مظاهرات حاشدة في «مسيرة القصر» تشل الحركة وسط الخرطوم

قوات الأمن تنتشر في المدينة وتحولها إلى ثكنات عسكرية

جانب من احتجاجات الخرطوم أمس  (رويترز)
جانب من احتجاجات الخرطوم أمس (رويترز)
TT

مظاهرات حاشدة في «مسيرة القصر» تشل الحركة وسط الخرطوم

جانب من احتجاجات الخرطوم أمس  (رويترز)
جانب من احتجاجات الخرطوم أمس (رويترز)

اصطدم آلاف المتظاهرين في العاصمة السودانية أمس مع قوات الأمن السودانية في الخرطوم، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيّل لتفريق المحتجين الذين لبوا دعوة لمسيرة إلى القصر الرئاسي في اليوم السابع من حركة احتجاج كبيرة عمت كثيراً من مدن السودان بعد قرار الحكومة رفع سعر الخبز ثلاث مرات في بلد يعاني من ركود اقتصادي ويحكمه الرئيس عمر البشير منذ ثلاثة عقود. وقال مراقبون في الخرطوم إن مئات من المحتجين تظاهروا في أحد الشوارع الرئيسية في وسط العاصمة بعدما منعت قوات الأمن كل من حاول الوصول إلى القصر الرئاسي. وتمركز أفراد الشرطة النظامية ومكافحة الشغب في تقاطعات الشوارع الرئيسية في المدينة وهم يحملون الهراوات، وعلى أسطح البنايات المطلّة على شارع القصر.
وكان «تجمّع المهنيين السودانيين» الذي يضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعات، قد دعا أول من أمس في بيان إلى مظاهرة نحو القصر الجمهوري «لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فوراً عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء». وأضاف البيان أنّ التجمّع المهني اقترح في حالة موافقة البشير على التنحّي أن «تتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني».
كما أطلق التجمّع نفسه دعوة إلى إضراب عام لبّاها كثير من القطاعات.
من جهة أخرى، أفادت منظمة العفو الدولية بأن «37 متظاهراً قتلوا برصاص قوات الأمن خلال خمسة أيام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة السودانية». وقالت سارة جاكسون، مساعدة مدير المنظمة غير الحكومية لمنطقة شرق أفريقيا والبحيرات الكبرى والقرن الأفريقي إن «واقع استخدام قوات الأمن للقوة الفتاكة من دون تمييز ضد المتظاهرين العزل هو أمر مقلق للغاية». كما نشرت السفارة البريطانية في الخرطوم على موقع «تويتر» أن «مجموعة الترويكا (بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة) بالإضافة إلى كندا أبدت قلقها إزاء أعمال العنف التي وقعت خلال الاحتجاجات الأخيرة في السودان، مع وجود تقارير موثوقة عن استخدام حكومة السودان الذخيرة الحيّة وسقوط حالات قتل كثيرة».
من جانبه، وفي أول رد فعل له على المظاهرات، وعد الرئيس البشير بإجراء «إصلاحات حقيقية» في بلاده. وقال إن «الدولة ستقوم بإصلاحات حقيقية لضمان حياة كريمة للمواطنين».
وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن البشير وصل أمس إلى ولاية الجزيرة لافتتاح عدد من المشروعات، حيث استقبله في مدينة «ود مدني» عاصمة الولاية عشرات المواطنين باللافتات والهتافات المؤيدة. وألقى البشير كلمة أمام مؤيديه من على منصته قائلا: «هذا الاستقبال وهذا الحماس فيه رد واضح أن الناس مع التنمية والتعمير... الناس ضد التخريب». وتابع: «الناس التي تُخرّب المنشآت والمؤسسات هم خونة... هم عملاء... هم مرتزقة»، من دون الإشارة بشكل صريح للمتظاهرين. وتابع: «نحن لم ننس أن لدينا مشكلات اقتصادية (..) لكن ذلك مقدور عليه ويجب أن تعلموا نحن دولة تحت الحصار، والغرب كله يحاصرنا ولا يريدنا أن نتقدم خطوة إلى الأمام». ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن البشير أيضاً قوله خلال زيارته إحدى قرى ولاية الجزيرة إن «الغرب يعادي الشعب السوداني لتمسكه بعقيدته. نعلم معاداتهم لنا، ولكن نصر الله قريب». وأضاف: «لأننا أعزة وكرام، رفضنا كل المشروعات، رفضنا الركوع لأي دولة، وقلنا لا للاستعمار ولا للاستكبار، لذلك يحاربوننا، لأننا متمسكون بديننا وعزتنا، وكرامتنا لن نبيعها بقمح أو دولار أو يورو»، وتابع: «لا نطلب إلاّ من الله، ولا نركع إلاّ لله».
ويشهد السودان صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70 في المائة وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي وسائر العملات الأجنبية. ويبلغ سعر الدولار رسمياً 47.5 جنيه، لكنه يبلغ في السوق الموازية 60 جنيهاً سودانياً، كما يعاني 46 في المائة من سكان السودان من الفقر، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة سنة 2016.
