صعود للثقافة البديلة واتساع حركة الترجمة

المشهد الثقافي المصري في عام 2018

جاء قرار نقل «معرض القاهرة للكتاب» إلى منطقة التجمع الخامس بمثابة لطمة للكتّاب والمثقفين
جاء قرار نقل «معرض القاهرة للكتاب» إلى منطقة التجمع الخامس بمثابة لطمة للكتّاب والمثقفين
TT

صعود للثقافة البديلة واتساع حركة الترجمة

جاء قرار نقل «معرض القاهرة للكتاب» إلى منطقة التجمع الخامس بمثابة لطمة للكتّاب والمثقفين
جاء قرار نقل «معرض القاهرة للكتاب» إلى منطقة التجمع الخامس بمثابة لطمة للكتّاب والمثقفين

«الثقافة البديلة هي الحل» شعار بلوره بشكل تلقائي كثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية الجادة التي يقوم بها شعراء وكتّاب مبدعون بجهود فردية، وشكلت ملمحاً قوياً للمشهد الثقافي المصري خلال هذا العام المنصرم 2018. انضم إليه عدد من دور النشر الخاصة، واضعة ضمن استراتيجيتها البعد النقدي للترويج لمطبوعاتها المتنوعة في الأدب والشعر وقضايا الفكر والفن، وذلك بإقامة ندوات خاصة، يلقي فيها نقاد وباحثون الضوء على ما تتضمنه هذه المطبوعات من أفكار ورؤى وقضايا تشتبك مع الواقع الراهن بأبعاده المأزومة، وتضعه على عتبة الاستنارة والتغيير.
تحت هذا الشعار، نفض غالبية المثقفين والكتّاب أياديهم من غبار المؤسسة الثقافية الرسمية، وأصبحوا لا يعولون عليها كثيراً، سواء في نشر كتبهم، أم الحصول على جائزة من جوائز الدولة، التي غالباً ما تذهب إلى غير مستحقيها. ناهيك عن الترهل والإهمال والفوضى التي أصبحت من الأمراض المزمنة لهذه المؤسسة.
جسّد «مؤتمر قصيدة النثر المصرية» في دورته الخامسة، وعلى مدار 3 أيام، في الفترة من 19 إلى 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، بأتيليه القاهرة، العنوان الأبرز لهذه الثقافة البديلة. بما شهده من حضور لافت وكثيف، وحلت ليبيا ضيفاً على هذه الدورة، ممثلة في كوكبة من الشعراء والشاعرات والنقاد الليبيين.
استنّ المؤتمر تحت رعاية منسقه العامّ الشاعر عادل جلال محورين جديدين في هذه الدورة، الأول بعنوان «مسار»، تحدث فيه عدد من شعراء السبعينات عن تجاربهم الشعرية وأهم المسارات والمحطات التي شكلت نقاط تحول فيها، كما احتفى بالشاعرين المصريين الراحلين؛ محمد صالح، وشريف رزق، في محور خاص. وشهد المؤتمر مشاركات نقدية مهمة، من أبرزها مشاركة الدكتور محمد بدوي، بعنوان «هل يمكن أن نعتبر قصيدة النثر نوعاً شعرياً جديداً؟»، ومشاركة الدكتور يسري عبد الله في دراسته «قصيدة النثر... تقنيات النص المفتوح وجمالياته»، كما قدّم الشاعر الليبي رامز النويصري دراسة بعنوان «قصيدة النثر في ليبيا». وأصدر المؤتمر كتاباً تضمن الأبحاث والدراسات النقدية لهذه الدورة.
ترافقت في هذا السياق، مجموعة من الأنشطة الأدبية اللافتة تقوم بها دور النشر الخاصة، من بينها «دار العين»، و«المصرية اللبنانية»، و«الكتب خان»، وتقف «دار بتانة» في صدارة هذه الأنشطة خاصة بموقعها الإلكتروني الذي أصبح نافذة مهمة لإبداعات وكتابات المبدعين، وطرح همومهم حول ما يخص الشأن الثقافي العام، بحرية وموضوعية بناءة.
وبعيداً عن العاصمة القاهرة، تمثل «الورشة الإبداعية» بمدينة كفر الزيات، تحت رعاية الشاعر ماهر نصر، شرياناً نقدياً حيوياً وحميماً يعتدّ بالحوار بين المبدع وما يطرح حول تجربته من دراسات وشهادات نقدية، يقدمها أعضاء الورشة. كما تمثل ندوة «منتدى المستقبل للفكر والإبداع» الأسبوعية رافداً مهماً ومتنوعاً في هذا السياق.
