ألقى الملك سلمان بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى الاثنين 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خطاباً تضمن حرص المملكة على مواصلتها «جهودها لمعالجة أزمات المنطقة وقضاياها»، واستنكاراً «لدأب النظام الإيراني على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعاية الإرهاب وإثارة الفوضى والخراب في الكثير من دول المنطقة وضرورة أن على المجتمع الدولي العمل على وضع حد لبرنامجه النووي ووقف نشاطاته التي تهدد الأمن والاستقرار».
ويتسق هذا الرأي مع التوجه الدولي نحو ضرورة التصدّي لجمهورية إيران، التي استمرّت في دعمها للإرهاب، وإثارة الاضطراب في منطقة الشرق الأوسط، منذ أن تشكل قالبها الخميني في عام 1979. وقد كثّفت في الآونة الأخيرة بالأخص مع زيادة الأزمات السياسية في المنطقة من أسلوبها في حرب الوكالات من خلال دعم جماعات وميليشيات متطرفة سواء عبر توفير التدريب والأسلحة أو من خلال الدعم الآيديولوجي، ما يعد أذرعاً لها مثل ما حدث في عدة دول أبرزها سوريا واليمن.
وأكد الممثل الأميركي الخاص لإيران براين هوك أن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب الدولي، وقال إن السلطات الأميركية تراقب السفن الإيرانية عن كثب وستطبق عقوباتها بالكامل، كما أكد الممثل الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، أثناء مشاركته في مؤتمر «قمة الدفاع» السادس على أهمية مغادرة القوات الإيرانية من سوريا، واصفاً إيران بأنها أحد أهم مسببات صعود تنظيم داعش في سوريا عام 2013. وموضحاً أن العمل العسكري المباشر ليس كافياً لمواجهة إيران التي من الممكن أن تنشئ كيانا إرهابيا جديداً «إذا لم نتوصل إلى جذور المشكلة»، لا سيما في المناطق التي تعاني من تأجج الصراعات فيها. وقد أكّد من جهته على أهمية إقامة شراكة في المنطقة لدحر إيران «ولا شريك أفضل لدينا من السعودية».
وسعت إيران بشكلٍ عام على دعم من تتسق معهم آيديولوجياتهم علناً على اعتبارهم حلفاء لها من خلال مطالبة المجتمع الدولي بإبقاء الرئيس بشار الأسد أو من خلال تصدير آيديولوجياتها من خلال دعم وسائط أخرى تتكفل بذلك، مثل حزب الله الذي لم يتوانَ عن إبداء ضرورة بقاء بشار الأسد في سوريا، والتورط في الصراعات داخل سوريا من أجل الدفاع عنه.
من جهة أخرى أوضح «حزب الله»، دعمه للحوثيين في اليمن وتحريضه على قتال القوات الحكومية اليمنية، وهو الأمر الذي يتسق مع توجهات إيران في المنطقة وفي كل من البلدين. وقد كشفت وزارة الخارجية الأميركية في تقرير لها أن إيران أنفقت ما يزيد عن 18 مليار دولار من أجل دعم الإرهاب، في كل من العراق وسوريا واليمن، وأن تمويل الميليشيات المتطرفة يتم عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
قولبت إيران علاقاتها الدولية والإقليمية بناء على آيديولوجية تصدير الثورة الإيرانية ونشر التطرف مما ينعكس بشكلٍ جليّ على نسق تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال القمة الثلاثية بينه وبين نظرائه الرئيس الروسي والتركي في سبتمبر 2018 بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تدعمان الجماعات الإرهابية في سوريا، وضرورة محاربة الإرهابيين في إدلب دون المساس بالمدنيين.
وتجعلها توظّف حرب الوكالات وتدعم الميليشيات والمنظمات المتطرفة ضد كل من لديه علاقات مع الدول الغربية، ليس فقط لوجيستياً وإنما آيديولوجياً واستراتيجياً، وقد تجلى التوظيف اللوجيستي من خلال التكثيف في حركة الملاحة الجوية ما بين إيران واليمن، وصنعاء وبيروت والمساعدات المادية الشهرية المقدمة للحوثيين من إيران متمثلة بالوقود. وقد قدمت لجنة خبراء تقريراً سرياً لمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة يغطي الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى يوليو (تموز) 2018، إذ يوضح فيه استمرارية تزويد إيران الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات بلا طيار مما لديها خصائص مماثلة لتلك المصنعة في إيران، في فترة ما بعد حظر الأسلحة في عام 2015، وذلك بعد أن قام فريق خبراء بفحص حطام صواريخ وعثر على كتابات تشير إلى أصلها الإيراني.
كما ظهرت تسجيلات مرئية تثبت تدريب «حزب الله» لميليشيا الحوثي على أساليب وطرق تهريب المقاتلين في اليمن، فيما اشترط الحوثيون في عدّة مفاوضات إخراج جرحى منتمين للنظام الإيراني ولتنظيم حزب الله. ورغم أن حركة الحوثيين بدأت في عام 1991 على يد حسين بدر الدين الحوثي بمنحى مختلف عن التوجه الإيراني بالأخص مع انتمائه للمذهب الزيدي، إلا أن الكثير من السمات تبدو متشابهة مع إيران والميليشيات التابعة لها مثل حزب الله. فالكثير من شعارات الحوثي تتقاطع مع الشعارات المستخدمة مراراً من قبل إيران وتنظيم حزب الله على شاكلة شعار الحوثي: «الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». وقد تكرر النطق بها في المدارس وكذلك خلال صلاة الجمعة في المساجد في منطقة صعدة، ويتجلى وجود تقارب بشكل كبير مع شعارات حزب الله مثل الهتافات المتكررة لمناصريهم «حرباً حرباً حتى النصر... زحفاً زحفاً نحو القدس» و«الموت لإسرائيل... الموت لأميركا»» وإن كانت أشبه بمحاولات لاستلهام الدعم الشعبوي وجزءاً من حملاتها الدعائية التي تأتي على نسق المانشيتات الإيرانية، وإن خفتت هذه العبارات الموجهة نحو الولايات المتحدة فترة التقارب الإيراني الأميركي في نهاية عهد أوباما وقت المفاوضات النووية.
