حكومة ابن كيران.. حصيلة «منتصف الطريق»

تجاوزت بسلام رياح «الربيع» و«الخريف» العربيين.. وعينها على الانتخابات

حكومة ابن كيران.. حصيلة «منتصف الطريق»
TT

حكومة ابن كيران.. حصيلة «منتصف الطريق»

حكومة ابن كيران.. حصيلة «منتصف الطريق»

لم يتوقف عبد الإله ابن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية الإسلامي، منذ توليه رئاسة الحكومة المغربية في يناير (كانون الثاني) 2012، عن الترديد بأن حزبه أنقذ البلاد من مصير كان يتربص بها، ألا وهو عودة سياسة التحكم والتسلط التي كانت ستلقي بالمغرب إلى المصير ذاته الذي واجهته دول الربيع العربي.
ولم تفته الإشارة إلى هذا الأمر مجددا في العرض الذي قدمه أخيرا أمام البرلمان، بشأن حصيلة حكومته في نصف ولايتها، مؤكدا أن أحد أهم إنجازات التجربة الحكومية هو مساهمتها في إخراج البلاد من مرحلة سياسية واقتصادية حرجة، وتجاوز تحديات «الربيع»، ثم «الخريف» العربيين.
خلال نهاية الأسبوع الماضي اجتمع أعضاء الأمانة العامة للحزب، ونوهوا بعرض ابن كيران و«الإنجازات الحكومية النوعية» التي تحققت «رغم الأوضاع الموروثة والمشاكل المتراكمة والإكراهات والصعوبات المحيطة بالتجربة داخليا وخارجيا، ورغم كل محاولات التبخيس والتيئيس»، في إشارة إلى موقف المعارضة وموقف حلفاء الأمس أيضا.
تعرضت حكومة ابن كيران لهزة قوية عندما قرر حليفه الرئيس، حزب الاستقلال، الانسحاب منها في مايو (أيار) 2013، وانتقاله إلى المعارضة، وبمجرد أن غير موقعه تغير خطاب الحزب ونوابه في البرلمان 180 درجة، وشنوا هجوما شديدا على مختلف القرارات والمبادرات التي أعلنتها الحكومة، رغم أن الحزب كان يتولى إحدى الوزارات المهمة فيها، هي الاقتصاد والمالية.
وقال نور الدين مضيان رئيس الفريق النيابي لحزب الاستقلال ساخرا لـ«الشرق الأوسط» إن ما قدمه ابن كيران أمام البرلمان لا يمكن أن نطلق عليه اسم حصيلة بل «حصلة»، وتعني ورطة، وتساءل أي حصيلة سنتحدث عنها في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد؟ فلغة الأرقام هي اللغة الحقيقية التي يمكن الاستناد إليها، بيد أن هذه الأرقام عبارة عن أرقام وهمية تظل بعيدة عن التصريح الحكومي الذي قدمه ابن كيران عقب تشكيل حكومته، سواء على مستوى نسبة النمو أو معدل البطالة.
وأضاف مضيان أن ما صرح به ابن كيران عبارة عن إنشاء وأماني، وليست حقائق، فالأرقام التي تعلن عنها المؤسسات الدولية أو المؤسسات المغربية، ومن بينها المندوبية السامية للتخطيط (بمثابة وزارة التخطيط) تفند كل ما تحدث عنه.
وزاد قائلا: «لم تتحقق ولو نسبة 10 في المائة مما وعد به ابن كيران، والالتزامات التي التزم بها حزبه أمام ناخبيه خلال الانتخابات التشريعية عام 2011، التي منحته المرتبة الأولى؛ فهو لم يفِ بوعوده، لا في مجال محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية ولا في خفض نسبة البطالة إذ لم يجرِ توظيف سوى 20 ألف شخص خلال ثلاث سنوات. كما لم يجر تحسين المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ناهيك من تدني الخدمات الصحية والتعليمية والسكن ومختلف القطاعات الاجتماعية.
وقال مضيان: «كان على ابن كيران أن يتحدث بصراحة، ويقر بأنه فشل في تطبيق برنامجه، وأنه لم يستطع الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه، ويقول: أنا لست مستعدا للاستمرار في هذه المسؤولية». ولم يتوقف مضيان عند هذا الحد، بل قال إنه «أمام ابن كيران خياران، إما أن يعتذر للمغاربة، وإما أن يترك المقعد لغيره، لكنه لم يعد يمتلك الشجاعة التي كان يمتلكها عندما كان حزبه في المعارضة».
وعد محمد العمراني بوخبزة الباحث المغربي في العلوم السياسية تقييم حصيلة الحكومة في نصف ولايتها محطة مهمة، في تجربة أول حكومة بعد دستور 2011، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تقييم أداء الحكومة الحالية على المستوى السياسي عملية مهمة أكثر من أي حكومة سابقة، لأنها حكومة تأسيسية أشرفت على تنزيل الدستور، وأعادت الثقة للعمل السياسي في المغرب.
وأوضح أنه لا يمكن الجزم بأن الحصيلة إيجابية أو سلبية، لأنه في التقييم السياسي لا يعتمد هذا المنطق، فوجهات النظر تظل مختلفة، في رأيه، بشأن التعامل مع العمل الحكومي طالما أن المجالات التي تشتغل فيها الحكومة مرتبطة بالفئات الاجتماعية ومصالحها المختلفة، فما قد يعده البعض إيجابيا يراه الآخرون سلبيا.
وأضاف بوخبزة أن ما ينبغي التأكيد عليه في عملية التقييم هو مدى التزام الحكومة بتفعيل ما تعهدت به في تصريحها الحكومي، فهي تعاقدت مع البرلمان على أساس برنامج عمل، وبالتالي ينبغي أن يجري التقييم من هذه الزاوية، طالما أنه لا يمكننا في المغرب تقييم عمل الحكومة من خلال البرنامج الانتخابي الذي يبقى الأهم، من وجهة نظره، لأنه تعاقد ما بين الشعب والأحزاب التي تبارت في الانتخابات التشريعية، إلا أن الحكومة الحالية ائتلافية وغير مرتبطة بحزب أو تيار سياسي واحد.
وأوضح الباحث المغربي أن هناك نسختين من حكومة ابن كيران؛ الأولى التي كانت تضم حزب الاستقلال، والثانية التي التحق بها حزب التجمع الوطني للأحرار، لذلك فالأمور اختلفت نوعا ما بين النسختين، وإن كان ليس بشكل كبير، إلى درجة تغيير طبيعة وخصوصية الحكومة بشكل كلي. لم يتلقَّ ابن كيران سيل الانتقادات من معارضيه فحسب، بل طاله حتى من الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي نفسه، التي انتقلت إليها عدوى التهديد بالانسحاب من الحكومة بعد خروج «الاستقلال» منها، من بينها حزب التقدم والاشتراكية اليساري، وإن كان التهديد لم يأتِ من أمينه العام محمد نبيل بن عبد الله، الذي أظهر مساندة مطلقة لابن كيران، بل من أعضاء داخل الحزب لم يستسيغوا وجودهم في حكومة يرأسها حزب إسلامي يختلفون معه في المرجعيات، لذلك كان الحزب يعارض بعض القرارات التي عدها «غير شعبية» صادرة عن الحكومة التي يشارك فيها.
ويقول محمد كرين المحلل الاقتصادي والقيادي في حزب التقدم والاشتراكية لـ«الشرق الأوسط» إن خطاب رئيس الحكومة لم يأتِ إجمالا بأشياء غير منتظرة، لأنه كان عرضا الهدف منه تقديم حصيلة العمل الحكومي إلى ممثلي الأمة، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون في جزئه الأول عبارة عن جرد واستعراض لمنجزات الحكومة خلال النصف الأول من ولايتها، وهي أمور معروفة من طرف كل المتتبعين، لأنه سبق الحديث عنها في مناسبات عدة.
وأضاف: «كان ينتظر أن يأتي الجزء الثاني من الخطاب المتعلق بعمل الحكومة خلال النصف المتبقي من ولايتها بالجديد، لا سيما فيما يتعلق بالإصلاحات الكبرى في قطاع التربية والتعليم ومنظومة العدالة واستراتيجية التشغيل والنظام الجبائي ونظام المقاصة (نظام دعم المواد الأساسية) ومنظومة التقاعد. إلا أن العرض كان في هذه القضايا مطبوعا بالاقتضاب وقلة الأرقام، مكتفيا بالإعلان عن المبادئ العامة».
وأعطى كرين مثالا على ذلك بالميدان الضريبي، إذ إن رئيس الحكومة اختزل الإصلاح الضريبي في بعض التدابير، منها استرجاع المقاولات لفائض الضريبة على القيمة المضافة، دون أن يقدم تفسيرا لمغزى الزيادات التي طرأت على هذه الضريبة المضافة بالنسبة لبعض المنتجات والخدمات، والتي جاء بها قانون المالية(الموازنة) لسنة 2014.
في حين أنه كان من الضروري، يضيف كرين، تقديم تصور شامل لإصلاح جبائي حقيقي يؤسس لنظام ضرائب من جيل جديد، عادل وذكي يضمن تطور التنافسية ودينامية الاقتصاد الوطني، مع تعزيز السلم والتماسك الاجتماعيين، ويدخل في إطار استراتيجية مندمجة تشمل كل القطاعات الأخرى المرتبطة فيما بينها، كمنظومة التقاعد ونظام المقاصة لدعم أسعار المواد الأساسية.
وأورد كرين ملاحظة عامة عن العرض الذي قدمه ابن كيران، وقال إنه «يعطي الانطباع بكونه يتحدث كمسؤول حزبي أكثر منه كرئيس الحكومة وقائد لأغلبية تتكون من عدة أحزاب»، مستشهدا بقوله: «كلما رأينا من مصلحة بلادنا في اتخاذ قرار ما، سنتخذه ولو ضد مصلحة حزبنا»، في حين أنه كان عليه، يضيف كرين، أن يتكلم بصيغة الجمع عن الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية بصفته رئيسا لهذه الغالبية. لكن النائب عبد اللطيف بروحو المنتمي لحزب العدالة والتنمية وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب له رأي مختلف، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة وجدت نفسها أمام أزمة اقتصادية ومالية مستفحلة وأمام نزيف حاد يهدد استقرار المجتمع، كما وجدت نفسها أمام إشكالات كبرى عمقتها هذه الأزمة وعجزت الحكومات السابقة عن مواجهتها، وعلى رأسها ملفات المقاصة، والتقاعد، وتفشي الفساد المالي والإداري، وضعف قدرة القطاع الخاص عن مواجهة الحاجيات التنموية المتزايدة.
وأضاف أن الحكومة حرصت على إعطاء بعد اجتماعي للتنمية الاقتصادية، وذلك عبر تضمين قوانين المالية السنوية عدة مقتضيات تتعلق بدعم القطاع الخاص وتخفيض التكلفة الضريبية عن المؤسسات الصغرى من 30 في المائة إلى 10 في المائة، كما رفعت نسبة استفادتها الإلزامية من الصفقات العمومية إلى 20 في المائة، وخصصت سنويا اعتمادات مالية تفوق 400 مليون درهم (47.6 مليون دولار) لدعم المقاولات الوطنية ورفع تنافسيتها.
