يفتح القرار الأميركي الانسحاب من شمال شرقي سوريا الطريق أمام تركيا لتنفيذ تهديداتها بشن هجوم جديد ضد الأكراد، الذين قد لا يجدون أمامهم، وفق محللين، إلا التعاون مع دمشق للحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتهم، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأربعاء بشكل مفاجئ بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا، معتبراً أنّه حقق هدفه بإلحاق «الهزيمة بتنظيم داعش»، في إعلان تدحض صحته قوى غربية ومحللون والقيادات الكردية وحتى الدوائر المقربة من ترمب.
وجاء الإعلان الأميركي بعد أيام من تصعيد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وتيرة تهديداته لأكراد سوريا، مؤكداً عزمه «على التخلص» منهم، بعدما خاضت قواته معارك دموية ضدهم آخرها في منطقة عفرين في شمال البلاد.
ويقول الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو إن الإعلان الأميركي «يبدو في هذا التوقيت بمثابة ضوء أخضر لهجوم تركي»، مرجحاً أن «تبدأ تركيا هجومها في أي وقت إذا انسحبت القوات الأميركية بالفعل». ويوضح أن «من شأن ذلك أن يفتح الطريق أمام تركيا لتبدأ عملياتها ضد الأكراد وستنطلق حرب دموية... في منطقة واسعة ذات كثافة سكانية» تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تحالف فصائل كردية وعربية مدعومة أميركياً.
وقادت هذه القوات معارك عنيفة ضد المتطرفين وتمكنت من طردهم من مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد، حيث تخوض معارك منذ سبتمبر (أيلول) ضد آخر جيب للتنظيم على الضفاف الشرقية لنهر الفرات في دير الزور.
وشكل المقاتلون الأكراد الذين يعدون العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، هدفاً سابقاً لأنقرة التي تصنفهم «إرهابيين» وتعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.
وبعد تعرض مواقع كردية في شمال سوريا مراراً لقصف تركي، كرّر إردوغان تهديداته في الأسبوع الأخير ملوحاً بهجوم يمكن أن يبدأ «في أي وقت»، مجدداً مطالبته بانسحاب المقاتلين الأكراد من مناطق عدة أبرزها الضفاف الشرقية للفرات.
وتعد علاقة واشنطن بالمقاتلين الأكراد من أسباب التوتر الرئيسية بين البلدين. وارتفعت حدة التوتر مؤخراً بعدما أقامت الولايات المتحدة مراكز مراقبة في شمال سوريا قرب الحدود مع تركيا لمنع الاحتكاك بين القوات التركية والكردية.
وتزامن إعلان واشنطن عن بدء سحب القوات، ويقدر عددها بنحو ألفي جندي، من دون تحديد جدول زمني لإنهاء العملية، مع إعلان واشنطن موافقتها على بيع تركيا صواريخ باتريوت بقيمة 3.5 مليارات دولار، بعدما لوّحت أنقرة بصفقة شراء من روسيا.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في الشأن السوري جوشوا لانديس: «يبدو أنّ التصعيد التركي قد بدأ يؤتي بثماره».
ويعتبر أنه يبدو «واضحاً» أن القرار بالانسحاب «ضربة لطموحات وآمال الأكراد في شمال سوريا، وإن كانوا يستعدون لمثل هذا اليوم، إذ باشروا مفاوضات مع دمشق وأدركوا أن الموقف الأميركي تمليه حسابات».
وطالما شكل الحكم الذاتي طموح أكراد سوريا الذين عانوا من التهميش طيلة عقود، قبل تصاعد نفوذهم إثر اندلاع النزاع مع انسحاب قوات النظام تدريجياً من مناطقهم، ليعلنوا لاحقاً الإدارة الذاتية ثم النظام الفيدرالي قبل نحو عامين في منطقة «روج أفا» (غرب كردستان).
وباشرت قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على نحو ثلاثين في المائة من مساحة سوريا وتعدّ ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد الجيش السوري، محادثات رسمية مع دمشق قبل أشهر، حددت هدفها بوضع خارطة طريق تقود إلى حكم «لا مركزي» في البلاد.
وتأخذ دمشق على الأكراد تحالفهم مع واشنطن. وسبق للرئيس السوري بشار الأسد أن وضعهم أمام خيارين، المفاوضات أو الحسم العسكري.
وتحت وطأة القرار الأميركي والتهديد التركي، يبدو أكراد سوريا متروكين اليوم لمواجهة مصيرهم. ومن شأن أي مواجهة عسكرية أن تكبّدهم ثمناً باهظاً.
ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس إنه إذا «اعتمد ترمب طريق الانسحاب من سوريا، بسرعة ومن دون التخطيط للعواقب، فإن البديل الحيوي الوحيد لقوات سوريا الديمقراطية عن قتال تنظيم داعش سيكون الحكومة السورية وحلفاءها وخصوصاً إيران وحزب الله».
وطالما ربطت واشنطن وجودها في سوريا، إضافة إلى قتال المتطرفين، بإنهاء وجود إيران والمجموعات المرتبطة بها. لكنّ إعلان ترمب الأخير يأتي ليناقض تحذيرات سابقة لعدد من كبار المسؤولين الأميركيين، من أن أي انسحاب متسرّع سيطلق يد روسيا وإيران، حليفتي الأسد، في سوريا.
وبحسب لانديس، فإن «منطق البقاء في سوريا ضعيف للغاية، فالولايات المتحدة محاطة بخصوم مصممين على إجبارها على الخروج من سوريا وليس لديها أي حكومة حليفة في الجوار». لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون مواصلة دعم الأكراد.
ويوضح «لا يجدر أن تنسحب على دفعة واحدة وعليها أن تفاوض على صفقة مواتية للأكراد: مزيد من الأموال وبعض من الحكم الذاتي والسيطرة على النفط المحلي والحماية من القوات التركية، لكن ذلك يجب أن يتم مع ضمانات روسية وسورية».
ويخشى محللون من أن يسهم تنفيذ القرار الأميركي في إعادة ترتيب تنظيم داعش لصفوفه، بعد دحره من مناطق واسعة، وهو ما حذرت منه قوات سوريا الديمقراطية الخميس.
ويرى مدير البرامج في مجموعة الأزمات الدولية في الشرق الأوسط يوست هيلترمان أن «القرار، إذا تم تنفيذه بسرعة، سيترك قوات سوريا الديمقراطية... في مهب الريح».
ويضيف: «على إدارة ترمب أن تستغل انسحابها المزمع للتفاوض على اتفاق من شأنه أن يعيد سيادة سوريا على حدودها ويضمن في الوقت ذاته درجة من الاستقلالية للأكراد ويحول أيضاً دون عودة تنظيم داعش».
الانسحاب الأميركي قد يدفع الأكراد إلى حضن دمشق
الانسحاب الأميركي قد يدفع الأكراد إلى حضن دمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة