أحداث 2013 .. تونس: حكومة جامدة أمام شارع متحرك.. و«معارك» في البرلمان

أحداث جبل الشعانبي.. واغتيال قادة سياسيين.. وعجز في الميزانية

جنازة شكري بلعيد في تونس يوم 18 فبراير(شباط) الماضي بعد اغتياله (نيويورك تايمز)
جنازة شكري بلعيد في تونس يوم 18 فبراير(شباط) الماضي بعد اغتياله (نيويورك تايمز)
TT

أحداث 2013 .. تونس: حكومة جامدة أمام شارع متحرك.. و«معارك» في البرلمان

جنازة شكري بلعيد في تونس يوم 18 فبراير(شباط) الماضي بعد اغتياله (نيويورك تايمز)
جنازة شكري بلعيد في تونس يوم 18 فبراير(شباط) الماضي بعد اغتياله (نيويورك تايمز)

تنهي تونس سنة 2013 بحكومة تعهدت بالاستقالة منذ يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأخرى لم تتشكل بعد. وبمجلس تأسيسي (البرلمان) لم يوفق بعد في إتمام المهمة الرئيسة التي انتخب من أجلها قبل ثلاث سنوات وهي المصادقة على دستور جديد للبلاد. ويعيش التونسيون آخر أيام العام على وقع تهديدات بحصول أعمال إرهابية بمناسبة احتفالات آخر السنة.
الجمود السياسي وتعذر التوصل لإتمام صياغة الدستور بعد ثلاث سنوات من انتخاب المجلس الـتأسيسي أثار غضب التونسيين وغليانا انعكس في الشارع عبر الاحتجاجات المستمرة التي شهدتها مختلف مدن البلاد على مدار العام. وشهدت عملية صياغة الدستور بدورها «معارك» كثيرة خاصة ما تعلق منها بموقع الإسلام والحريات العامة والفردية وحرية المرأة وغيرها. ولئن أمكن تجاوز الكثير من الخلافات في هذا الشأن فإنه لا تزال هناك نقاط عالقة قد تعطل عملية المصادقة عليه في كنف الوفاق والإجماع في الموعد المحدد أي قبل يوم 14 يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويبقى تسجيل تونس لأول عمليات اغتيال سياسي بعد استقلالها من أهم وأخطر الأحداث التي عاشتها البلاد سنة 2013، فضلا عن سقوط عدد من أفراد قوات الأمن والجيش قتلى وجرحى في مواجهات مع مجموعات مسلحة غرب البلاد، والكشف أكثر من مرة عن مخابئ للأسلحة، وخطط لعمليات إرهابية، وذلك بعد أن شهدت أول تفجير لشاب تونسي لنفسه بحزام ناسف قرب فندق في سوسة أحد أهم وجهات السياحة التونسية، وبأوضاع اقتصادية يجمع كل الخبراء على أنها صعبة وكانت ذات تأثيرات سيئة جدا على معيشة المواطن التونسي وخاصة الفئات الهشة والضعيفة.

* احتقان سياسي مستمر وانقسام في الشارع
* عمليتا اغتيال كل من شكري بلعيد المحامي والقيادي السياسي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يساري) يوم 6 فبراير (شباط) 2013 أمام منزله بمنطقة المنزه قرب وسط العاصمة التونسية بعد إطلاق النار عليه من قبل مسلح لاذ بالفرار، ومحمد البراهمي النائب بالمجلس الوطني التأسيسي والقيادي في التيار الشعبي (حزب قومي عربي) يوم 25 يوليو (تموز) 2013 (ذكرى احتفال تونس بعيد الجمهورية)، أمام منزله أيضا بحي الغزالة في مدينة أريانة (ضواحي العاصمة) بعد أن أطلق عليه مجهولون النار أثرتا بشكل كبير على الساحة السياسية والأمنية التونسية. وكان من أول تبعات اغتيال بلعيد دعوة حمادي الجبالي رئيس الحكومة آنذاك إلى وجوب تكوين حكومة «تكنوقراط»، الأمر الذي رفضه حزب حركة النهضة (إسلامي) القائد للائتلاف الحاكم مع حزبين علمانيين آخرين، في أعقاب انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2012 التي حقق فيها الإسلاميون فوزا لافتا، حيث عد قياديون في النهضة (التي ينتمي إليها الجبالي) هذه الدعوة بمثابة «الانقلاب المدني الأبيض». وبعد أن أعلن الجبالي استقالته يوم 19 فبراير (شباط)، اختارت الحركة علي العريض لتعويضه في منصب رئاسة الحكومة وشرعت في إجراء مشاورات أفضت إلى إعادة تشكيل الحكومة بنفس التحالفات القديمة، بعد أن رفضت أحزاب المعارضة المشاركة فيها وقد حصلت الحكومة الجديدة على ثقة المجلس التأسيسي في 13 مارس (آذار) 2013. أما اغتيال البراهمي فقد أدخل البلاد في أزمة جديدة ودفع بالمعارضة إلى المطالبة باستقالة العريض وتشكيل حكومة كفاءات مصغرة من شخصيات مستقلة وغير متحزبة. ودخلت على الخط أربع منظمات وطنية هي نقابة العمال واتحاد الأعراف، ونقابة المحامين ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان وطرحت على مختلف الفرقاء السياسيين مبادرة لتجاوز هذه الأزمة السياسية. ونجحت هذه المنظمات في جمع 21 حزبا ممثلا في المجلس الوطني التأسيسي على مائدة الحوار منذ مطلع أكتوبر بعد أن وقعوا على خارطة طريق تقضي باستقالة حكومة العريض، وباستكمال الدستور وتكوين هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة، في غضون أربعة أسابيع من بدء الحوار الذي انطلق رسميا يوم 25 أكتوبر بعد تعهد العريض بالاستقالة. وبعد أسبوع واحد تعثر هذا الحوار وجرى تعليقه يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب تعذر