كما حرصت الحكومة بمقابل ذلك على تخصيص 500 مليون درهم (59.5 مليون دولار) للتعويض عن فقدان العمل. كما حرصت على إحداث صندوق التماسك الاجتماعي وتخصيص أزيد من ملياري درهم (238 مليون دولار) سنويا كاعتمادات مالية تهدف بالأساس لتقليص الفوارق الاجتماعية والسماح باستفادة الفئات الاجتماعية الفقيرة بشكل أكثر عدالة وإنصافا من ثمار التنمية ومن تطور الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن الاستقرار الاجتماعي الذي استطاعت الحكومة تحقيقه نسبيا، بالموازاة مع الاستقرار السياسي، سمح بتحسن كبير في المؤشرات الماكرو - الاقتصادية للبلاد.
وأوضح بروحو أن الحكومة استطاعت تجاوز الظرفية الاقتصادية الصعبة التي خيمت على السنة المالية 2012. وحققت اختراقا مهما على مستوى مختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية، مستشهدا بارتفاع حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة تفوق 20 في المائة سنة 2013 رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي وتحقيق الاتحاد الأوروبي نسبة نمو في حدود واحد في المائة، مشيرا إلى أن هذا التطور الكبير يعود بالأساس لثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد المغربي، وفي الاستقرارين السياسي والاجتماعي اللذين حققهما.
أما النائب الشرقاوي الروداني المنتمي لحزب الأصالة والمعارضة المعارض، فلم ينسب للحكومة أي إنجازات تُذكر، وقلل من أهمية الحصيلة التي أعلن عنها ابن كيران، وقال إن مؤسسة رئيس الحكومة لديها من الصلاحيات الدستورية ما يخول لها أخذ المبادرة وتحقيق برنامجها الحكومي المتعاقد حوله مع الكتلة الناخبة. لكن المقاربة التنموية المعتمدة من قبلها لا تعدو أن تكون دوغمائية، برأيه، مسجلا غياب أي استراتيجية لديها للنهوض بمشاكل المواطنين.
وأضاف أن ابن كيران بدل أن يبدع في تقديم حلول لمشاكل الاقتصاد، ابتدعت مؤسسته خطابا مبتذلا دخيلا على المجتمع المغربي، بل هناك أكثر من أغلبية متشكلة، وفي كل مرة تبرز مواقف متباينة جعلت الخطاب السياسي ينغمس، من وجهة نظره، في الدونية والسلبية وهو ما يؤثر على الأداء الجماعي للممارسة السياسية التي أصبحت تتميز بالاحتقان.
وقال الشرقاوي إن مجموعة من القرارات البنيوية المتعلقة بأوراش استراتيجية ترهن مستقبل الأجيال المقبلة، تعرف التخبط والاستهتار مثل صندوق المقاصة، ومنظومة التقاعد وهيكلة النظام الجنائي، أما على المستوى الاجتماعي، فلم تستطع الحكومة إشاعة جو من الثقة، وبدلا من ذلك لاحظ تعثر الحوار الاجتماعي وتعذر التعامل الإيجابي مع المطالب المشروعة للطبقة العاملة.
أما على مستوى تطبيق الدستور، فالحكومة الحالية الملزمة بتطبيقه، هي من تجاوزته في عدة مناسبات، وذلك من خلال مصادرة حق البرلمان في التشريع.
وفي السياق ذاته، تطرق الباحث العمراني بوخبزة إلى أهمية التشريع، وقال: إن الغاية من إقرار الدستور هو الانتقال بالمغرب من وضع إلى وضع آخر، سماته الأساسية هو التوافق وتحقيق الاستقرار السياسي وإشاعة جو من الثقة بين مكوناته انطلاقا من اعتماد آليات ومؤسسات دستورية، وبالتالي كانت الحكومة مطالبة بتهيئة الكثير من القوانين التنظيمية والعادية، منها قوانين جديدة كليا وأخرى كانت تحتاج إلى مراجعة وتعديل، فعلى هذا المستوى، يضيف العمراني، كانت هناك قوانين محل نقاش عمومي، وخرجت إلى حيز الوجود، في حين أن هناك قوانين أخرى ما زالت تنتظر رغم أن الحكومة كانت قد صاغت مخططا تشريعيا تتعهد من خلاله بتنزيل مضامين الدستور وفق مدة زمنية محددة، لأن الدستور الحالي يلزمها بأن تصدر مشاريع القوانين التنظيمية قبل نهاية ولايتها التشريعية.
