قلق وترقب في كردستان العراق لمصير تحالف الحزبين الرئيسيين

TT

قلق وترقب في كردستان العراق لمصير تحالف الحزبين الرئيسيين

خيّمت أجواء من القلق والترقب الحذر على الأوساط الشعبية والسياسية في إقليم كردستان العراق، غداة حسم سباق الرئاسة العراقية لمرشح «الاتحاد الوطني الكردستاني» برهم صالح، إثر انسحاب مرشح «الحزب الديمقراطي الكردستاني» فؤاد حسين، بإيعاز من قيادة حزبه، احتجاجاً على سير التصويت.
وعزز من أجواء التشاؤم في الإقليم البيان المقتضب والعاجل الذي أصدره زعيم «الديمقراطي الكردستاني» مسعود البارزاني، مساء أول من أمس، مبدياً امتعاضه من الآلية التي اتبعت في البرلمان العراقي لانتخاب رئيس الجمهورية، ووصفها بأنها «منافية للتقاليد والأعراف التي اتبعت في الدورات السابقة».
واعتبر البارزاني في بيانه أن حزبه الذي حصد 45 مقعداً في برلمان الإقليم من أصل 100 مقعد في الانتخابات الأخيرة ستكون له «كلمة أخرى» حيال الموضوع لاحقاً، ما وتّر الأجواء السياسية المشحونة أصلاً في الإقليم، وعزز الانطباع بأن المرحلة المقبلة قد تشهد انهيار التحالف التاريخي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
وزاد من أجواء الترقب إعلان مفوضية الانتخابات في الإقليم، أمس، إرجاء الإعلان رسمياً عن النتائج الأولية لانتخابات برلمان كردستان «إلى أجل غير مسمى»، بعدما كان من المفترض إعلانها ظهر أمس قبل نهاية المهلة القانونية المحددة لذلك، وفقاً لقانون الانتخابات.
وأكد رئيس مفوضية الانتخابات هندرين محمد في مؤتمر صحافي مقتضب ومفاجئ، أمس، قائلاً إن «المفوضية تلقت 425 شكوى قضائية والمئات من الطعون من مختلف الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، وينبغي للمفوضية أن تبت في تلك الشكاوى والطعون بدقة شديدة، والرد عليها بشكل قانوني شافٍ، وهو أمر يتطلب مزيداً من الوقت والجهد». وأضاف أن «التريث في إعلان النتائج النهائية المقرون بدقة شديدة في مطابقة أوراق الاقتراع مع عدد الناخبين الحقيقي، وحسم الشكاوى والطعون، أفضل بكثير من الاستعجال في إعلان النتائج من دون تحقيق تلك الضوابط».
بيد أن قياديين من كلا الحزبين الحاكمين قللا من المخاوف المرتبطة بمصير علاقتهما. وشدد القيادي في «الاتحاد الوطني» شادمان دركليي على «استحالة حدوث تداعيات لمسألة انتخاب مرشح الحزب لرئاسة العراق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مرشحنا يتمتع بشعبية ساحقة على مستوى العراق، وهو ذو كفاءة إدارية عالية ومشهود له بذلك، لذلك كسب التصويت في البرلمان العراقي، وكان ينبغي للحزب الديمقراطي أن يقدم مرشحاً أكثر كفاءة من برهم صالح إذا كان يريد أن يكسب الجولة».
لكنه أضاف: «رغم كل ما حصل، فإنني واثق تماماً من أن الحزب الديمقراطي سيعيد النظر في حساباته ومواقفه، لا سيما في الحكومة الجديدة المنتخبة، لأنه يدرك بعمق أن الإقليم لا يمكن أن يدار من قبل طرف بمفرده، وأنه لا مناص من التعاون مع الاتحاد الوطني، لا سيما وأن كلا الحزبين لهما ثقلهما السياسي وقواعدها الشعبية وعلاقاتهما الواسعة مع العالم الخارجي». وأشار إلى أن «الديمقراطي أعاد النظر في مواقفه السياسية السابقة، بعد عملية الاستفتاء على استقلال الإقليم العام الماضي، وما تبعها من تحديات ومشكلات، والدليل على ذلك تنافسه الشديد على منصب رئاسة الجمهورية، وهو يعي تماماً أن رئيس الجمهورية مهمته الحفاظ على الدستور ووحدة العراق أرضاً وشعباً».
في المقابل، يرى عبد السلام البرواري القيادي في «الديمقراطي الكردستاني» أن موضوع رئاسة الجمهورية «مختلف كل الاختلاف عن موضوع إدارة الإقليم، ومخطئ من يتصور أنهما مرتبطان». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما هو قائم بين الحزبين مجرد اختلافات في الرؤى والمواقف، وليست خلافات كما تروج وسائل الإعلام، وهي ظاهرة طبيعية توجد في كل الدول التي فيها تعددية سياسية».
وأضاف: «نحن مقبلون على تشكيل حكومة إقليم كردستان المنتخبة مع شركائنا، لا سيما أن لنا برنامجاً مشتركاً للحكومة المقبلة اتفقنا بشأنه قبل مسألة الرئاسة، ولا شك أن الذي حصل في البرلمان العراقي الثلاثاء ستكون له آثاره السلبية، لكن مصلحة الإقليم تتطلب أن يكون الحزبان الرئيسيان على وفاق بشأن إدارة الإقليم».
ويرى المحلل السياسي جرجيس كولي زاده أن «المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي خلقتها الأحزاب الكردية خلال السنوات الماضية أثقلت كثيراً من كاهل المواطن في الإقليم ودفعته بعيداً عن الاهتمامات السياسية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هم المواطن بات منحصراً في توفير واستحصال قوته اليومي، ولم يعد يهتم بعلاقات الأحزاب فيما بينها أو بالتوترات الحاصلة بينها، لا سيما أن الناس صارت واعية وتدرك تماماً أن الخلافات تنتهي عند تلاقي مصالح هذه الأحزاب».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.