هدنة غزة تكشف إبادة عوائل بأسرها.. وأخرى لم يتبق منها سوى فرد أو اثنين

والدة فلسطيني قتل مع زوجته وأطفاله لـ {الشرق الأوسط} : أخذوا نصيبهم ورحلوا

عائلة إبراهيم الكيلاني واحدة من 16 عائلة فلسطينية أبيدت عن بكرة أبيها في غزة («الشرق الأوسط»)
عائلة إبراهيم الكيلاني واحدة من 16 عائلة فلسطينية أبيدت عن بكرة أبيها في غزة («الشرق الأوسط»)
TT

هدنة غزة تكشف إبادة عوائل بأسرها.. وأخرى لم يتبق منها سوى فرد أو اثنين

عائلة إبراهيم الكيلاني واحدة من 16 عائلة فلسطينية أبيدت عن بكرة أبيها في غزة («الشرق الأوسط»)
عائلة إبراهيم الكيلاني واحدة من 16 عائلة فلسطينية أبيدت عن بكرة أبيها في غزة («الشرق الأوسط»)

لم يكن يعلم الفلسطيني إبراهيم ذيب الكيلاني (53 عاما) أن عودته من ألمانيا إلى غزة ستكون الأخيرة بعد أن فقد حياته إلى جانب زوجته وجميع أطفاله خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وكان إبراهيم عاد إلى غزة لتأسيس حياة أخرى بعيدا عن الغربة والبعد عن الأهل والأقارب الذين فارقهم سنوات طويلة.
ورحل الكيلاني إلى جانب زوجته وأطفاله الخمسة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان عندما حول صاروخ إسرائيلي مائدة إفطارهم الأخيرة إلى مجزرة دامية تناثرت فيها جثثهم في كل مكان من أنحاء المنزل الذي فروا إليه في برج «الإسراء» وسط مدينة غزة، بعد أن كانوا تركوا منزلهم خوفا من أن يصيبهم الموت الذي لاحقهم من مكان إلى آخر حتى تمكن منهم جميعا بلحظة واحدة في ليلة معتمة.
وما إن دخلت الهدنة في غزة حيز التنفيذ أول من أمس حتى بدأت الإحصائيات الفلسطينية الرسمية تكشف حجم المجازر الإسرائيلية التي استمرت نحو 29 يوما على التوالي. وأفادت الإحصائيات بأن نحو 70 عائلة قضت بفعل الغارات الإسرائيلية العنيفة أو قتل معظم أفرادها. وبينت أن ما لا يقل عن 16 عائلة قتل جميع أفرادها ولم يبق منها أحد، ومن بين تلك العوائل عائلة أبو جامع والكيلاني وغنام والبطش وغيرهم. فيما طالت المجازر عائلات أخرى قتل غالبية أفرادها ولم يتبق منهم سوى فرد أو اثنين على قيد الحياة بين مصاب ومشرد، بينهم عائلة «حمد» في بيت حانون والتي قتل جميع أفرادها عدا طفل لم يتجاوز السادسة من عمره وبقي وحيدا يكابد آلام الحياة، وعائلة «بلاطة» في مخيم جباليا التي لم يبق منها إلا ابنها «علاء» الذي أنهى هذا العام الثانوية العامة.
وتحاول «أم صالح» والدة الكيلاني مداراة حجم الصدمة التي تعيشها بعد مقتله وأبنائه الخمسة، وتسعى للتهوين عن نفسها بالقول: «أخذوا نصيبهم ورحلوا».
وتضيف أم صالح، التي تبلغ من العمر 85 عاما، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن نجلها وتسلسله الثاني من بين أبنائها، عاش في ألمانيا نحو 20 عاما حصل خلالها على شهادة الماجستير في الهندسة، قبل أن يعود لغزة منذ نحو سبع سنوات لتأسيس حياة جديدة. وتقول إنه «قرر العودة للاستقرار في غزة فتزوج من تغريد التي استشهدت معه، وأنجب منها خمسة أطفال».
وأشارت إلى أنه كان متزوجا من سيدة ألمانية أنجب منها ثلاثة أطفال. ثم أضافت بحسرة شديدة أن أطفاله الثلاثة الذين يعيشون حاليا في ألمانيا أصبحوا أيتاما الآن بعدما حرموا من والدهم وأشقائهم في المجزرة.
وعن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف العائلة، تقول أم صالح إن نجلها كان غادر منزل العائلة في بيت لاهيا مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على مناطق شمال قطاع غزة خوفا على حياة أطفاله الذين كانوا يرتعدون خوفا من شدة القصف، لكن الموت كان يتربص بهم.
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية هاجمت مع موعد الإفطار أربع شقق سكنية في برج الإسراء وسط مدينة غزة لتحول من فيها إلى أشلاء ممزقة ولم يظهر من معالمهم إلا بعض الأيدي والأقدام فيما شوهت وجوههم وأجسادهم في صورة مروعة. وأعلن حينها عن مقتل 11 فردا وإصابة ما لا يقل عن 18 آخرين فيما حل دمار هائل بالبرج المستهدف.
وتضيف أم صالح، وهي تغالب دموعها: «لم أحتمل خبر استشهاده وأطفاله وتعرضت لوعكة صحية حتى أفقت من غيبوبة قصيرة.. لم أنعم برؤية أحفادي بعد الآن. كنت أتمنى أن أراهم يكبرون أمام عيني ويصبحوا متفوقين مثل إبراهيم».
وقالت وهي تمسك بصورهم وتقبل وجوههم التي لن تراها بعد الآن: «رحل إبراهيم وأطفاله.. لم يتبق منهم سوى هذه الصور والذكريات.. راحوا وما فرحنا فيهم ولا في أطفالهم، كنت بدي أشوفهم مهندسين وأطباء كبار وأزوجهم أنا مش حدا ثاني، بعشقهم مثل ما بعشق أبوهم وأولادي كلهم.. مش عارفة شو بدي أعمل بعدهم».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.