وجاء قرار نقل «معرض القاهرة للكتاب» من مكانه بأرض المعارض في مدينة نصر إلى منطقة التجمع الخامس النائية على أطراف العاصمة، بمثابة لطمة للكتّاب والمثقفين، معتبرين أن القرار خاطئ، وأنه سيُفقد المعرض ميزة التواصل المهمة مع الجمهور العام لحساب فئة بعينها، وأنه كان من الأجدى أن تقوم إدارة المعرض بالإنفاق على أرض المعارض وتطويرها وتحسين صورتها، بدلاً من التفكير في الحل الأسهل بنقل المعرض إلى مكان آخر، إضافة إلى أن أرض المعارض تتمتع بمحطة مترو أنفاق خاصة بالمعرض، ما يسهل على الجمهور زيارته، كما أبدى كثير من الناشرين تخوفهم من انحسار عملية البيع.
ومن جانبهم، دافع مسؤولو المعرض، الذي سينطلق في 23 يناير (كانون الثاني) المقبل محتفلاً بيوبيله الذهبي (50 عاماً)، عن عملية النقل، وأنه سيكون أكثر تنظيماً وإحكاماً وقرباً من الأقاليم. ففي تصريحات صحافية، أكد الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس هيئة الكتاب المنظمة للمعرض، أن الغرض من القرار هو إقامة المعرض وفق «فورمات» عالمية تليق بسمعة المعرض العريقة وبالمناسبة الاستثنائية، وهي الاحتفال باليوبيل الذهبي له.
على ساحة الإبداع، تواصل القصة القصيرة وجودها بقوة للعام التالي على ساحة النشر، جنباً إلى جنب مع الرواية، ومن أبرز إصداراتها هذا العام «مدينة الحوائط اللانهائية» لطارق إمام، عن الدار المصرية اللبنانية، و«حروب فاتنة» لحسن عبد الموجود، و«وجه آخر للصلصال» لعبير الحلوجي، عن دار بدائل، و«كأنه هو» لعصام حسين، عن دار يسطرون. ومن الروايات المهمة التي شهدها هذا العام؛ «مزاج حرّ» لمحمد الفخراني، عن المصرية اللبنانية، و«فراشات أورنينا» لرشيد غمري، عن دار بتانة، و«محاولة للإيقاع بشبح» لهاني عبد المريد، عن المصرية اللبنانية، و«باب الخيمة» لمحمود الورداني، عن دار العين، و«الحب» لصبحي شحاتة، عن دار بدائل. وكان لافتاً أيضاً إعادة طبع روايتين تُعدان من المحطات الأساسية في السرد الروائي، وهما روايـتا «مرافئ الروح» ليحيى مختار، و«العرس» لفتحي إمبابي.
وحظي الشعر بنصيب لا بأس به ضمن حركة النشر. ومن أبرز إصدارته دواوين «عفواً هذا الرقم خارج الخدمة» لفريد أبو سعدة، عن هيئة الكتاب، و«ربّ على شكل طائر» لمحمد عيد إبراهيم، عن منشورات «أنا الآخر»، و«الهائم في البرية» لعبد المنعم رمضان، عن دار العين، و«غلطة لاعب سيرك» لعزمي عبد الوهاب، عن هيئة قصور الثقافة، و«خرائط الجنة» لعبد الغفار العوضي، عن هيئة الكتاب.
وفي مجال الدراسات الأدبية، حظي كتاب «النهار الآتي» عن تجربة الشاعر رفعت سلام بمتابعات نقدية وأدبية ضافية. الكتاب قام بجمعه وتحريره الكاتب أحمد سراج، ويضم 28 مادة، ما بين دراسات وشهادات نقدية لنقاد مصريين وعرب، تضيء تجربة سلام من عدة زوايا فنية مهمة. كما شكّل كتاب «أولاد حارتنا... سيرة الرواية الـمُحرّمة» للكاتب الصحافي محمد شعير، عاصفة من الحوارات المهمة، حول وقائع منع نشر الرواية في مصر، وكشف الكتاب كثيراً من الأقنعة المستترة التي رافقت هذا المنع على المستوى السياسي والثقافي والديني.
وسط هذا المناخ، كان لافتاً تنوع واتساع حركة الترجمة، من عدة لغات أجنبية إلى العربية، شملت كتباً مهمة في عالم الأدب والفلسفة والنقد والعلم والتراث، وبرز المترجم المثقف سيد إمام بجهد وافر ومتنوع في هذا السياق، مقدماً إلى المكتبة العربية مجموعة من الترجمات التي تعد أصولاً ومراجع في مادتها، منها موسوعة «ألف ليلة وليلة» أو «الليالي العربية»، التي ترجمها عن الإنجليزية لاورليش مارزوف وريتشارد فان ليفن، وصدرت في جزأين عن المركز القومي للترجمة، لافتاً في مقدمته الضافية لها، إلى أنها تجيب عن أسئلة مهمة