التوافق حول شخصية مستقلة تترأس الحكومة المقبلة، وهو أول بند في خارطة الطريق. ولئن جرى فيما بعد ومن خلال مشاورات جانبية طويلة ومضنية قادتها المنظمات الأربع مع الأحزاب السياسية تجاوز هذا الإشكال، باختيار المهدي جمعة وزير الصناعة في حكومة العريض لترؤس الحكومة الجديدة، وبعودة الحوار بشكل رسمي منذ يوم الأربعاء 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي فإن الأزمة السياسية لا تزال قائمة. ولا تزال التجاذبات بين القوى السياسية تسيطر على الساحة وهو ما انعكس في الأيام الأخيرة على أجواء مناقشة ميزانية العام الجديد، وعلى أعمال لجان استكمال صياغة الدستور وتكوين لجنة الانتخابات. وقد اقترح الرباعي الراعي للحوار أن يجري الإعلان عن الحكومة الجديدة والمصادقة على الدستور الجديد واستكمال الاتفاق حول باقي البنود الواردة في خارطة الطريق قبل يوم 14 يناير المقبل (الذكرى الثالثة للثورة التونسية). ويرى المراقبون أنه وبالنظر إلى أجواء الاحتقان والتوتر التي تعرفها الساحة السياسية التونسية فإنه قد يصعب تحقيق هذا الهدف في الأجل الذي اقترحه الرباعي. والحقيقة أن التوتر والاحتقان وتبادل الاتهامات بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة في تونس كانت السمة الرئيسة لأغلب فترات سنة 2013، بل إن الأمور تعدت ذلك لتعرف البلاد في بعض الفترات حالة من الانقسام في الشارع التونسي بين أنصار الحكومة ومعارضيها وتجلى ذلك عقب اغتيال بلعيد وخاصة بعد اغتيال القيادي المعارض البراهمي، حيث نظمت المعارضة اعتصاما مفتوحا تواصل لأيام وليال قرب مقر المجلس الوطني التأسيسي بضاحية باردو غرب العاصمة التونسية، كما قام أنصار الحكومة بتنظيم اعتصامات. وكانت البلاد على شفا مواجهات بين الطرفين وهو ما دفع بقوات الأمن إلى الفصل بينها وتجنيب البلاد ما لا يحمد عقباه. وأفرزت هذه الأوضاع تعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي لأعماله في بداية شهر أغسطس (آب) 2013 بقرار من رئيسه مصطفى بن جعفر، ليعود المجلس إلى أعماله بعد أكثر من شهر من التوقف أي يوم 10 سبتمبر (أيلول) 2013. كذلك عاشت تونس سنة 2013 وعقب عمليتي الاغتيال إضرابين عامين، وسجلت في كل جهات تونس في هذه الفترة من 2013 اعتصامات وتحركات على غرار ما حصل في العاصمة. فضلا عن تنفيذ قطاع الإعلام يوم 17 سبتمبر الماضي إضرابا عاما احتجاجا على محاكمة بعض الإعلاميين وملاحقتهم والتضييق عليهم أثناء أداء عملهم.

* واقع أمني جديد
* على المستوى الأمني أحدثت عمليتا اغتيال كل من بلعيد والبراهمي، «زلزالا» في المجتمع التونسي وفي أوساط الطبقة السياسية، ولا يزال الكثير من التونسيين لا يصدقون أن مثل هذه العمليات يمكن أن تحدث في تونس. وعدا هاتين العمليتين سجلت تداعيات أمنية خطيرة خاصة في جبل الشعانبي من محافظة القصرين على الحدود مع الجزائر (300 كلم جنوب غربي العاصمة) حيث تتواصل ملاحقة مجموعات مسلحة، توصف عادة بالإرهابية. ويبقى الكمين الذي نصبته إحدى هذه المجموعات في جبل الشعانبي لدورية من الجيش التونسي يوم 29 يوليو 2013 والذي أدى إلى مقتل كافة أفراد الدورية وعددهم ثمانية، والتمثيل بجثثهم من أفظع الأحداث التي أثرت في التونسيين سنة 2013، وأصابت الكثير منهم بالصدمة والذهول. وكانت مرتفعات الشعانبي سجلت قبل هذه الحادثة وبعدها انفجار عدد من الألغام أدى بعضها إلى مقتل وجرح عدد من قوات الأمن والجيش مما دفع بالسلطات إلى إعلان جبل الشعانبي والمنطقة المحيطة به منطقة عسكرية. ولا تزال عمليات ملاحقة هذه المجموعات المسلحة متواصلة إلى اليوم، ويجري استخدام الطائرات العسكرية والمدفعية لمحاصرة أفراد هذه المجموعات التي قتل بعض أفرادها وألقي القبض على عدد آخر منهم وعلى بعض من يقومون بمساعدتهم في المدن والقرى المحاذية للجبل من قبل قوات الأمن التونسية. علما بأن الرئيس محمد المنصف المرزوقي قام بتغييرات على قيادة الجيش التونسي بعد استقالة الفريق أول رشيد عمار رئيس أركان الجيش التونسي يوم 15 يونيو (حزيران) 2013.
وغير بعيد عن جبل الشعانبي وفي مدينة سيدي علي بن عون بمحافظة سيدي بوزيد (200 كلم جنوب العاصمة تونس) قتل يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ستة أفراد من الحرس الوطني عقب مواجهات مسلحة مع مجموعة متحصنة بمنزل في المدينة. وجرى فيما بعد ملاحقة عناصر هذه المجموعة وإلقاء القبض على عدد من أفرادها. وكانت مدينة قبلاط من محافظة باجة (120 كلم شمال غربي تونس العاصمة) شهدت قبل أسبوع فقط من هذا الحادث (17 أكتوبر 2013) مقتل عنصرين آخرين من قوات الحرس الوطني على أيدي مجموعة مسلحة كانت متحصنة بمنزل في مدينة قبلاط. وقامت قوات الأمن والجيش في الأيام التالية للحادث بمحاصرة المرتفعات القريبة من المدينة وقتلت ستة من عناصر هذه المجموعة واعتقلت تسعة آخرين.
كذلك شهدت تونس في نهاية أكتوبر الماضي حادثا خطيرا آخر تمثل في إقدام شاب تونسي على تفجير نفسه بواسطة حزام ناسف قرب أحد الفنادق في مدينة سوسة السياحية، وكذلك إحباط عملية أخرى في نفس التوقيت تقريبا كانت تهدف إلى تفجير ضريح الزعيم الحبيب بورقيبة. وتعد مدينتا سوسة والمنستير شرق تونس (150 كلم جنوب العاصمة) من معاقل السياحة التونسية. وهو ما رأى فيه بعض المراقبين تحولا نوعيا في العمليات الإرهابية التي أصبحت تحاول شل الاقتصاد التونسي من خلال ضرب القطاع السياحي الذي يحتل مكانة هامة في المنظومة الاقتصادية التونسية بعد أن كانت العمليات تستهدف قوات الأمن والشرطة.
الوجه الآخر لخطورة التهديدات الأمنية التي عاشتها تونس سنة 2013 هو الإعلان أكثر من مرة عن العثور على مخابئ لكميات هامة من السلاح. فقد أعلن يوم 18 يناير 2013 عن مخبأ لكميات كبيرة من السلاح في مدينة مدنين قرب الحدود مع ليبيا. كما أعلن يوم 22 فبراير 2013 عن اكتشاف مخزن آخر يحتوي على كميات كبيرة من السلاح في ضاحية المنيهلة (شمال غربي وسط العاصمة). فضلا عن الإعلان بشكل متواصل عن حجز كميات صغيرة من الأسلحة والمتفجرات على امتداد أيام السنة الحالية.
ومن نتائج كل هذه الأحداث التي نسبت السلطات التونسية البعض منها لمجموعات وصفتها بالمتطرفة، هو قرارها اعتبار تنظيم أنصار الشريعة يوم 27 أغسطس (آب) 2013 تنظيما إرهابيا، وذلك بعد ما توصلت إليه التحقيقات الأولية في عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي وبعض العمليات الأخرى التي استهدفت قوات الأمن والجيش، وارتباط عناصر من التنظيم بهذه العمليات.

