يوميات نازحي دير الزور في قبو تحول إلى سكن ومدرسة وبقالة

تبرع به أحد سكان مدينة الباب وجرى تقسيمه إلى 42 غرفة

سيدرا الحسين تدرس وترعى والدها في المساحة الصغيرة المتوفرة في القبو (أ.ف.ب)
سيدرا الحسين تدرس وترعى والدها في المساحة الصغيرة المتوفرة في القبو (أ.ف.ب)
TT

يوميات نازحي دير الزور في قبو تحول إلى سكن ومدرسة وبقالة

سيدرا الحسين تدرس وترعى والدها في المساحة الصغيرة المتوفرة في القبو (أ.ف.ب)
سيدرا الحسين تدرس وترعى والدها في المساحة الصغيرة المتوفرة في القبو (أ.ف.ب)

تنتهي سيدرا من غسل الأواني في وعاء كبير، ثم تجلس على الأرض لكتابة أرقام تعلمتها حديثاً في غرفة صغيرة تعيش فيها مع والدها الكفيف في قبو بمدينة الباب في شمال سوريا. إلى جانب سيدرا (11 عاماً) ووالدها، تعيش نحو 40 عائلة في غرف أبوابها من قماش وسقفها من نايلون في قبو تحول منزلاً لنازحين فروا من القصف والمعارك وغير قادرين على تحمل تكاليف الإيجار.
تلخص سيدرا، التي تغطي شعرها بحجاب أسود اللون، الحياة في القبو بالقول «هل هذه بحياة؟ غرفة واحدة هي المطبخ والحمام وغرفة النوم»، وتبدي حسرة على منزلها السابق، حيث كان المطبخ وحده بحجم الغرفة التي تعيش فيها حالياً.
فقدت سيدرا والدتها وشقيقها في قصف على مدينة الرقة التي كانت عائلتها نزحت إليها من مدينة دير الزور قبل سنوات. فرت الطفلة ووالدها من الرقة قبل أكثر من عام هرباً من المعارك والقصف، قبل أن تطرد «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم داعش منها.
وفي القبو، تقضي سيدرا يومها في الاهتمام بوالدها محمد علي حسن، كما انضمت قبل أيام قليلة إلى أطفال آخرين للدراسة لدى إحدى النساء في القبو. وتقول الفتاة السمراء، التي تفتخر بمهارتها في الطبخ، «أضع الفرش، أرتب الغرفة، أساعد والدي على التحرك، أضع له الشاي والفطور، وبعد الدرس أُحضر الغذاء، نأكل ثم أذهب وألعب وأنظر إلى الشمس. أعود وأنام».
لا تستطيع سيدرا أن تلتحق بمدرسة خارج القبو فهي بحاجة لأن تبقى إلى جانب والدها، وتقول: «بدأت قبل أيام، وأتعلم الحروف (...) كل فترة أخرج (من الدرس) وأطمئن على والدي وأعود لأكمل».
لسيدرا أحلام بسيطة؛ العودة إلى البيت، اللعب، مشاهدة التلفزيون، وعدم انقطاع المياه والكهرباء. تساعد سيدرا والدها على خلع معطفه، تجلس إلى جانب الرجل، الذي طغى الشيب على ذقنه وشعره، تحت حبال الغسيل في الغرفة.
ويقول الوالد (53 عاماً) «الحياة في القبو صعبة جداً، لا نستطيع أن نغسل، نحتاج عشرة أيام لنتمكن من غسل» الثياب.
وتعتمد سيدرا ووالدها على المساعدات التي تقدمها الجمعيات الإنسانية، كما يشتريان حاجياتهما بالدين من أحدهم في القبو.
يحلم حسن بالعودة إلى مدينته، ويقول في التقرير الذي أعدته وكالة الصحافة الفرنسية، «إذا تحسنت الأوضاع سأعود إلى دير الزور، تعذبت كثيراً هنا».
في عام 2017، تحول القبو الفارغ في مدينة الباب إلى ملجأ للنازحين السوريين. ويروي أبو عبد الرحمن (59 عاماً)، نازح من دير الزور وأحد أصحاب مبادرة تحويل القبو إلى «مضافة لأهالي دير الزور»: «حين وصلنا إلى مدينة الباب، كان الناس ينامون في الشوارع والحدائق والمساجد».
ولمساعدة النازحين الجدد، سعى أبو عبد الرحمن لتأمين بديل مؤقت غير مكلف لهم، ما من شأنه أن يمنحهم بعض الوقت لإيجاد سكن. تبرع أحد سكان مدينة الباب بالقبو الذي تبلغ مساحته ألف متر مربع، وجرى تقسيمه إلى 42 غرفة، توجد فيه حمامات مشتركة لا تتوفر فيها المياه الساخنة، فتفضل العائلات الاستحمام في غرفها.
مرّ على القبو نحو 500 شخص خلال عام، أما اليوم فلا تزال هناك 40 عائلة لم تجد مأوى لها، ففضلت البقاء رغم صعوبات المعيشة فيه. ويقول عبد الرحمن إن العائلات المتبقية «لم تجد مكاناً آخر تلجأ إليه، فأصغر بيت حالياً يبلغ إيجاره نحو مائة دولار، وكل من بقي هنا عاجز عن تأمين هذا المبلغ شهرياً (...) الجميع هنا وضعهم مأسوي».
يعيش أبو عمر مع زوجته وابنته منذ عشرة أشهر في هذا القبو، ويعاني من بتر في يده اليسرى وإصابة بالغة في رجله اليسرى إثر تعرض منزله في مدينة دير الزور لغارة جوية.
ويقول أبو عمر (30 عاماً)، الوالد لطفلة: «اخترت هذا المكان (القبو) بسبب ظروفي الاجتماعية، لست قادراً على استئجار منزل. الإيجارات هنا مرتفعة، أما هنا فلا أدفع الإيجار، والمياه والكهرباء بالمجان».
لم يجلس أبو عمر في القبو مكتوف اليدين، بل قرر قبل ثمانية أشهر البدء بتعليم أصول الكتابة والقراءة، كما القرآن، لأطفال القبو. بدأ الأمر بـ21 طالباً، لكن العدد تراجع إلى 13 بسبب اضطرار بعضهم إلى الخروج والعمل للمساعدة في إعالة عائلاتهم. ويقول الشاب، الذي تبرع بالمهمة مجاناً ويعيش بدوره على المساعدات، «الظروف الاجتماعية المحيطة بالطلاب هنا تجبر أهلهم على وقفهم عن الدراسة».
في القبو، يلعب الأطفال بين الغرف التي عُلِّقت بينها حبال الغسيل. أما أم محمد (23 عاماً) فتضع طفلتها في حضنها وموقد الغاز أمامها قبل أن تبدأ بتحضير الطعام.
توفي زوج أم غسق متأثراً بجروح كان أصيب بها جراء قذيفة استهدفت البوكمال قبل أن تنزح العائلة إلى مدينة الباب، حيث «الأمان والاستقرار». وتقول الشابة المنتقبة: «لم يكن لدينا أموال لعلاجه»، وتختصر حالها اليوم «نأكل إذا ساعدنا أحد، ولا نأكل إذا لم يساعدنا أحد». وتضيف: «أعيش على المساعدات، كسائر سكان هذا القبو».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.