أصيبت الأسواق العالمية أمس بموجة من التراجعات البالغة دخلت بها «المنطقة الحمراء»، مع تفشي المخاوف التي تعلقت بارتفاع عوائد السندات الأميركية من جهة، والحرب التجارية من جهة أخرى، إلى جانب المشكلات الإقليمية في أوروبا.
ورغم محاولات الإدارة الأميركية طمأنة الأسواق، زاد المؤشر «في آي إكس» (مؤشر الخوف) في «وول ستريت»، الذي يقيس توقعات تقلبات سوق الأسهم، 44 في المائة إلى 22.96 أمس، وهو أعلى مستوياته منذ أبريل (نيسان) الماضي.
وبدأت الخسائر البالغة من أوروبا مع إغلاق يوم الأربعاء، لتمتد إلى «وول ستريت»، وتمر صباح الخميس إلى أسواق آسيا، ثم تعود مجددا إلى الأسواق الأوروبية. ومع رفع الفوائد الذي دفع بالمستثمرين إلى إعادة النظر في توقعات النمو الأميركي، حمل الرئيس الأميركي دونالد ترمب المسؤولية لسياسات «الاحتياطي الفيدرالي» (المركزي الأميركي) معتبرا أنه «أصابه الجنون» في المساهمة في بلبلة الأسواق المالية.
وشهدت «وول ستريت» يوم الأربعاء أكبر انخفاض يومي لها في ثمانية أشهر، بعد أن تكبدت الأسهم الأوروبية أسوأ خسارة يومية لها منذ يونيو (حزيران). ومني المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يوم الأربعاء بأكبر خسارة يومية منذ الثامن من فبراير (شباط)، متراجعا بمقدار 94.66 نقطة، أو 3.29 في المائة، إلى 2785.68 نقطة. بينما قادت أسهم قطاع التكنولوجيا الخسائر، وسط عزوف من جانب المستثمرين عن الأصول التي بها مخاطرة، مع ارتفاع العائد على السندات الأميركية.
وانخفض المؤشر «داو جونز الصناعي» 831.83 نقطة، أو ما يعادل 3.15 في المائة، إلى 25598.74 نقطة. ونزل المؤشر «ناسداك» المجمع 315.97 نقطة، أو 4.08 في المائة، إلى 7422.05 نقطة.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، إن الرئيس الأميركي تلقى الأربعاء إيجازا بشأن هبوط سوق الأسهم. موضحا وفقا لبيان تلته «سي إن بي سي»: «هذا تصحيح لسوق متصاعدة الأسعار. هو أمر صحي على الأرجح وسيمر، وما زال الاقتصاد الأميركي قويا». كما قالت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان، إن «البطالة عند أدنى مستوى في 50 عاما، وجرى تخفيض الضرائب للأسر والشركات، وجرى تخفيف اللوائح والروتين الحكومي».
وتسبب ارتفاع العائد على السندات الأميركية في عزوف المستثمرين عن الأصول التي بها مخاطرة، وهو ما أضر بأسهم قطاع التكنولوجيا بشدة على وجه الخصوص، يوم الأربعاء.
وكثيرا ما يشير ترمب إلى قوة الاقتصاد وصعود سوق الأسهم، كدليل على أن سياساته المالية والضريبية ناجعة. وجدد ترمب الثلاثاء انتقاده لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لرفعه أسعار الفائدة، قائلا إنه لا يريد للنمو الاقتصادي الحالي أن يتباطأ «ولا حتى بقدر قليل».
وعاد ترمب ليقول لصحافيين يوم الأربعاء: «أعتقد أنّ (الاحتياطي الفيدرالي) يرتكب خطأ. أعتقد أنّ (الاحتياطي الفيدرالي) أصابه الجنون»، وذلك بعد يوم مظلم في «وول ستريت» وسط قلق المستثمرين حيال ارتفاع معدّلات الفائدة. وأمس الخميس، كرر ترمب انتقاداته، وقال إن «الفيدرالي» يتحرك «باندفاع كبير» برفعه أسعار الفائدة. وعلق لشبكة «فوكس»: «أعتقد أنهم يرتكبون خطأ بالغا». ورغم أنه أقر بأن ارتفاع أسعار الفائدة ساعد المدخرين، فإنه انتقد أساليب الاحتياطي الفيدرالي، وقال: «إنهم يتصرفون باندفاع مبالغ فيه».
ودافعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، الخميس، عن رفع الفوائد، في رسالة غير مباشرة موجهة إلى ترمب. وقالت إن قرارات البنوك المركزية برفع الفوائد مثل ذلك الذي اتخذه «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» مبررة على ضوء الأسس الاقتصادية.
