لبنان يؤكد امتثاله للإجراءات الأميركية ضد «حزب الله»

حزمة عقوبات تطال ممولي مؤسساته بما فيها الإعلامية

TT

لبنان يؤكد امتثاله للإجراءات الأميركية ضد «حزب الله»

انتقل مشروع قانون العقوبات الأميركية الجديدة على «حزب الله»، إلى مرحلة متقدمة تطال الداعمين لمؤسسات إعلامية واقتصادية واجتماعية مرتبطة به، في ما بدت أنها «محاولة عزل الداعمين للحزب الذي يزداد الحصار المالي عليه»، كما قال خبراء.
ويفرض المشروع لأول مرة عقوبات على داعمي «بيت المال» وشركة «جهاد البناء» المعنية بتنفيذ أعمال بناء، فضلاً عن مؤسسات الحزب الإعلامية، مما يهدد المعلنين الذين يبثون إعلانات لهم في تلك القنوات، علماً بأن العقوبات باتت أوسع من مؤسساته العسكرية، وباتت تطال الشريحة الاجتماعية التي تتعاون معه، مما «يساهم في تضييق الخناق عليه أكثر»، بحسب ما قالت مصادر مواكبة للعقوبات السابقة.
وفي حين يسعى مشروع القانون إلى «زيادة الضغط على المصارف التي تتعامل معه»، قال حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، أمس، ردا على سؤال حول اتهامه بالتماهي مع الضغوط الأميركية واستعداده لتطبيق العقوبات: «نحن بصفتنا المصرف المركزي أصدرنا تعاميم مرت عليها فترة من الزمن، ولا تعاميم جديدة، وهذه التعاميم تجعل لبنان ممتثلا للقوانين في دول نتداول عملتها أو نتعامل مع مصارفها». وأشار في حديث إذاعي إلى أن «هذه التعاميم هي نفسها كافية مهما كانت العقوبات الجديدة، لذا لا جديد في هذا الموضوع».
وصوّت مجلس النواب الأميركي بالإجماع، لتمرير مشروع قانون يدعو لفرض عقوبات جديدة وصفت بالقاسية على «حزب الله». وجاء في مشروع القانون أن «العقوبات الجديدة تهدف إلى الحد من قدرة الحزب على جمع الأموال وتجنيد عناصر له، إضافة إلى زيادة الضغط على المصارف التي تتعامل معه وعلى البلدان التي تدعمه وعلى رأسها إيران». وتمنع العقوبات أيضاً أي شخص يدعم الحزب مادياً وبطرق أخرى من دخول الولايات المتحدة.
ويعطي المشروع الرئيس الأميركي صلاحية رفع حظر إعطاء تأشيرات الدخول شرط أن يبلّغ الكونغرس بقراره في فترة لا تتجاوز الستة أشهر، وعلى أن يقدّم أدلة للكونغرس تشير إلى أن قراره يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ويفرض المشروع أيضاً عقوبات على داعمي «بيت المال»، و«جهاد البناء»، و«مجموعة دعم المقاومة»، و«قسم العلاقات الخارجية للحزب»، و«قسم الأمن الخارجي للحزب»، وتلفزيون «المنار»، وراديو «النور»، و«المجموعة الإعلامية اللبنانية». والمقصود بـ«بيت المال» أموال الزكاة التي ينفقها المتدينون لصالح الحزب.
وقال الباحث في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري، إن العقوبات «عادة ما تكون ضمن 3 فئات: العقوبة على الشخص نفسه، وتطال مصالحه أو ثروته، وفئة العقوبة التي تطال المؤسسة التي تقوم بنشاط لصالح الحزب، والفئة الثالثة تطال الممول»، لافتاً إلى أن مشروع القانون يطال الفئة الثالثة بشكل أساسي، لكنه شدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه لا يزال مشروعاً، ولم يرتقِ بعد إلى مستوى القانون المبرم.
ورأى المصري أن العقوبات «تستهدف تجفيف الأموال لمصلحة الحزب في نشاطاته كافة، وهي الأموال التي ترفد من قبل أشخاص (ثالثين) لإعانة مؤسسات الحزب»، لافتاً إلى أن مشروع القانون عملياً «يحظر التمويل الطوعي للحزب والمؤسسات، ويضع من يدفعه تحت طائلة العقوبة».
وأصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب الجمهوري من ولاية كاليفورنيا، إد رويس، بياناً قال فيه: «مقاتلو (حزب الله) يستمرون في قتل المدنيين من أجل الأسد في سوريا، ويجمعون في الوقت ذاته صواريخ على الحدود الشمالية لإسرائيل». وأضاف: «في الأسبوع الماضي فقط، تباهى زعيم الحزب بأنّ لديه صواريخ ذات قدرات دقيقة»، مشيراً إلى أن مشروع القرار «سيبني على العقوبات السابقة المفروضة على (حزب الله) من خلال استهداف تمويله وتجنيده الدوليين وكذلك أولئك الذين يمدّونه بالأسلحة».
ويظهر المشروع الجديد أن دائرة العقوبات تتسع أكثر، بالنظر إلى أنها بدأت بالمسؤولين الحزبيين، ووصلت إلى الكيانات المرتبطة بالحزب، واليوم تطال داعمي مؤسساته، بحسب ما أكد رئيس «مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن البقعة «تتسع ليشتد الخناق أكثر»، موضحاً أنها «لا تجفف مصادر التمويل فحسب، بل تضيق اقتصادياً، وبدأت بمحاولة عزل الداعمين من غير أعضاء الحزب أو مناصريه».
وتطال العقوبات بموجب المشروع المؤسسات الإعلامية، مما يعني أنها «ستطال المعلنين في تلك القنوات، لأن هناك علاقة تجارية ومالية بين المعلن والمؤسسة الإعلامية»، كما قال نادر، مضيفاً: «إنْ لم تكن علاقة تجارية، فهذا يعني أنها ستكون علاقة دعم، وهي أيضاً يحظرها القانون». وأشار إلى أنها «تطال المعلنين في الداخل»، لافتا إلى أن معاقبة المعلنين «تتم عبر المصارف وعبر تقويض الحركة التجارية لهم في العالم».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».