ومنذ وقت باكر من صباح أمس، نشرت قوات أمنية من صنوف مختلفة «شرطة، وأمن، وقوات عسكرية»، على سيارات مكافحة الشغب وعربات نصف نقل، وسيارات مسلحة برشاشات «دوشكا»، فيما تراص رجال غير مكتملي الزي العسكري بملابس الشرطة في طوابير طويلة، في منطقة السوق العربي والإفرنجي ومحطات وسائط النقل العام. وسدت القوات الأمنية شوارع «القصر، والبلدية، والجمهورية، والحرية، والسيد عبد الرحمن»، وهي الشوارع الرئيسية في وسط الخرطوم، ومنعت السيارات والمارة من دخولها، فيما أغلقت المتاجر والمصارف والبنوك والمؤسسات الحكومية أبوابها.
لكن نشطاء ومعارضين أفلحوا في الوصول إلى وسط المدينة وشارع القصر على وجه الخصوص، ومناطق السوق العربي والإفرنجي، ونظموا مظاهرات هادرة تندد بحكومة الرئيس عمر البشير وتطالب بسقوطها، وتصدت لهم القوات الأمنية مستخدمة العصي والهراوات والغاز المسيل للدموع والسيارات المندفعة لتفريقها، ما حول وسط المدينة معارك متواصلة من الكر والفر، وما إن تفض مظاهرة، تخرج أخرى من مكان جديد. وخلت مواقف السيارات من حافلات النقل العام، وشُهدت السيارات العامة وهي تغادر وسط المدينة، ورجال الأمن يحددون لها الشوارع، ويغيرون اتجاهات السير.
ودعا «تجمع المهنيين السودانيين» لموكب جماهيري في شارع القصر يسلم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير، ولقيت الدعوة تأييداً واسعاً من قوى المعارضة. ومنذ الأربعاء الماضي يشهد السودان مظاهرات واحتجاجات واسعة، احتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز، وندرة الوقود، وشح النقود، والزيادات الكبيرة في أسعار الدواء، بيد أن المظاهرات تحوّلت إلى احتجاجات تطالب بإسقاط حكم الرئيس البشير، وعمت عدداً كبيراً من مدن البلاد، وواجهتها الأجهزة الأمنية بالقوة المفرطة، ما أدى إلى مقتل العشرات وجرح المئات. وجاء في مذكرة التجمع المهني للرئاسة، المعنونة «ارحل»، واطلعت «الشرق الأوسط» على نصها: «باسم جميع أبناء الشعب السوداني نطالبك أنت وحكومتك بالتنحي فوراً، وإفساح المجال لحكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محددة، وتوافقية بين كل أطياف المجتمع السودان»، وأضافت المذكرة: «كما نؤكد على مواصلتنا في جميع الخيارات الشعبية السلمية، بما فيها الإضراب والعصيان المدني، حتى إسقاط النظام».
من جهة أخرى، شن قائد عسكري سوداني بارز هجوماً عنيفاً على المسؤولين المتسببين في أزمة السيولة في البلاد متعهداً بكشفهم ومحاسبتهم، ودعا الحكومة للقيام بواجباتها تجاه المواطنين وتوفير العيش الشريف لهم، وتعهد بعدم اعتداء قواته على المواطنين الذين طالبهم بالصبر والانضباط.
وقال قائد قوات الدعم السريع، المثيرة للجدل، الفريق محمد حمدان حميدتي، إن «هناك من يعملون على خلق الأزمات في البلاد، خاصة أزمة السيولة وشح النقد»، وذلك في كلمة أمام كتيبة من قواته عادت إلى الخرطوم قادمة من الحدود السودانية الليبية ومنطقة وادي هور بشمال دارفور. وحمّل حميدتي مسؤولين حكوميين المسؤولية عن الأزمة المالية بدوافع التخريب، متوعداً بكشفهم ومحاسبتهم. وقال: «حتى هذا اليوم توجد مشكلة في السيولة، ونحن لا نعرف سببها»، مشدداً على محاسبة كل من يعمل على تخريب الاقتصاد من الفاسدين، مضيفا: «لن ننتظر حتى تضيع البلاد من أيدينا وهذا لا مجاملة فيه».
وتوعد من أطلق عليهم «مندسين ومتمردين ومهربين ومخربين»، قائلاً إن قوات الدعم السريع ستكون لهم بالمرصاد، كما حذّر الأحزاب السياسية ودعاها لمراجعة حساباتها مع أهمية إيجاد حل حقيقي وجذري للأزمة الاقتصادية. وطالب قائد قوات الدعم السريع الحكومة بتوفير الخدمات للمواطن والإيفاء بواجباتها تجاهه وتوفير سبل كسب العيش الكريم، كما طلب من قواته «الانضباط والالتزام بالزي الذي يميزها»، ملمحاً إلى أن قوات أخرى ترتدي زي قواته لكي تحمّلها المسؤولية عن ممارستها الخاطئة تجاه المواطنين. وأبدى حميدتي تقديره لما سماه «صبر الشعب السوداني»، واصفاً كل من ينكر ذلك بـ«المنافق»، وشدد على أهمية رقابة الأسواق وأسعار العملات «والتصدي لجشع التجار». ولمح إلى أن مجموعات، لم يسمها، «تنعم بجميع الامتيازات في الوقت الذي جمعت قواته السلاح من الجميع».
وتتهم قوات الدعم السريع، التي توصف بأنها ميليشيا قبلية تم ضمها إلى القوات المسلحة، بارتكاب جرائم ضد المواطنين في مناطق السودان المختلفة، وحملت منظمات دولية ومحلية هذه القوات المسؤولية في قتل أكثر من 250 من المتظاهرين في الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم في سبتمبر (أيلول) 2013.



بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.