مر يومي الجديد كما الفلسطينيين في غزة تماما، شعرت في بعض أوقاته بأنني أفضل من الأيام السابقة مع الإعلان عن «هدنة إنسانية» توقفت بفعلها الغارات الإسرائيلية ضد المواطنين، الذين تلاحقهم صواريخ الاحتلال في كل متر من غزة، الحزينة على قتلاها وجرحاها وأحيائها التي تعيش الأسى وهي تبحث عن نور يبزغ من بين كل هذا الظلام.
لكن هذا الشعور لم يدم طويلا حين تذكرت مجزرة عائلة النجار التي دمر بيتها المكون من أربعة طوابق على ساكنيه عندما كانوا يجتمعون على مائدة الطعام يتناولون وجبة السحور، التي كانت عبارة عن مزيج من البندورة والزيتون والزعتر والزيت، قبل أن تتحول هذه المائدة إلى أشلاء لحوم بشرية بفعل القنابل الضخمة التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية.
وزاد شعوري سوءا حين خرجت من منزلي إلى حي الشجاعية لمتابعة لحظة دخول المواطنين إلى الحي المدمر مستغلين الهدنة المعلنة، حتى اهتز قلبي لما رأيته من جثث وأشلاء ومنازل مدمرة، ونساء تنهمر الدموع منهن بكاء على حالهن وحال أبنائهن.
بكيت كما كثيرين من الناس الذين شاهدوا الموقف حين احتضنت إحدى النسوة ابنها ذا الأعوام التسعة الذي عثر على جثمانه تحت ركام منزلها بعد ثمانية أيام ولم ينتشل إلا هذا اليوم، ونال من قلبي التعب على سيدة هرعت تتفقد منزلها الذي أصبح أثرا بعد عين لعلها تكتفي ببعض الذكريات الجميلة منه بعد أن فقدت أربعة من أبنائها وأعمامهم في غارة إسرائيلية على المنزل.
لم يسعفني ذلك لإجراء لقاء مع أي منهن، رفضن الحديث لأي أحد واكتفين بالدموع وقلبهن يتحسر مرارة على لحظات عشن فيهن مع أبنائهن في منازل عزيزة على قلوبهم عاشوا فيهن أجمل لحظات حياتهن.
كان يوما مريرا رغم توقف الغارات التي قتلت أطفالنا ونساءنا وعائلاتنا بأكملها، ولكنه كان أشدة مرارة علي وعلى الفلسطينيين الذين ذرفوا الدموع بعدما عادوا إلى أحيائهم المدمرة ولم يجدوا منها شيئا حيا، حتى البشر الذين لم تبق منهم الطائرات الإسرائيلية سوى بعض الأشلاء.
وفي المقابل، بدا المشهد متناقضا في أحياء أخرى بدت فيها الحياة مفعمة في قلوب سكانها الذين استغلوا الهدنة للتسوق والتزود باحتياجات منازلهم، حتى إن بعضهم أراد أن يكسر الحزن والخوف في قلوب أطفاله فاشتروا لهم بعض الألعاب الصغيرة المتوافرة في بعض الأسواق لتعويضهم عن طفولة غيبتها الغارات الإسرائيلية.
دبت الحياة في غزة «المتناقضة» لساعات معدودات أمس بعد أن طاردها الموت 19 يوما. ورغم هذه التناقضات التي تلف القطاع فإن ما يجمع السكان حقا هو الهم والحزن والقلق من مصير مجهول، مرهون بيد من يلقي بحمم صواريخه هنا وهناك ولا يستثني أحدا حتى الموتى في قبورهم.
يوميات مراسل من غزة: هدنة غزة.. تعيد الحياة إلى بعض أحيائها والدموع في أخرى
يوميات مراسل من غزة: هدنة غزة.. تعيد الحياة إلى بعض أحيائها والدموع في أخرى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة