزير الاتصالات نعيم الربيعي، نظراً لشموله بالقانون الذي يحظر تولي أي «بعثي» سابق مناصب حكومية.
ورغم أن الوثيقة التي قدمها الزيدان إلى رئاسة البرلمان حملت تواقيع عدد من النواب الشيعة على الطلب، فضلاً عن تبني نواب شيعة آخرين الموضوع نفسه، لكنه للمرة الأولى يعلن نواب سنة كانوا يرفضون القانون، سواء بنسخته الأولى «قانون اجتثاث البعث» الذي تم تبنيه في السنوات الأولى من سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أو نسخته البديلة المعروفة باسم «المساءلة والعدالة»، التي تبناها البرلمان عام 2008، تطبيق القانون.
وجاء في الوثيقة الصادرة عن الزيدان إلى مجلس النواب أنه «يرجى التفضل بالموافقة على إضافة فقرة في جدول الأعمال تتعلق بدرج اسم وزير الاتصالات (نعيم ثجيل يسر الربيعي) لغرض التصويت على إقالته لكونه مشمولاً بإجراءات (المساءلة والعدالة) بموجب الكتاب المرقم (2008) في 2018- 11 - 5»، كما دعا إلى «توجيه سؤال نيابي إلى رئيس مجلس الوزراء بشأن طبيعة الإجراءات القانونية التي اُتخذت من قبله بخصوص وزير الاتصالات ومن تاريخ تسلم الكتاب».
من جهته أعلن مصدق عادل، مسؤول إعلام هيئة المساءلة والعدالة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هيئة المساءلة والعدالة شملت وزير الاتصالات نعيم الربيعي بإجراءاتها وفق كتاب صدر عنها في عام 2017»، مبيناً أن «الهيئة أبلغت البرلمان بكتاب مفصل عن موقفها إجرائياً من الكابينة الوزارية». ورداً على سؤال عما إذا كان الوزير المذكور قدم طعناً للهيئة قال عادل: «نعم قدم الربيعي طعناً في إطار المهلة القانونية المحددة لذلك، وكذلك اللائحة التمييزية الخاصة به الآن في محكمة التمييز».
النائب السني عبد الله الخربيط (عن محافظة الأنبار) كان صريحاً في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، حول رفض السنة طوال 16 عاماً قانون «اجتثاث البعث» ومن ثم «المساءلة والعدالة»، والتوقيع الآن على طلب إقالة وزير شيعي، إذ قال: «ليس هناك تناقض على الإطلاق، حيث مازلنا ضد القانون جملة وتفصيلاً، ويتوجب تحويله إلى ملف قضائي وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة»، مبيناً أنه «في الوقت نفسه لا يمكن أن نضيع فرصة عظيمة مثل هذه لكي يتذوق شركاؤنا من الكأس نفسها التي كنا طوال 16 عاماً نُسقى منها نحن السنة». وأوضح الخربيط أن «قانون المساءلة والعدالة إنما هو قانون إقصاء، وليس قانون حساب للمقصر، وهذه هي إشكاليته الكبرى».
وبيَّن الخربيط أن «ما قمنا به لا علاقة له بشخص الوزير، لأنني شخصياً لا أعرفه، ومن المبكر الحكم على أدائه، لكن السؤال هو لماذا اجتث طوال السنوات الماضية من هو مثل الوزير دون جرم يمكن أن يحاسب عليه القانون».
في السياق نفسه، يقول صلاح الجبوري عضو الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة السابق ووزير الدولة الأسبق، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا الملف طالما لم يتحول إلى ملف قضائي، فإن السنة يريدون تطبيقه على الجميع، وليس بانتقائية، ولكن الهيئة العليا للمساءلة تتخذ قراراتها بعدالة تشمل الجميع، بيد أن الانتقائية تظهر عند التنفيذ، حيث تطبق على قسم ولا تطبق على قسم آخر». وأضاف أن «الكثير من سياقات تطبيقه في المؤسسة العسكرية لم تكن عادلة، وهو ما أثار حفيظة السنة لأنهم كانوا المتضرر الأكبر منه، رغم أن الكتاب الذي يصدر عن الهيئة يشمل الجميع».
ورداً على سؤال بشأن وزير الاتصالات الحالي، يقول الجبوري إن «الأهم هو أن يتحول الملف إلى قضائي حتى لا يتحول إلى مادة للسجال السياسي»، مبيناً أن «الكثيرين ربما لم يطلعوا على قانون المساءلة والعدالة، لأن كل قراراتها تخضع للهيئة التمييزية، وطبقاً للقانون، وبالتالي فإن الهيئة ليست هي المسؤولة لأنها تخضع للقانون وتلتزم به».
وكان البرلمان العراقي مرر عام 2008 بالأغلبية البسيطة قانون المساءلة والعدالة كبديل عن قانون «اجتثاث البعث». ورغم أن النواب السنة ضمن القائمة العراقية آنذاك صوتوا إلى جانب القانون، لكن السياق التطبيقي له طوال السنوات الماضية جعله بنظرهم أكثر قسوة من «قانون الاجتثاث». ويعد قانون المساءلة والعدالة جزءاً من قوانين العدالة الانتقالية التي تم تبنيها في العراق بعد سقوط النظام السابق مثل المحكمة الجنائية العليا لمحاكمة رموز النظام السابق ومؤسسة «السجناء والشهداء» وقانون «اجتثاث البعث»، ومن ثم «المساءلة والعدالة». وكانت هيئة «اجتثاث البعث» أُنشئت في مايو (أيار) عام 2003 بعد نحو أقل من شهرين من سقوط النظام السابق في شهر أبريل (نيسان) من العام نفسه، وتعد أول القرارات التي اتخذها الحاكم المدني الأميركي بول بريمر رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة آنذاك.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.