محاولة جديدة لمصالحة صعبة بين أطراف النزاع في أفريقيا الوسطى

اجتماع برازافيل ينتهي غدا ويسعى لاتفاق لوقف «جميع أعمال العنف»

الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى كاترين سامبا بنزا تلقي خطابا في مستهل اجتماع برازافيل أمس (أ.ف.ب)
الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى كاترين سامبا بنزا تلقي خطابا في مستهل اجتماع برازافيل أمس (أ.ف.ب)
TT

محاولة جديدة لمصالحة صعبة بين أطراف النزاع في أفريقيا الوسطى

الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى كاترين سامبا بنزا تلقي خطابا في مستهل اجتماع برازافيل أمس (أ.ف.ب)
الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى كاترين سامبا بنزا تلقي خطابا في مستهل اجتماع برازافيل أمس (أ.ف.ب)

انطلقت في برازافيل، أمس، محاولة جديدة للمصالحة من أجل إحلال السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، بحضور بعض ممثلي الميليشيات والحكومة في هذا البلد ودول مجاورة.
وافتتح الرئيس الكونغولي دوني ساسو نغيسو وسيط بلدان المنطقة في أزمة أفريقيا الوسطى هذا «المنتدى من أجل المصالحة الوطنية والحوار السياسي»، في الساعة العاشرة صباحا (التاسعة ت.غ) في قصر المؤتمرات.
وقالت مجموعة الاتصال الدولية حول أفريقيا الوسطى (التي تضم نحو 30 بلدا ومنظمة دولية)، والتي اتخذت مبادرة القيام بهذه المحاولة، إن الاجتماع الذي يستمر ثلاثة أيام وينتهي غدا، يهدف إلى التوافق على وقف «جميع أعمال العنف»، وتوقيع «اتفاق لوقف الأعمال العدائية ونزع أسلحة المجوعات المسلحة، وتحديد إطار سياسة انتقالية جديد».
وحينها، وبعد بضعة أسابيع، وإذا توقف القتال فعلا، يمكن أن يعقد حوار بين أطراف أفريقيا الوسطى في بلادهم وفي مخيمات اللاجئين، قبل عقد منتدى وطني للمصالحة وإعادة الإعمار في أكتوبر (تشرين الأول)، في بانغي.
وتسود الفوضى في أفريقيا الوسطى منذ أن أطاحت حركة سيليكا المتمردة بالرئيس فرنسوا بوزيزيه في مارس (آذار) 2013. وأسفرت أعمال العنف العرقية شبه اليومية عن سقوط آلاف القتلى ومئات وتهجير مئات الآلاف.
وتتناحر حركة سيليكا ومعظم عناصرها من المسلمين وميليشيا «انتي بالاكا» ومعظمها من المسيحيين في دوامة عنف دامية من الهجمات والانتقام، أول ضحاياها من المدنيين.
وفي برازافيل، توقعت السلطات الكونغولية وصول نحو 170 مندوبا من أفريقيا الوسطى، من أعضاء الحكومة والبرلمان الانتقالي والمجموعات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
ومن جانب آخر، فإن سيليكا و«انتي بالاكا» المتناحرتين في دوامة هجمات وردود دامية، وانقسامات داخلية من الطرفين، يصعب اختيار مندوب يكون ممثلا ولديه ما يكفي من النفوذ للبدء في عملية سلام متينة.
وكذلك الطبقة السياسية و«المجتمع المدني»، كانا منقسمين حول ضرورة التوجه إلى برازافيل، في حين يطالب البعض بعقد الاجتماع في بانغي.
وعدّ تيري فيركولون مدير برنامج أفريقيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية أن قضية التمثيل والوقت القصير المتوفر لإعداد اللقاء يهددان «بالحؤول دون نجاحه وتطبيق القرارات التي ستتخذ فيه».
وقد أعلنت عدة أحزاب سياسة ورجال دين من أفريقيا الوسطى (من جميع الديانات) التوجه إلى برازافيل، وعدّوا أنه من الأفضل عقد المنتدى في بلادهم.
وينظر باستياء إلى تدخل دول الجوار من أجل تسوية الأزمة سواء الغابون وتشاد، حيث انعقدت قمم لم تأتِ بجديد أو الكونغو.
وعدت الرئيسة الانتقالية لأفريقيا الوسطى كاترين سامبا بنزا التي وصلت أول من أمس إلى برازافيل أن المنتدى «مرحلة مهمة (...) كي نقرر معا وقف الأعمال العدائية والعنف».
ورغم انتشار القوة الأفريقية في أفريقيا الوسطى وعملية «سنغاريس» الفرنسية ما زالت هذه المستعمرة الفرنسية السابقة الغنية بالنفط واليورانيوم والماس تشهد حالة من الفوضى وأعمال العنف والنهب، وتواجه أخطر أزمة إنسانية بمئات آلاف النازحين.



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».