ولاحظ العمراني بوخبزة وجود تأخر على هذا المستوى، وهو ما أثر بشكل كبير على أداء المؤسسات، وعلى رأسها البرلمان الذي ظل يشتغل وفق نمطين مختلفين فمجلس النواب (الغرفة الأولى) يشتغل وفق دستور 2011، ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية) وفق دستور 1996، كما أن هذا التأخير أثر كذلك على طبيعة العلاقة ما بين البرلمان والحكومة.
وسجل الباحث المغربي أيضا وجود تأخر في إقرار عدد من المؤسسات المنصوص عليها في الدستور، لا سيما تلك المرتبطة بالحكامة التي لها دور أساسي في حماية الحقوق والحريات والرقي بأداء الأجهزة الإدارية، كما كان هناك تأخر في إقرار المساهمة الشعبية في التشريع، من خلال إصدار القوانين التنظيمية الخاصة بالحق في تقديم العرائض الشعبية، وتقديم الملتمسات التشريعية.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان إشراف الحكومة على الانتخابات المقبلة يعد مكسبا سياسيا كبيرا؟ قال العمراني بوخبزة إن الانتخابات تعد مسألة جد مهمة لقياس مدى التطور الحاصل في الأداء الحكومي، مشيرا إلى أن الإشراف الحكومي على الانتخابات العام المقبل يطرح بدوره الكثير من التساؤلات حول مدى تبعية وزارة الداخلية للحكومة، إذ إن هناك من يلاحظ وجود انفصام ما بين وزارة الداخلية، التي يشرف عليها تكنوقراطي (الوزير محمد حصاد)، والحكومة.
وقال: إن هذا الأمر يظهر من خلال تصريحات ومواقف الطرفين المختلفة، وتساءل: هل وزارة الداخلية تابعة للحكومة، وتعتمد أجندتها أم لها أجندتها الخاصة، مذكرا بوجود أصوات أخرى تطالب بلجنة تقنية للإشراف على الانتخابات.
يُذكر أنه خلال تقديم ابن كيران لحصيلة حكومته في نصف ولايتها، رفعت نائبات من أحزاب معارضة لافتات كُتب عليها عبارات تنقد تصريحات سابقة لابن كيران داخل البرلمان وصف فيها النساء بالثريات، في سياق حديثه عن المشاكل التي أصبحت تعيشها الأسر المغربية بعد خروج المرأة للعمل، وهي تصريحات كانت كافية لكي تدعو عدد من الجمعيات النسائية إلى التظاهر أمام البرلمان ضد رئيس الحكومة، لكنها لم تكن المرة الأولى، فالمنظمات النسائية وغالبها ذات توجه يساري لم تكن أبدا راضية عن مبادرات الحكومة الساعية إلى تحقيق المساواة والمناصفة.
وتأخذ هذه الجمعيات على الحكومة تأخرها في إخراج عدد من المؤسسات والقوانين، من بينها هيئة المناصفة التي أقرها الدستور، وقانون محاربة العنف ضد النساء، بل اعترضت حتى على اسم الخطة الحكومية للنهوض بأوضاع النساء (إكرام)، وقالت إن الاسم يحيل على مقاربة إحسانية، وليست حقوقية، لتنضاف الجمعيات النسائية إلى جبهة المعارضة الواسعة التي يواجهها ابن كيران. ولذلك فإن سباق ما تبقى من ولاية ابن كيران الحكومية لن يكون مريحا، نظرا لأن الطريق الذي سيسلكه السباق مليء بالمنعرجات والمطبات، التي تجعل المراقبين يتساءلون ما إذا كانت الحكومة قادرة على إكمال نصف ولايتها بأقل الخسائر.



اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