وأفادت لاغارد خلال مؤتمر صحافي في بالي، بأنّ الأمر «يعد بوضوح تطورا ضروريا لتلك الاقتصادات التي تظهر كثيرا من النمو المتزايد، وارتفاعا في التضخم، وبطالة متدنية للغاية»، وتابعت: «الأمر حتمي أن تتخذ المصارف المركزية القرارات التي اتخذتها».
كما حاول وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين تهدئة الأمور، والتخفيف من صدى تصريحات ترمب، مستبعدا أن تكون قرارات «الفيدرالي» السبب في الانخفاض الحاد الذي شهدته سوق الأسهم الأميركية. وقال: «لا أعتقد أن هناك أي أخبار حديثة صدرت عن الاحتياطي الفيدرالي غير تلك التي جاءت مسبقاً».
وصرح منوتشين بأن الأسواق عُرضة للصعود والهبوط، وقال لوكالة أنباء «بلومبيرغ»، إنّ «الأسواق لا تعمل بكفاءة وهي تتحرك في الاتجاهين، وأحياناً تتخطى الحدود في الاتجاهين»، وتابع: «حقيقة أن هناك إلى حد ما تصحيحاً؛ وضعاً في الاعتبار أن الارتفاع الذي حققته السوق ليس مفاجئاً على وجه الخصوص».
- إدانات وتوقعات انتشار
وبعد تراجع كبير بنسبة تتراوح بين 4 و6 في المائة في أبرز البورصات الآسيوية، تمكنت أسواق المال الأوروبية من ضبط خسائرها ظهر أمس. والخسائر الأكبر في آسيا سجلت الخميس في شنغهاي وتايبه اللتين أغلقتا على هبوط بنسبة 5.2 و6.3 في المائة على التوالي. ووصلت أسواق المال الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات.
وعلق ميلان كوتكوفيتس المحلل لدى «أكسي تريدر»، بأن «تراجع (وول ستريت) يضع بورصات العالم بأسره تحت الضغط، فيما قال باني لام، رئيس قسم الأبحاث في «سي آي بي إنترناشيونال»: «إنها مجرد بداية». وبدوره لفت ريتشارد هانتر، المسؤول في «إنتراكتيف أنفستور» إلى أن «ضعف (وول ستريت)، تسبب في انسحاب التراجع على بورصات أخرى؛ حيث هبطت الأسواق الآسيوية بشكل كبير، فيما تحاول البورصات الأوروبية لجم الوضع». وأضاف: «في غياب سبب مباشر، يحاول المستثمرون تجاوز القلق المتعلق بالتوتر التجاري، والأثر على النمو العالمي، ورفع نسب الفوائد في الولايات المتحدة»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وكتبت شركة «غوانغزو وانلونغ سيكيوريتيز» في مذكرة: «إلى جانب نسب الفوائد، فإن الخلاف التجاري الصيني - الأميركي هو المسؤول عن تقلبات السوق في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لأن الناس خائفون من أن يتطور الخلاف إلى مواجهة سياسية».
ويرى محللون لدى مكتب الوساطة «أوريل بي جي سي» أن التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة لا يزال يؤجج المخاوف بسبب «أثره على النمو الصيني»، وقالوا إن المستثمرين «يعتبرون أن قطاع التكنولوجيا سيكون الأكثر تأثرا بالتباطؤ بسبب النشاط الصيني».
- موجة بيعية
وفي أوروبا، انخفضت الأسهم الأوروبية لأدنى مستوياتها في أكثر من 20 شهرا، مع افتتاح التعاملات صباح أمس، بعد هبوط «وول ستريت» في الوقت الذي أثارت فيه المخاوف بشأن ارتفاع عوائد أدوات الخزانة الأميركية، عمليات بيع واسعة للأصول عالية المخاطر. وتراجعت جميع القطاعات في أوروبا، مع تأثر أسهم التكنولوجيا بالقدر الأكبر من ضغوط البيع، بعد أن كانت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبيرة هي السبب الرئيسي وراء تراجع السوق لأدنى مستوى في عدة سنوات، متكبدة خسائر كثيفة الليلة الماضية.
وانخفض مؤشر قطاع التكنولوجيا الأوروبي 2.4 في المائة، على الرغم من أن سهم «إنجينيكو» ارتفع 8.5 في المائة، بعد أن قال «ناتكسيس» إنه يدرس دمج أنشطته للمدفوعات مع الشركة المتخصصة في الخدمات المالية والمدفوعات.
وبحلول الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش، تراجع المؤشر «ستوكس 600» الأوروبي 1.4 في المائة إلى أدنى مستوياته منذ نهاية يناير (كانون الثاني) 2017. وهبطت جميع مؤشرات الدول الكبيرة في أوروبا، ما يزيد على واحد في المائة. وانخفضت القطاعات الدفاعية مثل الرعاية الصحية أيضا؛ لكنها سجلت أداء أفضل من السوق بوجه عام.
وفي آسيا، أغلق المؤشر «نيكي» الياباني منخفضا عند أدنى مستوى في شهر، أمس، وتكبد أكبر هبوط يومي منذ مارس (آذار) الماضي، متأثرا بعمليات بيع للأسهم العالمية، في حين سجلت أسهم شركات التكنولوجيا والمعدات الصناعية أداء دون أداء السوق عموما.
وساهم في هبوط البورصة اليابانية خفض «ياسكاوا إلكتريك» لإنتاج المعدات الصناعية، لتوقعات الأرباح، مما دفع أسهم شركات أخرى بالقطاع منكشفة بشكل كبير على الصين، للتراجع.
وهبط «نيكي» 3.9 في المائة عند الإغلاق إلى 22590.86 نقطة، وهو أدنى مستوى إغلاق للمؤشر القياسي منذ العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي. وانخفض المؤشر نحو ثمانية في المائة من أعلى مستوى له في 27 عاما، عند 24448.07 نقطة، الذي بلغه الأسبوع الماضي.
وفي الوقت الذي انخفضت فيه جميع القطاعات الفرعية البالغ عددها 33 على المؤشر «توبكس» الأوسع نطاقا، فإن الأسهم المرتبطة بالصين سجلت أداء دون البقية. وهبط المؤشر «توبكس» 3.5 في المائة إلى 1701.86 نقطة.
وفي الأسواق الأخرى، انخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 3.62 في المائة، في حين انخفض مؤشر «سي إس آي 300» الصيني بنسبة 4 في المائة. كما فقد مؤشر «هانغ سنغ» في هونغ كونغ 3.73 في المائة. وفي أستراليا، انخفض مؤشر «إس بي - إيه إس إكس 200» بنسبة 2.47 في المائة في كانبرا.
- الدولار يهبط
وفي سوق العملات، فاجأ الدولار الأميركي، الذي يُنظر إليه عادة كأحد الملاذات الآمنة في أوقات الاضطرابات، بعض خبراء سوق الصرف، أمس الخميس، بتراجعه بعد أن دفع المستثمرون الهلعون الأسهم الأميركية إلى أسوأ انخفاض يومي لها في نحو ثمانية أشهر.
وهبط مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل ست عملات رئيسية، 0.25 في المائة إلى 95.27 أمس، بعد أن ارتفع إلى 95.79 في الجلسة السابقة.
وارتفع الين، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن، إلى 112.19 للدولار، وهو أعلى مستوياته منذ بداية الشهر الجاري، مدعوما بالعزوف عن المخاطرة في أعقاب تحذيرات من صندوق النقد الدولي بشأن النمو العالمي والاستقرار المالي.
وزاد اليورو 0.27 في المائة إلى 1.1550 دولار أمس، بعد أن تراجع إلى 1.1477 في الجلسة السابقة. وجرى تداول الجنيه الإسترليني عند 1.3213 دولار، دون أعلى مستوى له في أسبوع بقليل، في الوقت الذي يراهن فيه المستثمرون على خروج منظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس. وارتفع الإسترليني أكثر من اثنين في المائة مقابل الدولار على مدى جلسات التداول الخمس الماضية.
وتراجعت الروبية الهندية إلى مستويات منخفضة جديدة؛ حيث بلغت 74.4850 للدولار في التعاملات المبكرة، متراجعة 0.4 في المائة. وهبطت العملة الهندية ما يزيد على 14 في المائة منذ بداية العام، ما يجعلها الأسوأ أداء في آسيا. وقال متعاملون إن بيع البنك المركزي الهندي للدولار على غير المعتاد قد حد من انخفاض الروبية.
«موجة حمراء» تطغى على أسواق العالم... و«مؤشر الخوف» إلى أعلى مستوى في 6 أشهر
ترمب يتهم «الفيدرالي» بـ«الجنون»... وإدارته تقول إن البورصات تشهد «حركة تصحيح»
«موجة حمراء» تطغى على أسواق العالم... و«مؤشر الخوف» إلى أعلى مستوى في 6 أشهر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة