عبد المهدي «سياسي واقعي» صقلته تحولاته

استقلاله عن التيارات المختلفة سهّل التوافق على تكليفه

TT

عبد المهدي «سياسي واقعي» صقلته تحولاته

في كتابه «بين النيران» الذي صدر في بغداد أخيراً، يأتي زعيم «القائمة الوطنية» إياد علاوي مرات كثيرة على ذكر عادل عبد المهدي، الذي كلف مساء أول من أمس تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، حين يأتي على الحديث عن فترة انتمائه إلى صفوف حزب البعث في ستينات القرن الماضي.
بين ما يذكره علاوي، أن عبد المهدي كان من بين الرفاق الذين نفذوا اعتصاماً ضد السلطات في جامعة بغداد، بعد أن طلب منهم الحزب التصعيد مع نظام الرئيس عبد السلام عارف عام 1963. وقد تأثر في عبد المهدي في شبابه بالأفكار القومية العربية وله صداقات طفولة مع السياسي الراحل أحمد الجلبي وعلاوي.
من هنا، فإن مذكرات علاوي تلقي الضوء على الأطوار السياسية والفكرية المبكرة التي مر بها عبد المهدي، ففي شبابه أيام كان طالباً في كلية التجارة في بغداد بدأ في الانخراط في صفوف حزب البعث، ثم تحول مطلع السبعينات إلى اليسار وأصبح شيوعياً لفترة وجيزة، قبل أن ينضم في 1982 رسمياً إلى «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» الذي تأسس في إيران. وفي يوليو (تموز) 2017، أصبح عبد المهدي خارج دائرة التحزب بعد انفراط عقد «المجلس الأعلى» وخروج رئيسه حينذاك عمار الحكيم عنه وتأسيسه «تيار الحكمة».
وعلى هذا الأساس، تعاملت غالبية الكتل السياسية ومرجعية النجف، كما تؤكد الكثير من المصادر، مع عادل عبد المهدي بوصفه سياسياً مستقلاً وغير منتمٍ إلى أي اتجاه، فاتفقت على تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة. ويُحسب لعبد المهدي أنه السياسي العراقي الوحيد الذي قدم استقالته الطوعية من منصبين كبيرين في الحكومة، فقد استقال عام 2011 حين كان نائباً للرئيس الراحل جلال الطالباني، واستقال عام 2016 من منصبه وزيراً للنفط.
وشغل عبد المهدي حقيبة المالية في حكومة إياد علاوي بين عامي 2004 و2005، وكان له دور بارز في مفاوضات خفض وإسقاط ديون العراق في «نادي باريس».
ولد عبد المهدي المنتمي إلى الارستقراطية الشيعية لعائلة تعود جذورها إلى الأسرة الهاشمية في بغداد في عام 1942، رغم سكن أسرته الأصلي في محافظة ذي قار الجنوبية. كان والده عبد المهدي المنتفجي وزير المعارف في وزارة جعفر العسكري الثانية عام 1926، أيام كان نظام الحكم ملكياً في العراق. ونتيجة لجذوره، ارتبط لقب «السيد» دائماً به. وغالباً ما يخاطبه المقربون منه بهذا اللقب، متزوج من سيدة نجفية، وله ابنان وبنتان.
يجيد عبد المهدي اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهو حاصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة بغداد. وخلال فترة تواجده الطويلة في باريس حصل على درجتي الماجستير في العلوم السياسية والماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة بواتيه.
وفي حين جلبت التحولات السياسية والفكرية التي رافقت مسيرته انتقادات من بعض خصومه ومنافسيه، إلا أنه بررها بالقول إن «الأمر استغرق 50 عاماً، وهي فترة طبيعية ليتغير المرء». كما يصف نفسه بأنه «سياسي واقعي، لكن مع الحفاظ على المبادئ». وهو معروف بعلاقاته الجيدة بجميع الأطراف السياسية.
ويعتبر عبد المهدي ورئيس الجمهورية المنتخب برهم صالح السياسيين الوحيدين اللذين حصلا على أرفع منصبين في الدولة من دون أن يخوضا انتخابات مجلس النواب. من هنا، فإنهما قدما من مسافة بعيدة وحصلا على دعم بقية الكتل السياسية، كما لم يحدث لأي سياسي غيرهما منذ 2005.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».