يوميات مراسل من غزة: حين تعود غزة إلى العصر الحجري

يوميات مراسل من غزة: حين تعود غزة إلى العصر الحجري
TT

يوميات مراسل من غزة: حين تعود غزة إلى العصر الحجري

يوميات مراسل من غزة: حين تعود غزة إلى العصر الحجري

تمر أيام عصيبة جدا على الفلسطينيين في قطاع غزة، وكوني أحدهم فيمكنني القول: إننا عدنا إلى ما أشبه الحياة في العصر الحجري بعد أن اكتفينا بالقراءة عنه في كتب التاريخ ولكن سكان غزة لم يعرفوا أن بعد آلاف السنين سيعيشونه واقعا بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية المتواصلة كل شيء يحيا به الإنسان في الألفية الثالثة «ألفية التطور التكنولوجي الهائل».
يوم بأكمله وعدة ساعات أخرى عشت فيها من دون هاتف بعد أن خلا هاتفي الجوال من الشحن بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود أي بديل لشحن احتياجاتي، بل إن كل سكان غزة يعيشون في ذات المعاناة وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، ومهما تحدثنا عما تتسبب به الكهرباء من أزمات خانقة ومتعددة الأوجه فلن نستطيع إحصاءها.
كانت لحظات غضب تنتابني، تعبر عن مدى يأس الإنسان بعد فشله في التواصل مع عمله وفشله في ممارسة مهنته المحبذة إليه، كما أنها تعبر عن غيظ في قلبي لعدم تمكني من معرفة أخبار غزة التي أعيش فيها كما الآلاف من أبناء شعبي وكأننا نعيش في بلدة أخرى لا نسمع سوى أصوات الصواريخ وما تحدثه من انفجارات عنيفة ولا نعرف أي مكان تضرب وتصيب سوى ما نراه من بعض الدخان المتصاعد من مناطق الاستهداف.
مأساة كبيرة تلك التي يعيشها السكان في غزة، فلا كهرباء ولا ماء وحتى الاتصالات تُقطع بشكل كبير في غالبية الأوقات، والإنترنت قُطع نهائيا عن مناطق كبيرة من شمال وجنوب القطاع، ولا يمكن لي أو لأي فلسطيني آخر معرفة مصير أقربائه بعد أن صارت شبكة الاتصالات في غيبوبة طويلة قبل أن نفاجأ بعودتها إلى هواتفنا إن توفر فيها بعض من الشحن الكهربائي.
بعد كل هذا العناء من دون هاتف جوال، نجحت بشحنه كهربائيا عند أحد الأصدقاء الذي يملك صالونا لحلاقة الشعر، فشحنته ساعة واحدة ثم فتحته ليفاجئني خبر من رسالة نصية من شقيقتي مفاده أن نجلها أصيب بجروح متوسطة في غارة استهدفت منزلا مجاورا لمنزلها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
صدمت جدا كيف أن لهذه التكنولوجيا البسيطة أن تفقدني التواصل مع العالم الخارجي حتى مع أقرب الناس لي، كيف أصبحت بعيدا عن العالم وعن الأخبار. انقطعت تماما عن كل شيء وكأنني أعيش في صحراء البادية في عصور الجاهلية بل في العصر الحجري الذي تعيشه غزة واقعا بفعل انقطاع الكهرباء وحتى المياه ومياه الشرب والخضار والمعلبات وحليب الأطفال، ناهيك عن القتل اللحظي كل دقيقة مع تواصل الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة من شماله إلى جنوبه.
فتحت هاتفي الجوال وما أن فتح حتى استقبلت عشرات الاتصالات من أقربائي وأصدقائي الذين كانوا يحاولون الاتصال بي طوال تلك الفترة للاطمئنان علي وعلى عائلتي، كانوا يجهلون مصيري ويتنصتون للأخبار هنا وهناك، لمعرفة ماذا حل بي وبعائلتي. ولكنهم لم يعرفوا أو لم يفكروا لحظة واحدة هي رغم أننا في عام 2014 إلا أن تصرفات العهد الحجري البربرية ما زالت تعشعش في عقل عدو لم يرحم أطفالنا ولا نساءنا ولا شبابنا ولا كبارنا بل أفقدنا معنى الحياة بكل ما فيها من جمال.



المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
TT

المجاعة تهدد أطفال غزة وأمهات يبحثن عن الحليب

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)
توفي منذ اندلاع الحرب في غزة 32 شخصاً بسبب سوء التغذية (أ.ف.ب)

تبحث أميرة الطويل في صيدليات قطاع غزة عن حليب لإطعام طفلها يوسف، الذي يحتاج إلى علاج وغذاء، لكن كل محاولاتها لتأمينه باءت بالفشل. يستلقي يوسف بجسده النحيل على السرير في مستشفى الأقصى في دير البلح وقد ربطت رجله بحقن وريدية.

تقول الطويل لوكالة الصحافة الفرنسية: «يوسف يحتاج إلى علاج وغذاء جيد، الحليب غير متوفر نهائياً». وتضيف الأم: «أُطعمه حالياً بعض القمح، لكن لا حليب. هذا ما يجعله يعاني من الانتفاخ، طلبوا مني أن أجري له فحصاً لحساسية القمح».

توفي منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 32 شخصاً بسبب سوء التغذية.

وقالت «منظمة الصحة العالمية»، السبت، إن أكثر من 4 من أصل 5 أطفال أمضوا يوماً كاملاً من دون تناول الطعام مرة واحدة على الأقل خلال 3 أيام.

وقالت المتحدثة باسم «منظمة الصحة العالمية» مارغريت هاريس، في بيان، إن «الأطفال يتضورون جوعاً».

وبحسب منظمات الإغاثة، فإن ارتفاع معدلات سوء التغذية بين أطفال غزة دون الخامسة سببه عدم وصول المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة إلى من يحتاجون إليها.

إغلاق المعابر

بدأت الحرب في قطاع غزة مع شنّ «حماس» هجوماً غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر تسبّب بمقتل 1189 شخصاً، معظمهم مدنيون.

وردّت إسرائيل متوعدة بـ«القضاء» على «حماس»، وهي تشنّ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمر على قطاع غزة، تترافق مع عمليات برية، ما تسبب بسقوط 36439 قتيلاً، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

بعد فحص أجراه مكتب «الأمم المتحدة» لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لأكثر من 93400 طفل دون الخامسة في غزة للتأكد من سوء التغذية، خلصت النتائج إلى أن 7280 منهم يعانون سوء تغذية حاداً.

وينتشر سوء التغذية في شمال قطاع غزة بشكل خاص حيث لم يتلقَّ من بقوا هناك من السكان سوى قليل من المساعدات في الأشهر الأولى من الحرب.

في الأسابيع الأخيرة تم تحويل جزء كبير من المساعدات الغذائية عبر المعابر، وذلك بعد تحذيرات من مجاعة وشيكة.

أما الطفل سيف فقد بدا منهكاً للغاية وبالكاد يستطيع التنفس.

وتقول والدته نهى الخالدي: «طوال الليل وهو يتألم ويعاني المغص والانتفاخ، تم تأجيل العملية التي كانت مقررة له، وهذا يمكن أن يسبب له انفجاراً في الأمعاء».

وتضيف الأم: «نعتمد على ما يأتي من مساعدات لإعطاء الأولاد، وهذا يؤثر كثيراً على صحتهم لأنهم اعتادوا على حليب يتناسب مع أجسادهم».

لكنها تتدارك وهي تحاول حبس دموعها «لا يتوفر أي نوع حليب في الأسواق».

ويؤكد طبيب الأطفال في مستشفى الأقصى، حازم مصطفى، أن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى تفاقم الوضع.

ويعدّ معبر رفح المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات إلى قطاع غزة من مصر، قبل أن تقوم إسرائيل في 7 مايو (أيار) المنصرم بعملية برية وتسيطر على المعبر الحدودي.

ومنذ ذلك الوقت، لم تسمح إسرائيل بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة، كما لم يتمكن أي من الجرحى والمرضى من الخروج للعلاج.

ويقول الطبيب مصطفى، وخلفه على شاشة الحاسوب صورة أشعة لقفص صدري لأحد المرضى، إن الأخير يعاني «ضعفاً شديداً في جسمه وسوء نمو بسبب منع الاحتلال دخول الأغذية، وخصوصاً الحليب للأطفال».

ويطالب بـ«إدخال كميات وافرة من الحليب حتى تتمكن الأمهات من إعطاء أطفالهن الغذاء المناسب ليكونوا بصحة جيدة».