الشعر بقليل من الضوء

محمد النعيمات... في «أصابع وحواف»

الشعر بقليل من الضوء
TT

الشعر بقليل من الضوء

الشعر بقليل من الضوء

تسيطر مشاعر الفقد والحنين والأحلام والذكريات على فضاء ديوان «أصابع وحواف» للشاعر الأردني محمد النعيمات، الصادر حديثا عن دار «الآن» بعمان. وتتحول هذه المشاعر إلى أقنعة ثقيلة، تحتها تتبادل الذات الشعرية الأدوار، مع من رحلوا، ومن ينتظرون الرحيل على أرصفة الحياة الجهمة القاسية. حتى يكاد الديوان أن يصبح مرثية متنوعة الألوان والروائح والصور لأحلام وذكريات معلقة في سقف الماضي والحاضر، يجتهد الشاعر في أن يجعلها حية صالحة لإثارة الدهشة والأسئلة حول الشعر والحياة، وأن تصبح سلاحا ضد عثرات الزمن والنسيان، لكنه مع ذلك، لا يستطيع أن ينتشل نفسه منها، فحين يخاطب ذاته، يأخذ الخطاب شكل المرثية الشجية، على هذا النحو، كما في نص بعنوان «جثة بيضاء» (ص43) يقول فيه:
«بقليل من الضوء
أقف طويلا
كشمعة صغيرة
في وجه الريح
بقليل من الضوء
أحمل فوق كتفي المنهكين
أوزار العتمة
وأحترق وحيدا
تاركا خلفي
مشهدا متوهجا
في ذاكرة الفَراش
وجثة بيضاء ضئيلة
كأثر واضح
في الجانب المعتم
من طاولة العالم الكبيرة».
لكن هل الشعر وسيلة للتذكر، هل يكتب الشاعر ليتذكر الأشياء من حوله، أو يستدعيها من مخزون ذاكرته وطفولته ليبثها شكواه، ويذرف عليها بعض الدمعات الحائرة، أم أنها جدلية الغياب والحضور، تتخفى بتراوحات مغوية، وبقليل من الضوء والعتمة، تحت قشرة اللغة والشعر والعناصر والأشياء، وتدفع الذات في النص الشعري إلى أن تبني موقفها بطاقة حية، تمتلك المقدرة على الحذف والإضافة، على النفي والإثبات، والبحث عن رؤى وزوايا مغايرة للمشهد أيا كان ابن الماضي أو الحاضر أو الغد، ابن الذات بخصوصيتها الحميمة، أو الآخر، بتواطؤاته المراوغة وحنانه المالح.
يدرك الشاعر ذلك، ويعي أنه لا حزن يسعه أو فرح، بل لا أزهار تؤنس حياته، فيكتب في نص (ص31) بعنوان «وصية»: «حين أموت - سأكون صديقا للأزهار»، و«في أحلام يابسة» (ص29) يكتب على لسان الآخر، بضمير الغائب: «كان عليه أن يولد كزهرة - بهدووووء- أن يتلاشى كظل - دون صراخ».
ويجتهد النعيمات على مدار 52 نصا، تتناثر في فضاء 133 صفحة، في أن يجسد كل هذا، ويجعله بمثابة مرآة تومض فيها انفعالاته، عاطفيا ونفسيا واجتماعيا، لكنه مع ذلك لا ينتصر لشيء، فالمرآة مهشمة ومعتمة، شظاياها بالكاد تستجلب الذكرى، وتضعها في النص الشعري، على هيئة مفارقة، لاذعة أحيانا، وأحيانا أخرى فاترة هشة تنعكس فيها مرارة الخارج على الذات الشاعرة، فتصيبها بالإحباط، بل تشوش طاقة الفعل الشعري نفسه، فلا ينجو من الترهل والاجترار.
يطالعنا ذلك في نصوص كثيرة بالديوان، حيث تبدو الذات الشاعرة مهمومة بتقديم إجابات عن أسئلة غير مرئية، مفترضة، ومتوهمة بل لا وجود لها أصلا، وزائدة عن الحالة والمشهد اللتين يلتقطهما النص... يقول الشاعر في نص (ص 11) بعنوان «جرار طافحة»:
«إنه فمي
وهاتان اللتان تبكيان: عيناي
ولكنه ليس صوتي
وهذه ليست دموعي
فأنا ولدتُ كجرّة صغيرة فارغة
لا دموع فيها
ولا صرخات
ربما لأن جسدي
كان ضئيلا
لا يتسع لشيء
أو لأن جلدي كان رقيقا
لا يصلح ليكون حقيبة».