* الوفاق لمعالجة متاعب الاقتصاد
* يجمع الكثير من الخبراء أن سنة 2013 كانت من أصعب السنوات على التونسيين من الناحية الاقتصادية. فقد كان متوقعا أن تحقق تونس نسبة نمو 4،5 في المائة سنة 2013، ولكن هذه النسبة استقرت في الأخير في حدود 2.5 في المائة فحسب، وهو ما لم يمكن من خلق الكثير من فرص العمل خاصة لفئة الشباب المتخرج من الجامعات. وكان من نتيجة ذلك تواصل الاضطرابات الاجتماعية في عدد من الجهات الداخلية خاصة التي تعرف أوضاعا صعبة ولم يتغير واقعها الاقتصادي كثيرا بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي بسبب غياب الاستثمارات والمشاريع الكبرى. وعكست احتفالات مدينة سيدي بوزيد، والمدن القريبة منها بذكرى الثورة التونسية مدى غضب أهالي هذه الجهات من الحكومات المتعاقبة حيث رفضوا حضور أي شخصية رسمية لهذه الاحتفالات التي أخذت شكل الاحتجاجات على واقع الفقر والتهميش الذي تعاني منه مناطقهم.
وبسبب غياب التنمية عرفت بعض المحافظات إضرابات عامة أواخر سنة 2013، فيما يتواصل الشلل الجزئي الذي تعرفه مناجم الفوسفات في مدن الحوض المنجمي (المتلوي الرديف وأم العرايس) في محافظة قفصة (300 كلم جنوب غربي العاصمة) بسبب الاعتصامات المتكررة ومطالب التشغيل والدعوة لتخصيص جزء من مداخيل مناجم الفوسفات لاستثماره في تنمية هذه المدن. وكلفت هذه الوضعية خسارة للدولة في جزء هام من مداخيلها السنوية كانت توفره صادرات الفوسفات تقدرها بعض الجهات بأكثر من 1.2 مليار دولار (نحو ملياري دينار تونسي). هذا فضلا عن تراجع إقبال السياح على البلاد خلال السنوات الأخيرة خاصة أن هذا القطاع يعيل مئات الآلاف من العائلات التونسية بصفة مباشرة وبصفة غير مباشرة، ويمثل جزءا هاما من مداخيل الدولة من العملة الصعبة.
ويرى عدد من الخبراء، والدوائر المالية العالمية، أن تواصل الأزمة السياسية في تونس أثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية ولم يشجع على الاستثمار وبعث المشاريع الجديدة. وكانت سنة 2013 سنة التخفيضات المتتالية في الترقيم السيادي لتونس من حيث قدرتها على سداد ديونها، وهو ما ضيق من هامش قدرة تونس على الاقتراض من الأسواق العالمية، ودفع بها إلى التوجه نحو البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي اشترطت عليها القيام بعدد من الإصلاحات المالية والاقتصادية والسياسية، وأصبحت تربط تسريح بعض الأقساط من هذه القروض بإحراز تقدم في هذه الإصلاحات.
وتعاني تونس اليوم في أعقاب سنة 2013 من عجز في ميزانيتها يصل حسب بعض الجهات إلى ثمانية في المائة ومن نسبة تضخم قدرها ستة في المائة. كما شهد الدينار التونسي السنة الحالية انخفاضا لافتا في قيمته أمام الدولار واليورو بنحو 10 في المائة. كما شهدت نسبة التداين ارتفاعا بنحو نقطتين لتصل إلى 47 في المائة من الناتج الإجمالي الخام.
ويبدو وفقا لعدد من الخبراء أن «متاعب» التونسيين الاقتصادية ستتواصل سنة 2014, ويستدلون على ذلك بميزانية العام الجديد التي ستوظف على بعض الشرائح ضرائب وإتاوات جديدة, وقد يصل الأمر إلى عدم صرف زيادات في رواتب الموظفين والأجراء السنة المقبلة رغم الارتفاع الذي تشهده أسعار بعض المواد الأساسية.
ولئن يرفض أغلب هؤلاء الخبراء الحديث عن إفلاس للبلاد، فإن هناك إجماعا على أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد صعبة جدا، وأن أول خطوة على طريق بداية معالجتها هي تجاوز الأزمة السياسية الراهنة، بما يتيح السيطرة أكثر على الأوضاع الأمنية، ويسهم في توضيح الرؤية أمام المستثمرين التونسيين والأجانب وذلك من خلال تشكيل الحكومة الجديدة في أقرب الأوقات والمصادقة على الدستور الجديد وتحديد موعد الانتخابات المقبلة والعمل على توفير إجرائها في أحسن الظروف من حيث الشفافية والنزاهة في كنف الأمن التام، وهذا ما يمثل آمال وأماني أغلب التونسيين للعام الجديد.



آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
TT

آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)

جددت أعمال الترميم الأحدث في معبد «ملايين السنين» بالأقصر، وما حظيت به من إشادات من الأوساط الآثارية، الحديث عن أعمال ترميم قديمة لتمثال رمسيس الثاني وتماثيل أخرى أثرية بالأقصر تعرضت للتشويه بسبب الترميم، مع مطالبات بإعادة النظر في هذا الملف، سواء بترميمها بطريقة احترافية.

كان وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، شهد إزاحة الستار عن تمثالين ضخمين من الألبستر للملك أمنحتب الثالث بعد ترميمهما وإعادة تركيبهما ورفعهما بموقعهما الأصلي بالصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك بالبر الغربي بالأقصر.

ووصف الوزير في بيان، الأحد، هذا العمل، بالإنجاز الكبير الذي يستهدف الحفاظ على وإحياء أحد أهم معالم الحضارة المصرية العريقة، بما يليق بقيمته التاريخية، وبما يسهم في تعزيز مكانة الأقصر أحد أهم المقاصد السياحية والثقافية على مستوى العالم.

وأشار إلى التعاون المصري الألماني الممتد لسنوات طويلة، مؤكداً أنه يمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي المثمر، ومعرباً عن تطلعه إلى استمرار هذا التعاون لسنوات عديدة قادمة بما يخدم أهداف الحفاظ على التراث الإنساني، وكرّم الدكتورة هوريج سوروزيان مديرة المشروع، والدكتورة نايري هابيكيان مهندسة الموقع.

ولم تتوقف الإشادة بمستوى الترميم والتعاون الدولي عند المستويات الرسمية، بل أشاد آثاريون ومهتمون بشؤون الآثار بالترميم الذي حدث بمعبد ملايين السنين، وقال الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، إن «البعثة الأوروبية التي تعمل بالموقع، والتابعة للمعهد الألماني، نجحت في جمع الأجزاء المتفرقة لتمثال أمنحتب الثالث بطريقة علمية سليمة، بل قاموا بإعجاز بكل المقاييس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عشر سنوات اكتشفوا هذا التمثال وبدأوا في تجميع قطعه ليقدموا نموذجاً مهماً في الترميم، فهو ليس استكمالاً للتماثيل بما يؤدي لتحولها إلى تماثيل مسخ كما حدث في أماكن أخرى»، وطالب عبد المقصود بإعطاء مديرة المشروع وساماً على الجهود التي قامت بها، في الوقت نفسه أشار إلى نماذج أخرى لتماثيل تم تشويهها قائلاً: «هناك من يأتي بأسياخ حديد وخرسانة ليستكلموا التمثال وقواعد الترميم الصحيحة لم تقل هذا الأمر»، مضيفاً: «وجود بعض التماثيل المرممة بشكل خاطئ أمام معبد الأقصر وأمام معبد الكرنك فيه إساءة»، وأشار إلى أنه تم تشكيل لجنة لبحث هذا الأمر من قبل ثم توقف عملها.

وكان مشروع الحفاظ على تمثالي ميمنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث شمل العديد من الأعمال، من أبرزها ترميم وإعادة تركيب ورفع زوج من التماثيل الجالسة المصنوعة من الكوارتزيت عند مدخل الصرح الثاني، كما تم رفع تمثالين ملكيين واقفين من الكوارتزيت عند البوابة الشمالية لحرم المعبد. وقد أُتيحت عملية إنقاذ هذه الآثار المفككة وإخراجها من الطمي والمياه المالحة وإعادتها إلى مواقعها الأصلية.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، الدكتور أحمد عامر، إن ترميم تمثالي الملك أمنحتب الثالث كان بمثابة مرحلة مهمة في عمليات الترميم، حيث تم ترميمهما بأعلى دقة وكفاءة.

وأضاف عامر لـ«الشرق الأوسط» أنها «ليست المرة الأولى في إظهار المهارة والدقة في أعمال الترميم، فقد تم ترميم طريق الكباش بشكل عالمي، وأيضاً صالة الأعمدة بمعبد الكرنك، لذلك لا بد من تشكيل لجنة مختصة لمراجعة التماثيل التي أثارت جدلاً في الفترات الماضية بمدينة الأقصر، منها على سبيل المثال تمثال الملك رمسيس الثاني والموجود أمام واجهة معبد الأقصر حتى الآن».

وسبق أن أعلن المجلس الأعلى للآثار قبل سنتين عن تشكيل لجنة لبحث ما أثير حول ترميم تمثال رمسيس الثاني بطريقة وصفها البعض بأنها لا تتوافق مع المبادئ والقواعد التقاليد المرعية في ترميم القطع الأثرية.

وأشاد الكاتب والباحث المهتم بالآثار المصرية، محمود مرزوق، بأعمال الترميم التي تمت بـ«معبد ملايين السنين»، وكتب عبر صفحته على «فيسبوك» إن فريق العمل استمر لسبع سنوات حتى خرج بنتيجة رائعة في ترميم تمثال أمنحتب الثالث، لافتاً إلى أن الخطأ في عمليات الترميم خصوصاً في الآثار المصرية القديمة يصعب تصحيحه، مؤكداً أن سر النجاح في ترميم التمثال الخاص بأمنحتب الثالث هو عدم التدخل في عمل المتخصصين.


