تبعات «بريكست» الاقتصادية تهدّد مستقبل بريطانيا السياسي

خلافات المحافظين ترجّح سيناريو «الخروج دون اتفاق» وسط تحذيرات أوروبية ودولية

تبعات «بريكست» الاقتصادية تهدّد مستقبل بريطانيا السياسي
TT

تبعات «بريكست» الاقتصادية تهدّد مستقبل بريطانيا السياسي

تبعات «بريكست» الاقتصادية تهدّد مستقبل بريطانيا السياسي

إنه الأول من شهر أبريل (نيسان) 2019، الساعة تشير إلى الثانية فجراً، يتلقى قائد طائرة تجارية بريطانية متجهة إلى باريس اتصالاً من أحد موظفي برج المراقبة الفرنسي يدعوه إلى العودة من حيث أتى، ذلك «إنكم لا تتوفرون على رخصة صالحة للهبوط في هذا المدرج». وعلى بعد نحو ألف كلم من الأجواء الفرنسية، استيقظ بعض سكان مدينة دانموري بإقليم آيرلندا الشمالية ليكتشفوا أن شركات الكهرباء المتمركزة في آيرلندا المجاورة علّقت خدماتها؛ ما أدى إلى انقطاع عام للكهرباء في جزء كبير من شوارع مدن الإقليم التابع للندن.
سيناريو هو «الأسوأ والأبعد»، وفق وصف الحكومة البريطانية. لكنه قد يتحول إلى حقيقة تصدم البريطانيين بعد 29 مارس (آذار) المقبل الذي هو موعد خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، إذا فشل الجانبان في التوصل إلى اتفاق يؤطّر العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية والاجتماعية بينهما.
تجديد تراخيص الطيران المدني لدى وكالة سلامة الطيران الأوروبية وضمان بقاء آيرلندا الشمالية طرفاً في «سوق الكهرباء الموحّدة» سيكونان بين مئات الإجراءات التي يتحتّم على القطاعين الحكومي والخاص في بريطانيا حسمها قبل انتهاء مهلة «بريكست». فما هي تداعيات هذا السيناريو على بريطانيا والاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن تفاديه خلال الأشهر الستة المقبلة؟

تنخرط الحكومة البريطانية وسلطات الاتحاد الأوروبي في بروكسل في مفاوضات مستمرة منذ الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست» يوم 23 يونيو (حزيران) 2016. وبينما توحي معظم التقارير الإعلامية من الجانبين بأنهما لم يحرزا أي تقدّم يُذكر، فإنهما اتفقا على ثلاث قضايا عالقة على الأقل:
الأولى «فاتورة الطلاق»، أي الالتزامات المالية البريطانية التي وافقت لندن مسبقاً على تسديدها، سواءً تعلّقت بمساهمتها في الميزانية الأوروبية لعام 2019، أو بالمشروعات التي التزمت بالمساهمة في تمويلها. وبعد شهور من الجدال حول قيمة هذه الفاتورة، وتداول مبالغ تصل إلى 90 مليار جنيه إسترليني، اتفق الطرفان على 39 مليار جنيه (52 مليار دولار). والثانية، تتعلق بضمان حقوق المواطنين البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي (1.22 مليون في 2017)، والأوروبيين المقيمين في بريطانيا (3.8 مليون). والثالثة، فتتّصل بفترة انتقالية تتيح لبريطانيا البقاء في السوق الموحّدة حتى ديسمبر (كانون الأول) 2020.
في المقابل، ما زال المفاوضون، من الجهتين، يحاولون التوصل إلى صيغة مُرضية حول العلاقة التجارية التي ستجمع لندن بالاتحاد بعد تخلّيها عن عضويته، فضلاً عن دور محكمة العدل الأوروبية. ولعلّ القضية التي تطرح التحدّي الأكبر في هذا الإطار هي تلك المتعلّقة بمصير الحدود الفاصلة بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا. ذلك أن الجانبين يريدان حدوداً مفتوحة، لكنهما يختلفان على كيفية تنفيذ ذلك.
الوثيقة السرية التي نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية تسببت في إحياء المخاوف حول مستقبل آيرلندا الشمالية في فترة ما بعد «بريكست». إذ ذكرت، أن الإقليم قد يعاني من انقطاع في الكهرباء وارتفاع كبير في أسعارها إذا فشلت لندن وبروكسل في التوصل إلى اتفاق قبل 29 مارس المقبل. وتوضح الوثيقة، التي تداولها مسؤولون في الحكومة البريطانية، أن آيرلندا الشمالية ستفقد قدرتها على استخدام إمدادات الكهرباء من جمهورية آيرلندا. ويعود ذلك، وفق «الغارديان»، إلى أن آيرلندا الشمالية قد تفقد عضويتها في «سوق الكهرباء الموحّدة» التي تجمعها بآيرلندا منذ عقد من الزمن.
أما دور محكمة العدل الأوروبية، فإنه يطرح جدلاً من نوع آخر؛ إذ إن أساس الحملة البريطانية للخروج من الاتحاد قام على شعار «استعادة السيطرة» ورفض أي «تدخّل أوروبي في الشؤون البريطانية». لكن بقاء لندن جزءاً من الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران أو الاتفاق الأوروبي على مذكرات التوقيف، أو حتى وكالة الأدوية الأوروبية، يحتّم عليها قبول سلطة المحكمة الموجودة في لوكسمبورغ.

تداعيات «الخروج دون اتفاق»

إذا فشلت المفاوضات الأوروبية - البريطانية خلال الأشهر المقبلة، فإن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في مارس 2019. أي أنها ستغادر السوق المشتركة وتوقف الاعتراف والعمل بالقوانين الأوروبية، بينما ستعامل الهيئات الأوروبية في بروكسل بريطانيا كأي دولة ثالثة لا تجمعها بها أي اتفاقيات من أي نوع. بمعنى آخر، فإن الاتحاد الأوروبي سيفرض رسوماً وإجراءات جمركية على السلع والخدمات البريطانية، فضلاً عن معاييره الصحية المعقدة. وستتسبب الحواجز الجمركية وغير الجمركية الجديدة في ازدحام وساعات انتظار طويلة في المطارات والموانئ، وقد تؤدي إلى تراكم السلع التي تصدّرها بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي بانتظار مراقبتها؛ ما سيضاعف كلفة التصدير والاستيراد لدى الجانبين.
أيضاً، في غياب اتفاق تجاري بعد «بريكست»، ستحل قواعد منظمة التجارة الدولية محل القواعد الأوروبية. وبالتالي، فإن المصدّرين البريطانيين سيتحمّلون رسوماً جمركية منخفضة في مجملها، لا تتجاوز 5 في المائة في معظم المجالات، باستثناء صناعة السيارات (10 في المائة) وفق تقرير لمركز الدراسات الجيوسياسية «ستراتفور» الأميركي. لكن، الأهم من هذه الصناعات هو قطاع الزراعة البريطاني، الذي سيواجه رسوماً مرتفعة تصل إلى 11 في المائة. في المقابل، قد تفرض بريطانيا بدورها رسوما على المصدّرين الأوروبيين، ما سيرفع سعر المنتجات المستوردة.
وفي حين يبحث رجال الأعمال والشركات الناشطة في مجال التصدير والاستيراد على سبل تخفيف الخسائر، تتّجه أعين الاقتصاديين إلى قطاع الخدمات البريطاني الذي يمثّل 80 في المائة من الاقتصاد وفق مكتب الإحصاءات الوطنية. ففي إطار الاتحاد الأوروبي، تستفيد بريطانيا من السوق الأوروبية الموحّدة للوصول إلى ملايين المستهلكين في 27 دولة، من دون طلب ترخيص من كل دولة على حدة. كما أن أبرز المستفيدين مما يسمى في عالم المال بـ«حقوق جواز السفر» Passporting Rights هو القطاع المصرفي الذي يمثّل نحو 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلّي، وسيكون من بين أكثر القطاعات التي ستتأثر سلباً من «بريكست دون اتفاق».
ولا يقتصر اقتصاد الخدمات على القطاع المالي والمصرفي، بل يشمل الخدمات القانونية، والمحاسبة، والصناعات الإعلانية، والإعلام، والهندسة، والطيران، غيرها. كل هذه القطاعات قد تفقد قدرتها على الوصول إلى السوق الأوروبية، في غياب اتفاق بريطاني - أوروبي يسمح لها بالحفاظ عليه.
من جهة أخرى، ناقضت دراسة نشرت أول من أمس الخطاب السياسي الذي يدفع به داعمو «بريكست»، والمعتمد على أن لندن ستصبح مركزاً عالمياً للخدمات، وبالتالي، ستستطيع الانفتاح على الخارج من دون قيود بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. إذ يقول الاقتصاديان جوناثان إيتون وسامويل كورتن من جامعتي بنسلفانيا الحكومية وييل الأميركيتين، الحائزان جوائز في علم الاقتصاد، إن بريطانيا ستخفق في مساعيها للتحول إلى مركز عالمي للخدمات بعد «بريكست»؛ لأن «عامل القرب الجغرافي يؤثّر في تجارة الخدمات وتجارة البضائع بالقدر نفسه تقريباً». وأضافا، أن بريطانيا تتاجر في الخدمات مع إسبانيا 3 مرات أكثر من أستراليا على سبيل المثال، كما أشارا إلى أنه في الوقت الذي لا تؤثّر فيه أسعار النقل على الخدمات، إلا أن جزءاً كبيراً منها لا يزال يعتمد على التعامل وجهاً لوجه. واستنتج إيتون وكورتن، بناءً على دراسة شاملة حول تأثير المسافة على التجارة في البضائع والخدمات عبر العالم، أن «(بريكست) سيخلق عوائق إضافية أمام قطاع الخدمات البريطاني ويحرمه من فرص كثيرة». غير أن اقتصاديين مؤيدين لـ«بريكست» رفضوا هذه النتائج، معتبرين - وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» - أن الدراسة المذكورة تعتمد على معايير دولية لا بريطانية.
جدير بالذكر، أن بريطانيا لن تكون الخاسر الوحيد من «بريكست دون اتفاق». ذلك أن خروج لندن يهدد فرص تسديدها مستحقاتها المالية المتبقية، التي تُقدّر بـ39 مليار جنيه. سيتسبب ذلك في نقص حاد في الميزانية الأوروبية، بينما ستستخدم بريطانيا هذا المبلغ لدعم نظام الصحة (أحد وعود حملة الخروج)، أو لدعم أكثر المتضررين من «بريكست»، مثل المزارعين. وفي هذه الأجواء، يُستبعد أن تصل لندن وبروكسل إلى اتفاق تجاري حتى على المدى الطويل؛ ما سيضاعف العواقب الاقتصادية على الجانبين، وبالتالي، قد يشجع الاتحاد الأوروبي على التنازل عن جزء من «فاتورة الطلاق»، وبريطانيا على الموافقة على تسديد مستحقاتها.

تحذير دولي وإجراءات بريطانية

لقد لخّص صندوق النقد الدولي، في تقريره السنوي حول الاقتصاد البريطاني، التداعيات الاقتصادية التي يتوقع أن تترتّب عن «بريكست»، التي قد يعاني منها كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي في حال الخروج بلا اتفاق. ويتوقع التقرير أن الدول الأوروبية ذات الاقتصادات القريبة من بريطانيا ستعاني من تباطؤ نموها الاقتصادي، مثل آيرلندا وبلجيكا والدنمارك وهولندا. ويتوقع الصندوق أن يتراجع النمو الاقتصادي في الدول الـ27 بنحو 1.5 في المائة بحلول 2030 في المتوسط. وفي المقابل، ستعاني بريطانيا من تباطؤ اقتصادي حاد قد يصل إلى 4 في المائة خلال السنوات العشر التي ستعقب «بريكست». واعتبر الصندوق في تقريره، الذي اتسم بلهجة تحذيرية واضحة، أن التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي «جوهري» لتخفيف أثر الحواجز الجمركية وغير الجمركية الجديدة، وبالتالي، حماية نمو الاقتصاد والرواتب في بريطانيا ودول الاتحاد على حد السواء.
أيضاً، كشف تقرير حكومي بريطاني مسرّب في يناير (كانون الثاني) الماضي، عن توقع انكماش الاقتصاد بنحو 8 في المائة في السنوات الـ15 بعد الخروج، في حال فشل الجانبان في التوصل إلى اتفاق. لكن في «سيناريو» توصّل لندن وبروكسل إلى اتفاق تجارة حرة، توقّع التقرير أن يتراجع الاقتصاد بـ5 في المائة، مقارنة مع 2 في المائة فقط إذا بقيت بريطانيا في السوق الأوروبية الموحدة.
في أي حال، لتفادي «سيناريو» قلق الأسواق وانهيار العملة البريطانية غداة «بريكست»، عيّنت الحكومة البريطانية آلاف الموظفين للمساعدة في التخطيط لانتقال سلس بعد انتهاء عضوية لندن في الاتحاد الأوروبي، كما خصصت مبلغ 3 مليارات دولار لتمويل تكاليف الخروج. وبدأ البرلمان البريطاني في نقل الإطار التشريعي الأوروبي إلى القانون البريطاني، بينما تبحث الحكومة عن سبل الحفاظ على التمويل الأوروبي لبعض المشروعات البريطانية، أو الاستعاضة عنه بتمويل بريطاني قبل انتهاء الفترة الانتقالية. إلا أن الأهم من ذلك هي الجهود التي تبذلها لندن لطمأنة قطاع الأعمال؛ إذ نشرت سلسلة مذكرات تفسيرية وتوجيهات للمؤسسات والشركات والأفراد لمواكبة التغييرات التي قد تطرأ بعد خروج دون اتفاق. لكن، رغم تحضيرات الحكومة البريطانية، فإن الأزمة السياسية التي تعاني منها النخبة السياسية الحاكمة تحول دون طمأنينة الأسواق.

رفض أوروبي «خطة تشيكرز»

من ناحية أخرى، في 6 يوليو (تموز) الماضي، خرجت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بخطّة أعلنت أنها ستؤطر «علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي». واعتبرت أن الخطة التي صاغتها مع أعضاء من حكومتها في المقر الريفي لرئاسة الوزراء ببلدة تشيكرز، تحمي الوظائف البريطانية وتحترم نتيجة الاستفتاء. لكن سرعان ما تبيّن أن الخطة لم تلقَ قبولاً لدى أبرز المؤيدين والداعين لـ«بريكست» داخل حكومتها، ولدى قادة الدول الأوروبية الذين اعتبروها «انتقائية لصالح لندن». ودفعت الخطة التي حملت اسم «تشيكرز»، وزيري الخارجية بوريس جونسون وشؤون الخروج ديفيد ديفيس إلى الاستقالة من منصبيهما، وإطلاق حملة ضغوط قد تؤدّي إلى عزل ماي قبل «بريكست». أما قادة الاتحاد الأوروبي، فقد عبّروا عن رفضهم «خطة تشيكرز» خلال اجتماعهم في سالزبورغ بالنمسا الأسبوع الماضي، وطالبوا بإعداد اقتراح بديل في قمة بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول).
تنص خطة ماي على أن تطبق بريطانيا قوانين الاتحاد الأوروبي على السلع، لكن ليس على الخدمات، مع الاحتفاظ بحرية إبرام اتفاقياتها التجارية مع دول من خارج الاتحاد. لكنها ترفض حرية التنقل بين بلادها ودول الاتحاد الأوروبي. وأكدت ماي، أن «ما من خطة أخرى» تحمي الوظائف وتحقق وعود انتخابات 2016 لـ«بريكست»، وتتجنب حدوداً فعلية بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا. وقالت ماي أيضاً، إنه بينما تضع بريطانيا حداً لحرية تنقل العمال من الاتحاد الأوروبي بعد الخروج، ستواصل السماح للشركات والجامعات «بأن تجذب من هم الأذكى والأفضل».
في المقابل، لم يُخف السياسيون الأوروبيون في سالزبورغ استياءهم من «الانتقائية البريطانية». وعبّر وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، بأوضح العبارات عن الرفض الأوروبي لـ«خطة تشيكرز». وقال - وفق موقع «بلومبيرغ» الإخباري، إن خطة ماي تهدد بـ«نهاية أوروبا» إذا اعتُمدت. وأوضح أن «ما يهمّنا أكثر من مستقبل المملكة المتحدة هو مستقبل الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإننا لن نتخذ أي قرار قد يُضعف مستقبل الاتحاد». وأضاف لومير، أن مقترح تشيكرز ينتهك خطوطا حمراء كثيرة. نطالب باتفاق متكامل، وليس (خطة) حول البضائع فحسب». وبدأ أن لومير يتحدث من منطلق أن الموافقة على «خطة تشيكرز» قد تشكل سابقة مفادها أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تستطيع الخروج من الاتحاد والتخلي عن التزاماتها، دون فقدان أي من مميزات السوق الاقتصادية الموحدة.