وعلى نسق تصريح السفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان حين أكّد أن بلاده لن تسمح للحوثي أن يصبح «حزب الله» آخر، محذراً من أن ذلك يعد من مساعي إيران، إضافة إلى تصريح الأمير خالد بن سلمان بأن عملية سابقة لقوات التحالف كشفت عن دور «حزب الله» في تقديم التدريب المباشر للحوثيين. وذلك أشبه بتدرب قادة حزب الله على يد الحرس الثوري الإيراني في مطلع الثمانينات، وقد شرع أعضاء ينتمون لحزب الله بتدريب الحوثيين عسكرياً. وقد ظهر الارتباط ما بين حزب الله والحوثيين، حين التقى حسن نصر الله بوفد يرأسه الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام فيما وصفه «بمباحثات لآخر تطورات الحرب في اليمن»، مما يؤكد توظيف التنظيمات المختلفة من أجل تحقيق استراتيجيات إيران، ليس فقط في الاستراتيجيات العسكرية وإنما كذلك تدريب الحوثيين على الأساليب الإعلامية المتبعة من قبل حزب الله، لتظهر ملامح أشبه بالتوجه الإيراني والاستناد إلى الحملات الدعائية المعتمة للحقيقة والخاضعة للمركزية في نقل المعلومات والتحكم في وسائل المعلومات ونقلها التي لا تتم إلا عبر الحوثيين، والسعي إلى «شيطنة» قوات التحالف، والزعم بأنها تقتل المدنيين، فيما تسعى إلى إخفاء تجنيدها للأطفال وتمركزها في مناطق تعج بالمدنيين من أجل تحويلهم إلى ترسانات بشرية، وكذلك تغيير الحوثيين للمناهج التعليمية من أجل غرس البروباغندا الحوثية وجعل المناهج مفعمة بملامح طائفية، حيث تمت طباعة أكثر من 11 ألف كتيب يحوي فكر حسين بدر الدين الحوثي ومانشيتات الجماعة ليتم توزيعها على المدارس التي تقع تحت براثن الحوثيين، الأمر الذي يؤجج بلا شك من الفتن الطائفية ويسعى لبناء جيل جديد نشأ عليها. مثل هذا الاستغلال للصراعات والحروب الأهلية لم يتوقف هنا، فالتوجه البراغماتي المسبغ على إيران أثبته دعمها لتنظيمات إرهابية تمثل النقيض من توجهاتها الدينية، على نسق تنظيم «القاعدة» حين آوت عدداً من القيادات البارزة للتنظيم، مثل سليمان أبو غيث المتحدث باسم القاعدة ليلة هجمات 11 سبتمبر صهر بن لادن، وسيف العدل المسؤول العسكري للقاعدة، وحمزة بن لادن نجل مؤسس التنظيم الإرهابي. وقد كشفت الوثائق التي عثرت عليها السلطات الأميركية في أبوت آباد معقل بن لادن في باكستان قبل مقتله عام 2011 عن متانة العلاقة ما بين إيران والقاعدة، وقد أظهرت إحدى الوثائق رسالة من إيران تؤكد استعدادها لتوفير كل ما تحتاجه «القاعدة»، ويتضمن ذلك عرض بالتدريب العسكري في مخيمات «حزب الله» وتوفير الأموال والأسلحة مقابل التهجم على مصالح الولايات المتحدة في السعودية بشكل خاص ومنطقة الخليج بشكلٍ عام.
فيما أظهرت رسالة سابقة لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» الحالي للقيادي أبي مصعب الزرقاوي ضرورة تحييد الشيعة عن الصراع في العراق وعدم التهجم عليهم من أجل كسب إيران. ورغم أن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة يصعب استيعابها ولا يزال يشكك بها لا سيما مع وجود اختلاف آيديولوجي شاسع بين التنظيم المتطرف السني والآخر الداعم للميليشيات الشيعية، إلا أن مثل تلك الأدلة تشي باهتمام إيران بزيادة إضرام التوتر والصراعات في المنطقة، وهو ما يفسره تقرير لخبراء في الأمم المتحدة يوضح أن زعماء تنظيم القاعدة في إيران أصبحوا أكثر نفوذاً وهم يعملون مع الظواهري من أجل التأثير على الأحداث في سوريا. إضافة إلى الإشارة إلى استمرار إيواء أعضاء تنظيم القاعدة في إيران وتأمين الإقامة لهم وتسهيل مرورهم عبر إيران الأمر الذي أدّى إلى تمكينهم وتقوية قدراتهم.
خصائص جامعة ما بين إيران والميليشيات الإرهابية
طهران تدعم جماعات متطرفة سواء عبر توفير التدريب والأسلحة أو بالآيديولوجيا
خصائص جامعة ما بين إيران والميليشيات الإرهابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة