رائحة الأم.. تنقل مشاعر الخوف إلى الطفل

دراسة جديدة تفسر سبب خوف الأطفال من أشياء لم يعاصروها ولم يتعرضوا لآلامها

رائحة الأم.. تنقل مشاعر الخوف إلى الطفل
TT

رائحة الأم.. تنقل مشاعر الخوف إلى الطفل

رائحة الأم.. تنقل مشاعر الخوف إلى الطفل

من الطبيعي أن تؤثر مشاعر الأم المختلفة، سواء الإيجابية مثل الفرح والسعادة أو السلبية مثل القلق والاضطراب، في طفلها تأثيرا كبيرا، خاصة إذا كان هذا الطفل في عمر يسمح له بملاحظة مشاعر الأم ومراقبتها. ولكن الظاهرة التي حيرت العلماء طويلا كيف أن التجربة النفسية الأليمة للأم يمكن أن تنتقل إلى طفلها الرضيع بنفس الخبرات السيئة التي عاشتها الأم. وهناك بطبيعة الحال الكثير من الدراسات التي حاولت تفسير هذه الظاهرة والتوصل إلى معرفة أسبابها أو كيفية حدوثها والآلية التي تنتقل المشاعر السلبية من خلالها إلى الطفل. وتوصلت أحدث هذه الدراسات التي قام بها علماء من جامعة ميتشيغان الأميركية إلى أن الطفل يمكن أن يتأثر بهذه الخبرات السيئة حتى إذا حدثت هذه الخبرات قبل ولادة الطفل.
قام العلماء الذين نشروا الدراسة في مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» Proceedings of the National Academy of Sciences، بإجراء تجاربهم على فئران التجارب ولاحظوا من خلالها أن الأمهات من الفئران تنقل مشاعر الخوف لأطفالها في الأيام الأولى من الحياة عبر رائحة معينة يجري إفرازها في الأوقات التي تتعرض فيها أنثى الفئران إلى مخاوف معينة. وأشار الباحثون إلى أن النتائج التي توصلوا إليها ساعدتهم في التوصل إلى منطقة معينة في المخ مسؤولة عن نقل مشاعر الخوف في الأيام الأولى من عمر الطفل وهو ما يمكن أن يعطي فكرة أحسن مستقبليا حول سبب اختلاف رد فعل عن الآخر تجاه تعرض الوالدة لمشاعر الخوف.
وكان الباحثون بقيادة فريق من علماء الأعصاب قد قاموا بتعليم أنثى الفأر الخوف من رائحة النعناع قبل الحمل، وذلك عن طريق تعريضها لشحنات كهربائية خفيفة أثناء تعرضها لرائحة النعناع، وبالتالي ارتبطت هذه الرائحة لديها بالخوف، ثم قاموا بعد الولادة بتعريضها مرة أخرى لرائحة النعناع، ولكن من دون شحنات كهربائية لإحداث الخوف لدى الأمهات. وأيضا تم تعريض الرضع من الفئران لنفس الرائحة وتمت مقارنة هؤلاء الرضع بفئران عادية رضيعة من أمهات لم يتعرضن لرائحة النعناع وبالتالي لا تثير مخاوف لديها.
ودرس الباحثون منطقة معينة في مخ الفئران amygdale وقاموا بتصوير هذه المنطقة عن طريق أشعة خاصة متطورة. ومن المعروف أن هذه المنطقة مسؤولة عن التعامل مع مشاعر القلق والخوف. وكذلك قاموا بدراسة الخلايا المخية ونشاطها الجيني ومستوى الكورتيزول في الدم، ولاحظوا أن صغار الفئران تعلموا الخوف من رائحة النعناع من خلال الرائحة التي تفرزها الأمهات خلال شعورها بالخوف، وكان للصغار رد فعل الأم نفسه.
يذكر أن هذه المخاوف تعد «مخاوف جديدة»، بمعنى أنها ليست غريزية، حيث إن المخاوف الطبيعية والغريزية تنتقل إلى صغار الفئران من خلال أمهاتها بشكل طبيعي، بدليل أن بقية الفئران التي كانت أمهاتها طبيعيات ولم يجر تعليمها الخوف من رائحة النعناع لم تتأثر. وأيضا تأكيدا لذلك قام العلماء بعمل ما يشبه التعطيل للمنطقة المسؤولة عن المخاوف في المخ amygdale وعند قيامهم بذلك فشل الفئران الرضع في تعلم الخوف من رائحة النعناع، حيث إن ذلك لا يثير مخاوف الفئران في المعتاد.

* مخاوف الأطفال
وتعد هذه التجربة بالغة الأهمية، حيث إنها تعطي فكرة جيدة حول تأثر الأطفال بمخاوف الأمهات وإمكانية التحكم مستقبلا في هذه المخاوف والسيطرة عليها والحد منها عن طريق التحكم في المنطقة المسؤولة عن ذلك في المخ. ويمكن أيضا أن تفسر سبب خوف الأطفال من أشياء معينة لم يعاصروها أو لم يختبروا آلامها، وذلك لأنه من خلال التجربة فإن الطفل يتعلم الشعور بالخوف من خلال خبرات الأم، وحتى قبل أن يتعلمه من خلال خبراته الخاصة، وهذه الخبرات تستمر مع الطفل طويلا وتحتفظ بها الذاكرة بشكل جيد، عكس معظم الأشياء الأخرى التي يتعلمها الطفل والتي يحتاج إلى تكرارها حتى يحفظها المخ.
وهذه التجارب، حتى وإن كانت تجري على الحيوانات، يمكنها أن تمهد الطريق للدراسة على الإنسان، خاصة أن علماء الصحة النفسية والعقلية قد لاحظوا أن الأجيال تتناقل الخبرات العاطفية السيئة. وعلى سبيل المثال لاحظ العلماء أن الأطفال الذين تعرض آباؤهم لأهوال الحروب قد عانوا كوابيس وذكريات سيئة ومشاعر قلق وخوف من أحداث لم يعاصروها قط، بل ولدوا بعد انتهائها تماما بفترة طويلة. وهو الأمر الذي يبدو وثيق الصلة بالتجربة، وأشار الفريق البحثي إلى أن تلك المخاوف التي تنتقل اجتماعيا إلى الأطفال تمثل تحديا طبيا اclinical concern أمام علماء النفس.
ورغم أن الوقت ما زال مبكرا جدا للحكم على نجاح هذه التجربة في الإنسان ومعرفة إذا كان من الممكن أن تكون رائحة الأم هي المتسببة في الشعور بالخوف في الإنسان أيضا من عدمه، فإن تناقل خبرات الخوف أمر يستدعي الاهتمام بتلك التجربة، وربما تكون استكمالا لما بدأه علماء النفس من قبل في معالجة المخاوف، سواء الطبيعية والمرضية، يمكن أن يكون هناك أيضا علاج لتلك المخاوف.
* استشاري طب الأطفال



باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».