«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
TT

«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)

«بداخلي طفل صغير... كثيراً ما يبكي، قليلاً ما يفرح، فقد كثر بكاؤه بفعل ما يحدث بعالمنا المعاصر من تمزق وحروب وضحايا من الأطفال والكبار، وأحاول استعادة هذا الطفل مع طاقة من التفاؤل والفرح».

بهذه الكلمات وصف الفنان التشكيلي المصري، صلاح بيصار، معرضه «بهجة» المقام حالياً في غاليري «أوبتنو» بالزمالك (وسط القاهرة)، معتبراً أنه بهذه الأعمال التي يتداخل فيها الحس الشعبي مع الروح السريالية مع الألوان الساخنة المبهجة يستطيع أن يستعيد تلك الروح الطفولية المليئة بالبراءة والفرح والبهجة.

وفي هذا المعرض الذي يضم أكثر من 50 لوحة بأحجام مختلفة، يعود بيصار للرسم بعد فترة انقطاع، ويؤكد أن سبب انقطاعه عن الرسم كان الالتزام بالكتابة، فهو أيضاً واحد من أبرز النقاد التشكيليين في مصر.

الألوان المبهجة وألعاب السيرك في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

ويضم المعرض لوحات تبث البهجة في نفس المتلقي بألوانها المبهجة الساخنة في معظمها، ويصور الفنان من خلال أعماله السيرك وما به من مفارقات مضحكة أو عجيبة وغريبة، والقرية بمفرداتها وتفاصيلها المتنوعة، وكذلك البيوت والقصص الشعبية تجد مكاناً داخل لوحاته.

ويقول بيصار إنه يقدم «عالماً ينتمي للفانتازيا الشعبية بروح الخيال وحس سيريالي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن هذا العالم «تتصالح فيه كل الكائنات فى البر والبحر الطبيعة المفتوحة وتحت الماء»، فهو عالم يتسع للبشر والحيوانات والطيور والأسماك وحتى الفراش والنمل.

كل هذه العناصر تتحاور في لوحات بيصار محفوفة بالزينات والبيارق والأعلام، كأنه يقدم من خلالها دعوة للسلام، «لتعود الحياة بعالمنا إلى مرافئ المحبة والحلم والصفاء»، على حد تعبيره.

ومن تفاصيل البيئة الشعبية بكل مفرداتها يعيد بيصار تشكيل العالم بعيون طفل لم تفارقه الدهشة، وربما لهذا السبب بدت الألوان الزاهية هي المسيطرة في كل اللوحات، حتى تلك التي ترصد الطبيعة والبيوت الريفية البسيطة.

الفنان يرى في العالم مساحة رحبة للبشر والحيوانات وكل الكائنات (الشرق الأوسط)

صلاح بيصار المولود في المنوفية (دلتا مصر) عام 1952، تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتخصص في الديكور، إلا أنه اتجه أكثر للعمل الصحافي وحاز جائزة نقابة الصحافيين في الإخراج الصحافي في ثمانينات القرن الماضي، كما اهتم بالكتابة والنقد، وربما لهذا توقف عن تنظيم معارض فردية لأعماله منذ عام 1994، وإن كان شارك من بعده في العديد من المعارض الجماعية والفعاليات التشكيلية.

ويعتمد الفنان على الحس التعبيري في تقديم نماذج من القرية والشارع المصري، ولكن يبدو الاهتمام الكبر منصباً على لاعبي السيرك، لما يتضمنه عالمهم من تنوع في ألوان البهجة وتفاصيلها بالألعاب المختلفة، بينما تبدو المدرسة السريالية بتقنياتها الغرائبية الأقرب للحلم واضحة في اللوحات، ولكنها سريالية شعبية بالطريقة والأسلوب الخاص بالفنان.