كان ممكنا - برأيي - أن ينتهي النص هنا، محققا دفقة شعرية مفتوحة بحيوية على براح التأويل والدلالة... لكن الذات الشاعرة، وتحت وطأة مرآة الذكريات المهشمة، تجره إلى منطق تفسير المعني، بشكل به قدر من التزيد، لا مبرر فنيا له، بل يشوش على هذه الدفقة، بصور سردية تقريرية، لا تضيف إلى النص، وتصبح عبئا عليه. الأمر نفسه يطالعنا في قصيدة «الحب كلمة لينة»... جميل أن يفكر الشاعر في الحب «كنافذة صغيرة في جدار أصم، ويد دافئة تلوح من بعيد» أو «كغصن أخضر في شجرة يابسة، وطوق نجاة وحيد في قارب يغرق، وكحقيقة في وجه الفقراء»... لكن هذا الجمال يفتر، ويصبح مجرد كلاشيه واستطرادا مجانيا، حين تفكر الذات الشاعرة في الحب كوجع في أغاني الجنود، وعطر في رسائل الحبيبات، وكدمات زرقاء في الكتابة عن البلاد... إلخ النص.
قد يبدو من المهم هنا، يقظة الشاعر، ومعرفته في أن يخترع قيوده، ليوسع بها من فضاء الحرية في نصه، حتى ينمو بعفوية، دونما ابتسار أو زوائد. فثمة قواعد للعب، ثمة أطر من الجميل أن تتمرد عليها، لتكتشف أطرك الخاصة، وهو ما يتحقق بالفعل في الكثير من نصوص هذا الديوان، حين يترك الشاعر المسافة حرة بينه وبين ذاته، وبينها وبين الموضوع، تتشكل بحيوية من تلقاء نفسها، وتعيد اكتشاف قوتها وهشاشتها بمحبة الشعر أولا وأخيرا.
يرثي النعيمات، الشاعر بسام حجار، مدركا أن لعبته ومرثيته خرجتا من سياق الواقع، إلى سياق الزمن، وأن الموت لن يعيدهما إلى فطرتهما الأولى وبداهتهما الأولي، قائلا في نص بعنوان «إلى بسام حجار» (ص65):
«لو أنكَ
بقيتَ قليلا
لو أنكَ
حين تسللتَ هاربا
من باب حياتك الخلفيِّ
التفتَ إليَ
وأنا ألوِّحُ لكَ بنظارتكَ التي نسيتها
على الطاولة
لو أنك تركت لي
على حافة النافذة مفتاحَ حياتك،
حياتك التي تركتها مضاءة
كما لو أنك ستعود بعد قليل».
اللافت في هذا النص، أن ما يوحي به عنوان الديوان «أصابع وحواف» من صراع شفيف ومضمر بين رائحة الأشياء، والرغبة في ملامستها، والإحساس بما يفور في داخلها، من انفعالات ومشاعر ورؤى يختصره مشهد الموت بانخطافه المباغت، ويحوله إلى فعل ملاحقة للزمن، تعايشه الذات الشاعرة، وتسعي إلى أن تلمس حوافه في الحياة والوجود، بقوة الشعر ومحبته، وكأن الشعر ذاكرة للنسيان، ذاكرة حية في براح الحلم والذاكرة. وهي اللقطة التي يجسدها الشاعر في نص قصير وعلى نحو واخز، بعنوان «لي أسماء» (ص123)، تنفتح فيه الذات بأسى ولوعة على براح الآخر قائلا:
«الذين يرحلون
دون أن يودعوننا
- كما لو أنهم تذكروا فجأة
موعدا مهما -
لماذا ينسون أسماءهم دائما
- كالمفاتيح -
على مقاعد قلوبنا
ولا يعودون ؟!».
إن ثمة إحساسا ما بالنقص تجاه الوجود والبشر والعناصر والأشياء يتناثر في أجواء النصوص، تردمه أحيانا طاقة الخيال في الشعر، وتحوله إلى مرثية شيقة، لكن فجوته سرعان ما تتسع في سقف الذاكرة والحلم، وليس على الذات الشاعرة، سوى أن تتذكر أن خيوط اللعبة كلها بيدها. لقد سعى هذه الديوان وبلغة شعرية سلسلة، أن يمسك بهذه الخيوط، يقلَّب خفتها وثقلها في النص،، وأثق أن بعض الخيوط التي انفلتت منه هنا، ستتكثف وتشف أكثر في دواوينه المقبلة بضوء أكثر وعتمة أقل.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».