إضراب عام يشلّ لبنان اليوم وتحذيرات من أهدافه السياسية

القطاع الاقتصادي يرفضه ويحذر من خسائر تفوق 100 مليون دولار

TT

إضراب عام يشلّ لبنان اليوم وتحذيرات من أهدافه السياسية

يشكّل الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية اليوم، عامل ضغط إضافياً على القوى السياسية اللبنانية العاجزة عن تشكيل الحكومة بعد ثمانية أشهر على الانتخابات النيابية، كما يوجّه رسالة واضحة إلى عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لم يحقق تقدّماً استثنائياً حتى الآن على صعيد وضع حدّ للتدهور الاقتصادي والعجز المالي، في وقت وصفت الهيئات الاقتصادية هذا الإضراب بـ«الغبي»، خصوصاً أن توقيته يتزامن مع عطلة الأعياد وموسم التسوّق، ويكبّد الاقتصاد خسائر تفوق الـ100 مليون دولار أميركي في يومٍ واحد.
وأعلنت عشرات النقابات تضامنها مع الاتحاد العمالي العام والتزامها بالإضراب، بما فيها نقابة العاملين في مطار رفيق الحريري الدولي، الذين سيتوقفون عن العمل رمزياً ولساعة واحدة، وهو ما سيؤدي إلى تغيير في توقيت الرحلات الجوية، فيما وجّه الاتحاد دعوة إلى المستشفيات الحكومية للإضراب الرمزي لساعة واحدة، تعبيراً عن رفضها للواقع القائم.
ويثير هذا التحرّك ريبة بعض القوى السياسية والمؤسسات التجارية المتضررة منه، حيث عبّر رئيس غرف الصناعة والتجارة في بيروت وجبل لبنان، ورئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، عن تخوّفه من أهداف هذا الإضراب وتوقيته. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى أن يكون معطلو البلد سياسياً هم من يقفون وراء هذا الإضراب، خصوصاً أن توقيته يأتي في غاية الغباء، وإن كانت عناوينه محقّة، وغايتها الضغط من أجل تشكيل الحكومة»، وكشف شقير (المرشّح لتولي حقيبة وزارة الاتصالات في الحكومة العتيدة)، أن «الخسارة التي سيتكبدها الاقتصاد اللبناني نتيجة الإضراب ليوم واحد، تفوق الـ100 مليون دولار، في وقت نحن بأمسّ الحاجة إلى دولار واحد».
وكان الاتحاد العمالي العام قد دعا إلى إضراب عام تحذيري، اليوم، في كلّ القطاعات والمناطق والمؤسسات والإدارات العامة والمصالح المستقلة والمصارف والمصانع والمتاجر، معتبراً أن هذا الإضراب «ليس سوى مبادرة احتجاج أولية، ورفض لكل ما يجري والتحضير لتصعيد المواقف، في كامل الأراضي اللبنانية، وذلك بالتعاون والمشاركة من قبل هيئة التنسيق النقابية ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني».
ولا يُسقط بعض القوى السياسية من حساباتها وجود خلفيات سياسية للإضراب. وأوضح عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون، أن البلد «منقسم بين مؤيد للإضراب ومعترض عليه»، لكنه استغرب تزامن الإضراب مع الحديث عن «أجواء إيجابية على صعيد تشكيل الحكومة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الإضراب «سيؤدي إلى تأزيم الأمور أكثر مما يحقق أهدافه، لأن نتائجه سترتب خسائر للاقتصاد، وسيكرّس الانقسام في الشارع اللبناني».
ولم يستبعد ماريو عون أن تكون حركة الإضرابات «خاضعة لرغبة بعض القوى السياسية، تحت ستار المطالب العمالية». وقال: «لا شكّ أن تسويق الإضراب تحت شعار الدعوة إلى تشكيل الحكومة يستهوي البعض، لكن ربما يكون بعض التحركات غير بريء»، مبدياً أسفه لأن «البعض يصرّ على تحميل الرئيس ميشال عون وعهده الكثير من السلبيات الاقتصادية الناجمة عن الصراع السياسي».
ويضع رئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر، تحرّك اليوم تحت عنوان «مواجهة عجز الطبقة السياسية عن تشكيل حكومة جديدة، ورفضاً لحالة التدهور السياسي والاقتصادي والمالي وربما النقدي، وتراكم الملفات المعيشية». لكنّ رئيس غرف الصناعة والتجارة محمد شقير، ذكّره بأن «البلاد لا تزال تعيش أجواء عطلة الأعياد، وهناك سياح خليجيون وأجانب في لبنان، ويفترض ألا نعطي صورة سلبية عن وضع البلد». وقال: «لو كان الإضراب يؤدي إلى ولادة الحكومة، لكنا نحن كاقتصاديين أضربنا وأقفلنا مؤسساتنا منذ أشهر، لكن النتيجة ستكون عكسية وضدّ مصلحة البلد». وتوجه إلى المؤسسات الاقتصادية قائلاً: «يوم غدٍ (اليوم) عمل عادي جداً، وكلّ المؤسسات ستفتح أبوابها، والاتحاد العمالي العام وغيره، لا يملك الحق بإقفال المؤسسات، وإذا قرر البعض قطع الطرق للضغط على الناس، فإن الجيش والأجهزة الأمنية ستتدخل لمعالجة الوضع».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.