«قنديل» تدرب لاجئين سوريين في كردستان العراق على العمل

TT

«قنديل» تدرب لاجئين سوريين في كردستان العراق على العمل

عندما فرت سيلفا من منزلها صيف 2013 بعد اقتراب المعارك من مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، كانت تجهل أنّه سينتهي بها المطاف لتصبح لاجئة، وتعيش مع زوجها وطفليها تحت رحمة خيمة لا يتجاوز مساحتها 30 متراً، في مخيم دار شكران، ويبعد نحو 47 كيلومتراً غرب مدينة أربيل.
سيلفا البالغة من العمر ثلاثين عاماً كانت تحلم بحياة عادية، وشراء منزل صغير والبقاء في مسقط رأسها لتعيش بالقرب من أهلها وصديقاتها، إلا أن الحرب السورية أجبرتها وربع مليون سوري على اللجوء إلى إقليم كردستان العراق المجاور. لكن إعلاناً على صفحة منظمة دولية بموقع التواصل الاجتماعي غيَّر مسار حياتها، إذْ أعلنت بداية العام الحالي تنظيم ورشة للتدريب المهني وتعلم فن الخياطة والتطريز، لتسارع سيلفا بالتسجيل، وبعد أيّام تلقت رسالة من المنظمة أنها قُبلت وعليها زيارة مكتب المنظمة لإكمال الإجراءات المطلوبة.
«كانت أول مرة في حياتي أجلس على ماكينة خياطة وأتدرب على كيفية استخدامها»، تقول سيلفا، حيث تعلمت المهارات الأولية في الخياطة، ثم أجرت المدربة اختباراً للمشاركات لتحصل على المرتبة الأولى، لتلتحق بدورة ثانية استمرت شهراً ونصف الشهر، وتضيف: «حصلت على شهادة دولية بالخياطة معترف بها، وتعلمت كل شيء يتعلق بالمهنة»، وطلبت مساعدة من أهلها وقامت بشراء ماكينة خياطة، وافتتحت محلاً صغيراً داخل المخيم، يدرّ عليها مبلغاً مقبولاً من المال، أما زوجها فيساعدها في شراء القماش والخيوط من مدينة أربيل.
يتردد يومياً الكثير من اللاجئات على متجر سيلفا، الذي بات معرضاً للألبسة النسائية، منهنّ من تريد خياطة فستان جديد أو بلوزة أو تنورة، إما أخريات يطلبن إصلاح بعض الملابس القديمة بغية ارتدائها من جديد، وأثناء الحديث معها ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، وقالت: «معظم الزبائن يجلبون القماش الجديد، وأقوم بخياطة موديلات شعبية كتلك الثياب التي كنا نرتديها في سوريا».
وتقول سيلفا إنها عادت إلى الحياة من جديد وتمكنت من شغل وقتها بعمل مفيد، فيما زوجها محمد سعيد (35 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي، عبر عن مشاعره بالقول: «فرص العمل شبه معدومة هنا، أساعد زوجتي في عملها ونكسب مبلغاً جيداً يكفينا لتغطية نفقات الحياة هنا».
ويشرح شمال مولود مدير مشروع منظمة «قنديل» السويدية في مخيم دار شكران، أن المنظمة تعمل في العراق منذ العام 1991، متخصصة في مجال التدريب المهني، افتتحت مكتباً داخل المخيم بداية ديسمبر (كانون الأول) العام الحالي، ولدى حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال: «نقدم دورات في الحدادة، والتصوير الفوتوغرافي، وصيانة الهواتف الجوالة والكومبيوترات، والكهرباء والحلاقة والخياطة».
وتمتد الدورة 15 يوماً، تتوزع على 3 أسابيع، كل أسبوع 5 أيّام بمعدل 4 ساعات يومياً تعطى بالمجان، ويتابع مولود حديثه ليقول: «معظم اللاجئين السوريين يعانون من مشكلة الشهادة المهنية عندما يبحثون عن عمل في كردستان، منظمة (قنديل) تقدم شهادة معترف بها دولياً بالتعاون مع منظمة (GIZ) الألمانية»، لافتاً إلى أن 1200 لاجئ ولاجئة خضعوا للتدريب: «معظم هؤلاء حصلوا على فرص عمل، إما داخل المخيم أو خارجه».
وتعمل مريم عبد الكريم المنحدرة من بغداد مدربة لقسم الخياطة والتطريز، وذكرت أن اللاجئة السورية تتعلم في الدورة القياسات الأساسية للألبسة الولادية والنسائية، وفن التفصيل وكيفية استخدام ماكينة الخياطة، وعن الأعمار المشاركة في التدريب تقول: «العمر غير محدد، لكن معظم اللاجئات اللواتي شاركن كانت تتراوح أعمارهم بين 30 و50 سنة»، ونوهت بأن اللاجئة سيلفا عندما شاركت في التدريب بدأت من مستوى الصفر، وأضافت: «إنها قصة نجاح كونها تعلمت سريعاً، وافتتحت محلاً للخياطة». أما شفاعة (45 سنة) المتحدرة من مدينة ديريك وتقع أقصى شمال شرقي سوريا، كانت مقيمة في العاصمة السورية دمشق، وبعد اشتداد المعارك فرت إلى مسقط رأسها، لكن تدني مستوى المعيشة وغياب الخدمات أجبرها على اللجوء إلى كردستان العراق، لتصل إلى مخيم دار شكران في شهر سبتمبر (أيلول) 2013. وعلى الرغم من تقدم عمرها، قررت المشاركة في الدورة فتقول شفاعة: «سابقاً كنت أعمل في ورشة خياطة بدمشق، ولديَّ بعض الخبرة، لكنني اليوم أتعلم كل شيء بهدف إيجاد فرصة عمل مناسبة».
وفي قسم صيانة الجوال والكومبيوتر، وقف المدرب عبد الجليل المتحدر من دمشق، وسط مجموعة من الفتيات، كان يشرح لهنّ أساسيات الدورة ومدتها، وذكر أن الحضور «لديهنّ رغبة كبيرة بتعلم مهارة فنية أو حرفية، عوضاً عن الدراسة التي خسرتها جراء الحرب الدائرة في سوريا».
وكانت علا البالغة من العمر 15 ربيعاً من بين المشاركات، تستمع بانتباه إلى شرح المدرب، فالحرب حرمتها من إكمال تعليمها، لكنها قررت تعلم مهنة جديدة، وقالت: «أحياناً يصير عطل بسيط بالجوال أعجز عن إصلاحه لأخذه إلى مصلح، اليوم لديَّ رغبة في تعلم صيانة الجوالات والكومبيوترات لأحصل على عمل في المستقبل».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.