رؤى الفن التشكيلي المعاصر في مصر تستوحي روح «قصر محمد علي» وفنونه

معرض يمزج الماضي والحاضر بمشاركة 28 فناناً

عمل للفنان أحمد عسقلاني بعنوان «المصلين» («الشرق الأوسط»)
عمل للفنان أحمد عسقلاني بعنوان «المصلين» («الشرق الأوسط»)
TT

رؤى الفن التشكيلي المعاصر في مصر تستوحي روح «قصر محمد علي» وفنونه

عمل للفنان أحمد عسقلاني بعنوان «المصلين» («الشرق الأوسط»)
عمل للفنان أحمد عسقلاني بعنوان «المصلين» («الشرق الأوسط»)

بين إسقاطات ضوئية وتركيبات صوتية وتصميمات في الفراغ والأعمال المركّبة تمثل رؤى الفن التشكيلي المعاصر في مصر، وبين محتويات قصر الأمير محمد علي في القاهرة المصمم على الطّراز العربي بعناصره المعمارية من الفنون الإسلامية والقباب والأعمدة والمقرنصات والزّخارف الإسلامية والخطوط العربية وقطع الأثاث الملكية النّادرة؛ يمكن لزائر القصر هذه الأيام أن يتجوّل بين أعمال معرض «لا شيء يتلاشى... كل شيء يتحوّل»، في حالة فنية تمزج بين الماضي والحاضر.
في المعرض الذي يُقام تحت رعاية وزارتي الآثار والثّقافة وبتنظيم من شركة «آرت ديجيبت»، يقدّم 28 فناناً مصرياً من ثلاثة أجيال مختلفة رؤاهم الفنية المعاصرة، مع تسليط الضوء على التراث الثّقافي والأهمية التاريخية للقصر الملكي، الكائن في منطقة المنيل منذ عام 1901، حيث تنظم الشّركة معارضها في الأماكن التاريخية المختلفة في مصر.
تقول منظِّمة المعرض، نادين عبد الغفار: «يعد المعرض بمثابة ملتقى للحضارات بين القديم والجديد، حيث سبق وأقمنا معرضاً العام الماضي في المتحف المصري، من ثمّ كان اختيار قصر الأمير محمد علي بالمنيل هذا العام كمكان مختلف لصنع حالة فنية مختلفة، حيث تظهر مقتنيات القصر في خلفية الأعمال الفنية المعاصرة، لنؤكد امتزاج القديم بالحديث، وأنّ الفنان المصري مستمر في إبداعاته على مرّ العصور، وأنّه لا شيء ينتهي مهما تغيّرت الأزمنة وظروف الحياة من حوله، ومن هنا جاء اختيار اسم المعرض».
من بين الفنانين المشاركين يقول الدكتور سعيد بدر لـ«الشرق الأوسط»: «أشارك بثلاثة أعمال في هذا المعرض تمثل تشكيلاً هندسياً، لها علاقة بالموقع والطبيعة النباتية داخل القصر، والفكرة بشكل عام أهدف من خلالها إلى إحياء التراث. فمن بين هذه الأعمال يوجد عملان كبيران بعنوان رسائل من التاريخ، وهما عبارة عن تشكيل ديناميكي حرّ، أعبر فيهما بمجموعة رسائل متطايرة مكتوب عليها بعض المفاهيم المعمارية داخل وخارج القصر ويظهر فيها الطّراز الإسلامي الذي يميز القصر، مع إعادة صياغة هذه الزخارف وانسجامها مع العمل النّحتي، حيث أستوحي الفكرة من الشّجرة القديمة التي فيها نوع من الحركة البنائية، مع الحفاظ على الإيقاع والحركة». ويتابع: «العمل الثّالث هو رؤية تشكيلية لمبنى القصر، من خلال إعادة اكتشافه تراثياً وإظهاره للبشرية، وتجمع هذه الرؤية بين الكتل المنتظمة وغير المنتظمة على شكل رؤوس مثلث، بأحجام وأطوال مختلفة بما يؤدي إلى التنوع».
أمّا الفنان شادي النشوقاتي، فيشارك بعمل فني بعنوان «المستعمرة - أصوات قطرات الدموع السبعة»، يقول عنه: «هو مشروع فني بحثي يقدَّم في عدد من الأجزاء المتسلسلة، بدأ عام 2013، ويعدّ هذا العمل استكمالاً له، حيث أفترض فيه وأبتكر تسعاً وأربعين فكرة رئيسية تنتج من تزاوج العجائب السبع في الكون (الكواكب السبعة، وألوان الطّيف السبعة، والبحار السبعة، والمناطق السبع الشاكرة في جسم الإنسان، والأيام السبعة، والتونات الموسيقية السبع، والمراحل السبع في التفكير النّاقد)، فهو عمل مختزل، حيث أقوم باختزال كل هذه الأفكار والمعلومات والعلوم في أشكال مجردة، لأقول إنّ العالم لا ينتهي في تنوعه وفي تشابكه واستمراره في النمو التصاعدي».
من بين الأعمال الأخرى التي تبرز في المعرض، عمل للفنان أحمد قرعلي وهو تركيب ضوئي مع خامة الحرير، وعمل نحتي للفنانة غادة عامر مصنوع من كلمات من البرونز مغطّى بطبقة صدأ أسود، كما يقدّم الفنان محمد عبلة سلسلة أعمال تشكيلية بعنوان «حنين إلى الماضي»، وعمل للفنانة ملك ياقوت بعنوان «سيميائيات زمنية»، وهو ترجمة تشكيل الزّمن في القرآن إلى أشكال زمنية، بالإضافة إلى عمل آخر للفنان أحمد عسقلاني.
يُذكر أنّ حفل افتتاح المعرض حضره عدد من الوزراء والفنانين المصريين، منهم وزير الآثار الدكتور خالد العناني، ووزيرة التضامن الدكتورة غادة والي، ووزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، ووزير الخارجية سامح شكري، ورجلا الأعمال سميح ونجيب ساويرس، وعدد من سُفراء بعض الدّول الأوروبية، إلى جانب عدد من الفنّانين منهم الفنانة نيللي كريم ويسرا.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.