بدورها، اعتبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هذا الأسبوع أن لندن لم تعبّر بعد عن موقف واضح يتعلق بمستقبل علاقاتها بالاتحاد الأوروبي بعد «بريكست». وأشارت إلى أن الفترة المتبقية ليست سوى «ستة إلى ثمانية أسابيع» للتوصل إلى اتفاق. وتابعت الزعيمة الألمانية في برلين «أمامنا ستة إلى ثمانية أسابيع من العمل الشاق جدا، وبعدها يتعين اتخاذ قرارات سياسية. وهذا رهن إلى حد كبير بما تريده بريطانيا فعلاً، وهذه النقطة ليست واضحة كثيراً». ثم أضافت «يتعين عليّ أيضاً أن أقولها: لا يمكننا الانتماء إلى جزء من السوق الموحدة وليس إلى ثلاثة أجزاء أخرى»، في تلميح لعرض ماي في خطتها إقامة منطقة للتبادل الحر للسلع الصناعية والمنتجات الزراعية، لكن ليس للخدمات والأشخاص.

«فراشة دبلوماسية»

في الأيام القليلة التي أعقبت قمّة سالزبورغ، أكّدت ماي ووزراؤها تمسّكهم بـ«خطة تشيكرز». وقالت في بيان متلفز من مقر الحكومة بـ«داوننغ ستريت»، إن المباحثات وصلت إلى «طريق مسدود» قبل ستة أشهر من موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأسابيع فقط من الموعد الأقصى لإبرام اتفاق ينظم عملية الخروج، محملة بروكسل المسؤولية. وأردفت «طوال هذه العملية، تعاملت مع الاتحاد الأوروبي بكل احترام. لكن المملكة المتحدة تتوقع معاملة بالمثل. والتوصل إلى علاقات جيدة بنهاية هذه العملية يتوقف على ذلك». ومن جانبه، قال دومينيك راب، وزير الدولة لشؤون الخروج، إن بلاده لن «تنتقل من خطة إلى أخرى كفراشة دبلوماسية. سنتمسّك بخطتنا، ونضغط على الاتحاد الأوروبي لمعاملتنا باحترام».
في هذه الأثناء، اعتبرت الصحافة البريطانية أن ماي تعرضت «للإذلال» من قبل القادة الأوروبيين، قبل أيام من اجتماع لحزب المحافظين الحاكم، حيث يقود المشككون بالاتحاد الأوروبي حملة من أجل دفع ماي للتشدد في مفاوضات الخروج أو إسقاطها. وقالت ماي، إنه «ليس مقبولاً أن يتم ببساطة رفض مقترح الطرف الآخر من دون شرح مفصل ومقترحات مقابلة. نحتاج الآن إلى أن نسمع من الاتحاد الأوروبي ما هي المسائل الحقيقية، وما هي البدائل التي يقترحونها، حتى نتمكن من مناقشتها». وأضافت رئيسة الوزراء البريطانية «في انتظار ذلك، علينا أن نواصل العمل من أجل إعداد أنفسنا (لاحتمال) عدم التوصل إلى اتفاق».

بلد مفتوح للأعمال

هذا، وبينما ترسل التطورات السياسية مؤشرات ملتبسة إلى الأسواق، تعمل ماي على طمأنة مسؤولي قطاع الأعمال إلى أن بريطانيا ستكون «مراعية للشركات»، وسيكون لديها أدنى ضريبة على الشركات بين دول مجموعة العشرين. وقالت في تصريحات قبل أيام، إن «بريطانيا في مرحلة ما بعد (بريكست) ستكون بريطانيا مراعية للأعمال من دون شك»، مضيفة، أن على الشركات أن «تتطلع إلى عالم ما بعد (بريكست) بثقة». وأضافت «مهما كان نوع أعمالكم، فإن الاستثمار في بريطانيا ما بعد (بريكست) سيعطيكم أدنى نسبة ضرائب على الشركات بين مجموعة العشرين»، التي تضم 20 من أكبر الاقتصادات في العالم.

«الخيار الكندي المحسّن»

في غضون ذلك، برزت خطة موازية لـ«خطة تشيكرز»، يدعمها وزير الخروج السابق ديفيد ديفيس، والنائب المحافظ المثير للجدل جاكوب ريس موغ. وأصبحت الخطة البديلة تُعرف باسم «الخيار الكندي المحسن». وتنص الخطة، التي روّج لها النائبان البارزان هذا الأسبوع في لندن، على «اتفاق تجارة حرة محسّن» مع الاتحاد الأوروبي بعد «بريكست»، شبيه باتفاق كندا، وفق ما نقلته شبكة «سكاي نيوز». ويقوم اتفاق التجارة الحرة، المعروف بـ«الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة»، الذي تفاوضت عليه أوتاوا مع بروكسل لمدة سبع سنوات، على إزاحة معظم الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع، وبعض المفروضة على الخدمات. ويستثني الاتفاق بعض المواد الغذائية «الحساسة»، على غرار البيض والدواجن. كما تطالب بروكسل كندا بالامتثال لمعاييرها دون المساهمة في صياغتها أو التصويت عليها، فضلاً عن توضيح مصدر تصنيع البضائع المصدرة؛ ما يعيق أو يؤخر عملية التصدير.
لكن تحت هذا الخيار، قد تواجه المصارف البريطانية عوائق للوصول إلى السوق الأوروبية. وسبق أن رفضت رئيسة الوزراء، في خطاب ألقته بفلورنسا في إيطاليا قبل أشهر هذا الخيار، معتبرة أن «بريطانيا قادرة على التوصل لاتفاق أحسن من ذلك». كذلك انتقدت ماي تداعيات هذه الخطة المحتملة على الحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية.

«بريكست» في أرقام

> 51.9%: نسبة البريطانيين الذين صوتوا لصالح «بريكست»
> 39 مليار جنيه (52 مليار دولار): القيمة المتوقعة لفاتورة الطلاق
> ديسمبر 2020: تاريخ انتهاء الفترة الانتقالية
> 2.9 مليون: عدد المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا
> 1.2 مليون: عدد البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي
> 45%: حجم الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».