للقارئ، حول أصولها وتواريخ ظهورها وجامعيها، وحكاياتها الأصلية أو المنتحلة وما جرى عليها من تعديلات أو تحويرات، والأثر الذي خلفته في جمهور المستمعين والقراء في كل مكان وزمان وفي المبدعين من شعراء وروائيّين ورسامين وموسيقيّين وكتّاب مسرح في الشرق والغرب، على حد سواء. وحديثاً، أضاف سيد إمام لجهده الوافر كتاباً مهماً، ترجمه بعنوان «النقد النظير» للمفكر المعروف إيهاب حسن، صدر عن دار نشر شهريار ببغداد، يتضمن رؤية فكرية، تدور في إطار 7 تأملات عن الفكر النقدي المعاصر. ويعد هذا الكتاب الثاني عن إيهاب حسن لإمام، فقد صدرت له مطلع هذا العام نفسه ترجمة أخرى للعربية لكتاب إيهاب حسن «الخروج من مصر.. مشاهد ومجادلات لسيرة ذاتية» عن دار العين للنشر.
واتسعت حركة الترجمة للأدب الروسي بمعرفة وفهم راقيين، على يد نخبة من النقاد والباحثين درسوا في روسيا وقضوا سنوات هناك في رحاب جامعاتها، ويعمل أغلبهم أساتذة للأدب الروسي بالجامعات المصرية، من بينهم دكتور إيمان يحيى، ودكتور نبيل رشوان، ودكتور محمد نصر الدين الجبالي.
وعلى مستوى الفن، أضاف «بينالي شرم الشيخ الدولي للفنون» ملمحاً جمالياً مهماً لصعود تيار الثقافة البديلة، فعلى مدار أسبوع أقام البينالي فعاليات دورته الثالثة، بمشاركة 52 فناناً من العالم، مقدماً درساً مهماً في العمل الجماعي، بالتعاون مع قوميسوره العام، الفنان جمال مليكة، ومحافظة جنوب سيناء، وبعض رجال الأعمال الإيطاليين.
على الجانب الآخر الرسمي، غاب منذ سنوات من أجندة البيناليهات الدولية؛ بينالي القاهرة وبينالي الإسكندرية. والأخير يعد ثالث أقدم بينالي في العالم. يصب في هذا المسعى بقوة «ملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب»، الذي عقد دورته الخامسة، أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمشاركة 42 فناناً من 18 دولة، ويقام هذا الملتقى برعاية «مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للفنون».
ويبقى معرض «حلاوة زمان» للفنانة الشابة سماء يحيى، بمعرض متحف محمود مختار، من أبرز وأهم المعارض وأكثرها فنية ومغامرة، التي شهدتها ساحة الفن التشكيلي هذا العام. اعتمد المعرض على رؤية تركيبية، تمزج الرسم بالنحت بالخزف، بحثاً عن جماليات المهمل، المتناثر في كراكيب ومفردات الحياة، والتفتيش في مسامها الصلدة الصدئة عن علاقات جمالية جديدة ومباغتة تكسر الشائع والمألوف في إطار اللوحة التقليدية، ففي كل قطعة بالمعرض ثمة حالة من التنفس بحرية، مفتوحة بحيوية على أصوات الماضي والحاضر والمستقبل معاً.
ولم يشأ هذه العام أن يغادر دون ترك «لطشة» حزن، خلّفها رحيل بعض الكتّاب والمبدعين، من أبرزهم الفنان المخضرم محمد صبري، رائد فن الباستيل في مصر، الذي رحل عن عمر ناهز 100 عام، وله مقتنيات من أعماله في المتاحف المصرية وعدد من الدول الأوروبية... كما غيّب الموت أيضا الدكتور سيد البحراوي أستاذ النقد والأدب العربي بجامعة القاهرة، عن عمر ناهز 65 عاماً بعد صراع مع مرض السرطان... مثّل البحراوي صوتاً مهماً في الثقافة الوطنية، وعمل أستاذاً بجامعة ليون الثانية بفرنسا، وتولى الإشراف على عشرات الرسائل العلمية في مصر والجزائر وفرنسا، وشارك في كثير من المؤتمرات الدولية والعربية، وكتبت عنه مجموعة من الباحثين كتاباً صدر عن دار العين سنة 2010 بعنوان «النقد والإبداع والواقع... نموذج سيد البحراوي» بتقديم للدكتور محمد مشبال أحد تلامذته. وللراحل عدد من الأعمال الأدبية في القصة القصيرة والرواية.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».