وتبرز اللوحات الكبيرة مشاهد بانورامية للقرية أو للسيرك أو الشارع أو يمكن أن يخصصها للبورتريه، بينما تركز اللوحات الصغيرة الحجم على التفاصيل البسيطة التي تقترب من رموز وتيمات الحكايات الشعبية، في قالب فني يمنحها بعداً جديداً مشحوناً بطاقة من الفرح.


ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
TT

ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)

طوّر باحثون في مجموعة «مايو كلينك» الطبية الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الساعة الذكية لتنبيه الآباء عند أولى مؤشرات نوبات الغضب الشديدة لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية، ما يتيح التدخل السريع قبل تفاقم النوبة.

وأوضح الباحثون أن هذا النظام يُقلّص مدة وحدّة نوبات الغضب، ما يخفف الضغط النفسي على الطفل ووالديه، ويُحسّن الأجواء الأسرية، ويُقلّل من الصراعات اليومية. ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «JAMA Network Open».

ونوبات غضب الأطفال هي انفعالات مفاجئة وشديدة، تظهر في صورة بكاء حاد أو صراخ أو رفض للأوامر أو سلوك عدواني أحياناً. وغالباً ما تنتج هذه النوبات عن عجز الطفل عن التعبير عن مشاعره أو السيطرة عليها، وقد تكون أكثر حدّة وتكراراً لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية.

ورغم أن نوبات الغضب تُعد جزءاً طبيعياً من نمو بعض الأطفال، فإن استمرارها لفترات طويلة أو شدتها الزائدة قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطفل والعلاقات الأسرية، ما يستدعي تدخلاً تربوياً أو علاجياً مبكراً للحد من آثارها.

ويعتمد النظام على ساعة ذكية يرتديها الطفل، ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب أو التغيرات في الحركة أو النوم. وتُنقل هذه البيانات إلى تطبيق على هاتف الوالدين مزوّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يُحلِّلها لحظياً ويُرسل تنبيهاً فورياً يحثّ الوالدين على التواصل مع الطفل وتهدئته في الوقت المناسب.

وأُجريت التجربة السريرية على 50 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات، كانوا يعانون اضطرابات عاطفية وسلوكية. واستُخدم نظام الساعة الذكية لدى نصف المشاركين على مدى 16 أسبوعاً، في حين واصل النصف الآخر العلاج القياسي. وقيَّمت الدراسة مدى التزام العائلات باستخدام التقنية، وقدرة التنبيهات الفورية على تغيير سرعة استجابة الوالدين وسلوك الأطفال.

وأظهرت النتائج أن التنبيهات الفورية ساعدت الآباء على التدخل خلال 4 ثوانٍ فقط، وأسهمت في تقليص مدة نوبات الغضب الشديدة بمعدل 11 دقيقة، أي نحو نصف المدة المسجّلة لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج التقليدي فقط.

كما بيّنت النتائج أن الأطفال ارتدوا الساعة الذكية لنحو 75 في المائة من فترة الدراسة، ما يعكس قابلية التطبيق وارتفاع مستوى تفاعل العائلات مع هذه التقنية.

وقال الباحثون إن «هذه الدراسة تُظهر أن تدخلات صغيرة، إذا جاءت في التوقيت المناسب، يمكن أن تغيّر مسار نوبة الاضطراب العاطفي لدى الطفل؛ إذ تمنح الوالدين فرصة للتدخل الداعم، مثل الاقتراب من الطفل، وتقديم الطمأنة، وتعزيز المشاعر الإيجابية، وإعادة توجيه الانتباه، قبل أن تتصاعد النوبة».

وأضافوا أن هذا النظام يُثبت أن بيانات الأجهزة الذكية اليومية يمكن أن تساعد الأسر في الوقت الحقيقي؛ فقد تبدو الساعة الذكية جهازاً بسيطاً، لكنها عندما تُدعَم بعلاجات قائمة على الدليل وتحليلات متقدمة، تتحول إلى بارقة أمل للأسر التي تواجه أعراضاً سلوكية شديدة في المنزل.