رغم أن تخصصها كان في مجال الزخرفة، فإنها أدركت منذ البداية أن عشقها الحقيقي هو للنحت المتحرك، الذي تندر الأعمال الفنية المنتمية إليه في المشهد التشكيلي المصري والعربي، لا سيما من خامة الحديد الخردة، هكذا كان اختيار الفنانة والأكاديمية المصرية نيفين فرغلي، التي تقيم الآن معرضاً جديداً يستمر حتى 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بغاليري «أوبونتو» بالقاهرة، راصداً تجربتها غير التقليدية في عالم النحت.
كسر الحاجز بين المتلقي والعمل الفني هو هاجسها الأول، فهي تجد سعادة غامرة وإحساساً عميقاً بالرضا الفني حين تلمح المتلقي يحرك شخوصها النحتية، استعداداً لمشاركتها اللعب والحكي والحوار.
واختارت نيفين أن يكون سبيلها لتحقيق ذلك هو إقامة جسر من الفن الجميل، على أن يكون أكثر ما يميزه البساطة والطابع الإنساني المغلف بلمسات طفولية، تحكي بعيونها وأحاسيسها الصادقة الكثير. ومن هنا جاء عنوان معرضها «ما زال هناك وقت للعب».
لذلك لا تندهش حين تجدها لا تكف عن تجسيد الأطفال والألعاب والطيور والحيوانات، بأسلوب تجريبي جديد وجريء، في منحوتاتها التي تتنوع ما بين القطع الصغيرة والضخمة. ويعد ذلك استكمالاً لمرحلة فنية مهمة في حياتها، كان من أبرز علاماتها المشاركة في يوليو (تموز) الماضي في بينالي «بكين الدولي» بعمل فني يعكس التأثير الثقافي والحضاري لـ«طريق الحرير»، توافقاً مع تيمة البينالي، حيث اختارت وقتها أن تبدع قطعة نحتية تتكون من طفل وطفلة يلعبان بمرح، بينما تعد الفراشة هي العنصر الأساسي للعمل.
وحول ذلك تقول نيفين لـ«الشرق الأوسط»، «أردت التعبير عن فكرة نقل الثقافات وتبادلها بأسلوب سلس وناعم، وفي الوقت نفسه مؤثر وسريع، انطلاقاً من أن ذلك هو سمة العصر، وحينئذ لم أجد أكثر من قدرة الفراشة على التعبير عن ذلك؛ لخفتها ورشاقتها».
وكانت المفاجأة أن يبهر العمل الذي يحمل اسم «الفراشة» زوار متحف بكين من مختلف الجنسيات والثقافات، فيقرر المتحف ضمه إلى مجموعته الدائمة، بعد أن تخلى لأول مرة عن مفهوم «ممنوع الاقتراب»، حيث بات يسمح لزواره بلمس القطعة النحتية بناءً على مطلب نيفين فرغلي، ووفقاً لهدفها بأن يدمج المتلقي داخل العمل، ويشارك في الحوار بين الطفلين اللذين يضمهما العمل، ويمثلان رمزاً للتواصل بين البشر.
وإذا كان فنانو المنحوتات المتحركة، قد قدموا أعمالاً غرضها الجمالي الأساسي هو الحركة، منذ أن قدم النحات الأميركي ألكسندر كالدر أول أعمال فنية متحركة حقيقية، فإن الحركة وما يرتبط بها من عنصر الصوت في أعمال نيفين الجديدة بالمعرض الحالي ليست هدفاً في حد ذاته، إنما هي جزء منها، لذلك هي تعتمد في تحريكها على الميكانيكية المبسطة.
وتوضح قائلة: «تقوم الحركة في أعمالي بالمعرض على الترسين والجنزير، في استخدام لميكانيكا غير معقدة تسمح للمتلقي بتحريك العمل حسبما يريد، بسرعة أو ببطء، في تعمد أن يتحول هو نفسه إلى جزء من العمل».
في السياق نفسه، يكتشف زائر المعرض أن فرغلي مغرمة أيضاً بوجود الزخرفة في منحوتاتها، وهو ما تحققه عبر مجموعة من التشكيلات والفوارغ، تصل بها إلى الملمس المطلوب والضوء المتسلل، الأمر الذي يساعد على تحقيق المزيد من الدراما والإثارة لحواديتها الطفولية.
ورغم ما قد يبدو من تناقض بين ولع نيفين بالحديد الخردة، والحكايات الطفولية، بما تحمله بين طياتها من نعومة ومرونة ومرح، فإنها تنفي هذا التناقض مؤكدة: «هذه الخامة هي الأكثر ملائمة لأعمالي على الإطلاق»، موضحة: «لم يكن من الممكن الاستعانة بخامات أخرى، حتى البرونز، واسع الانتشار غير قادر على تجسيد المعنى الذي أرمي إليه، ذلك أن البساطة لا تعبر عنها سوى البساطة».
تشكيلية مصرية تقيم جسراً بين الثقافات عبر منحوتات طفولية متحركة
نيفين فرغلي تستخدم الحديد الخردة
تشكيلية مصرية تقيم جسراً بين الثقافات عبر منحوتات طفولية متحركة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة