أكراد شمال سوريا يخشون هجوماً تركياً جديداً

TT

أكراد شمال سوريا يخشون هجوماً تركياً جديداً

قبل أيام عدة، سقطت قذيفة على منزل شيمو عثمان القريب من الحدود التركية في شمال سوريا، ومنذ ذلك الحين يمنع أطفاله من الخروج وحتى الذهاب إلى المدرسة خشية على حياتهم على ضوء تهديدات أنقرة بشن هجوم جديد ضد الأكراد، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من شمال سوريا.
ومنذ عشرة أيام، تستهدف القوات التركية بالقذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة مناطق يسيطر عليها المقاتلون الأكراد قرب الحدود، وتزامن ذلك مع تلويح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشن عملية عسكرية «قريباً» ضدهم.
في قرية أشمة حيث تنتشر حقول الزيتون في منطقة عين العرب (كوباني) في شمال حلب، طالت إحدى تلك القذائف منزل عثمان (38 عاماً)، ما تسبب بأضرار في واجهة البيت، إلا أن الرجل الأسمر لا يعتزم إصلاحه خشية من استهدافه مجدداً.
ويقول عثمان لوكالة الصحافة الفرنسية باللغة الكردية: «لا نستطيع أن نصعد إلى سطح المنزل، الأولاد خائفون، لا نخرج من نطاق المنزل ولا نرسلهم حتى إلى المدرسة».
من منزل عثمان، من الممكن رؤية العلم التركي يرفرف على الجهة الثانية من الحدود حيث تنتشر السواتر الترابية. وفي مكان آخر في القرية، استهدفت القوات التركية أيضاً موقعاً لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنفها أنقرة منظمة «إرهابية».
وفي أشمة، يقع ضريح سليمان شاه، الجد الأكبر لمؤسس الدولة العثمانية عثمان الأول، الذي نقله الأتراك في عام 2015 من موقعه السابق على ضفة نهر الفرات في سوريا، والذي كان يعد أرضاً تركية بموجب اتفاق يعود إلى عشرينات القرن الماضي. وتتمركز منذ ثلاث سنوات قوات تركية في الضريح في أشمة على بعد 200 متر من الحدود في الداخل السوري.
وطالما هددت تركيا بشن عملية عسكرية جديدة ضد الأكراد بعد سيطرة قواتها بالتعاون مع فصائل سوريا موالية على منطقة عفرين (شمال غربي حلب) ذات الغالبية الكردية العام الحالي.
وتصاعدت نبرة التهديدات مؤخراً لتطال مناطق واسعة يسيطر عليها الأكراد في شمال وشمال شرقي سوريا ويُطلق عليها تسمية منطقة «شرق الفرات». وقال إردوغان نهاية الشهر الماضي: «سنهاجم هذه المنظمة الإرهابية بعملية شاملة وفعالة قريباً. وكما قلت دائماً يمكن أن نهاجم فجأة ليلة ما».
في قرية كور علي، على بعد بضعة كيلومترات من قرية أشمة، يشير الرجل السبعيني مصطفى رشو مستعينا بعكازته إلى موقع قريب جرى استهدافه من قبل الأتراك.
ويقول: «لا نعلم ماذا ينتظرنا، إذا هاجمنا الأتراك فسوف نحمل السلاح وندافع عن قريتنا»، مضيفا: «أطلقوا علينا الرصاص وقذائف الهاون والمدفعية بكل الاتجاهات (...) أطلقوا علينا (النار) بشكل عشوائي».
وأسفر القصف التركي الذي استهدف خلال الفترة الماضية منطقتي كوباني (شمال حلب) وتل أبيض (شمال الرقة) عن مقتل خمسة مقاتلين أكراد وطفلة، بحسب حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتُشكل وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهي عبارة عن فصائل كردية وعربية تخوض منذ سنوات معارك ضد تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وجراء القصف التركي الأخير، أعلنت تلك القوات تعليق عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش في منطقة هجين، آخر جيب يسيطر عليه في محافظة دير الزور في شرق البلاد.
ومنذ سبتمبر (أيلول)، قتل 330 مقاتلاً كردياً جراء المعارك في تلك المنطقة.
وفي مدينة كوباني، التي شهدت على أولى المعارك التي انتصر فيها الأكراد على تنظيم داعش، شارك مئات المقاتلين والمقاتلات من الوحدات الكردية الثلاثاء في جنازة مقاتل لقي مصرعه في منطقة هجين، التي تزال تشهد على هجمات للتنظيم المتطرف.
وخلال الجنازة، ندد المسؤولون الأكراد بالهجمات التركية. وقال مسؤول هيئة الدفاع في منطقة كوباني عصمت شيخ حسن إن «الهجمات التركية تساعد على بقاء (داعش) (...)، والدولة التركية ضد الشعب الكردي ولنا حق الرد على أي هجوم تركي على مناطقنا».
وأضاف: «لا يفرقون بين عسكري ومدني، يقصفون القرى المأهولة بالسكان».
وتؤكد أنقرة بدورها أنها لا تستهدف المدنيين وتركز قصفها على مواقع المقاتلين الأكراد.
ينظر حمو مسيبكرادي، في الستينات من العمر إلى الأضرحة من حوله، ويقول: «قدمنا هؤلاء من أجل الإنسانية. على المجتمع الدولي مد يد العون لنا وألا يقبل الظلم». ويضيف الرجل الذي لف رأسه بكوفية حمراء وبيضاء اللون «إردوغان يريد أن يمحي روج أفا (تسمية يطلقها الأكراد على مناطق سيطرتهم في سوريا وتعني غرب كردستان)، كما حصل في عفرين وعلى أميركا ألا تقبل بهذا الظلم».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».