مفاوضات الفرصة الأخيرة لتجنب هجوم النظام على إدلب

«هيئة تحرير الشام» تترك باب الحل مفتوحاً... وغوتيريش يحذر من استخدام «الكيماوي»

TT

مفاوضات الفرصة الأخيرة لتجنب هجوم النظام على إدلب

تتواصل المفاوضات بين مختلف الأطراف الخميس حول مصير إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المقاتلة و«هيئة تحرير الشام» في سوريا، في محاولة لتجنب هجوم واسع النطاق يحضر له النظام السوري لاستعادة المحافظة، فيما حذرت الأمم المتحدة من أنه قد يؤدي إلى كارثة إنسانية كبرى.
وتستعد قوات النظام السوري لما قد يكون المعركة الأخيرة الكبرى في النزاع الدامي الذي تشهده البلاد منذ 2011، لاستعادة محافظة إدلب عقب سيطرتها على كثير من معاقل المعارضة المسلحة في مختلف أنحاء البلاد هذا العام.
وتحاول «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتركيا، استخدام نفوذهما لتجنب هجوم واسع النطاق على إدلب.
وقال رامي عبد الرحمن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إن «المفاوضات إلى الآن لا تزال مستمرة بين المخابرات التركية و(هيئة تحرير الشام) والفصائل المتطرفة».
وترغب روسيا، التي ساعد تدخلها العسكري في 2015 لدعم النظام السوري في استعادة قوات النظام للأراضي التي خسرتها في الأيام الأولى للنزاع المستمر منذ سبع سنوات، في تفكيك «هيئة تحرير الشام»، بحسب ما قال عبد الرحمن. وأضاف: «هذا هو الشرط الذي فرضته موسكو لتجنب عملية عسكرية واسعة النطاق (...) التي يبقى شنها أو تعليقها رهينة فشل أو نجاح المحادثات مع هيئة تحرير الشام».
في تصريحات نشرتها في وكالة «إباء» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام»، يبدو أن الهيئة تترك الباب مفتوحاً لحل تفاوضي.
قالت «هيئة تحرير الشام»، إن «موضوع حل الهيئة - إن صح - فهو أمر داخلي يناقش داخل مجلس شورى الهيئة، وليس عبر إملاءات داخلية أو خارجية».
وأضافت: «نحن في (هيئة تحرير الشام) نسعى جاهدين للوصول إلى حل ناجع في الشمال المحرر، يحفظ أهلنا من عدوان محتمل للنظام المجرم وحلفائه».
وفيما تدعم تركيا فصائل مسلحة من المعارضة في إدلب، فإن نفوذها على الهيئة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، ليس واضحا، وحذر عبد الرحمن من أن فرص النجاح ضئيلة.
وقالت المحللة إليزابيث تيومان من معهد دراسات الحرب «ستادي أوف وور»، إن «علاقة تركيا بـ(هيئة تحرير الشام) معقدة، وأفضل وصف لها هو أنها عداوة تعاونية».
وتملك كل من تركيا وروسيا وإيران «نقاط مراقبة» في إدلب، في إطار اتفاق إقامة مناطق «خفض التوتر» الذي تمت الموافقة عليه العام الماضي، ويهدف إلى خفض العنف في المحافظة.
ولكن ومع اقتراب هجوم النظام، يعزز الجيش التركي نقاط مراقبته الـ12 هناك.
وخلال مؤتمر صحافي، لمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن الهجوم ربما أصبح وشيكا. وقال: «من الضروري الفصل ما بين ما يسمى بالمعارضة المعتدلة وبين الإرهابيين، وفي الوقت ذاته تحضير عملية ضدهم مع تقليل المخاطر على المدنيين». وأضاف: «يجب تصفية هذا الجرح المتقيح».
كما أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الأربعاء، محادثات لم تعلن مسبقا مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة. واستمر الاجتماع بين جواد ظريف وإردوغان زهاء الساعة، إلا أنه لم يرشح أي شيء عما دار فيها.
وذكر الإعلام الروسي هذا الأسبوع أن موسكو تعزز وجودها العسكري في المنطقة، وأصبح لديها عشر سفن وغواصتان في المياه السورية.
وأثار احتمال شن هجوم واسع بدعم من روسيا لاستعادة المحافظة البالغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة - نحو نصفهم قد نزحوا - المخاوف من وقوع مأساة إنسانية أخرى.
وأبدى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الخميس، استعداده للتوجه إلى إدلب من أجل المساهمة في «تأمين ممر إنساني».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حذر، الأربعاء، من «الخطر المتنامي لحدوث كارثة إنسانية في حال حصول عملية عسكرية واسعة النطاق، في محافظة إدلب في سوريا». كما حذر في بيان في نيويورك، من استخدام أسلحة كيماوية. وقال الأمين العام إن أي استخدام لهذا النوع من الأسلحة، غير مقبول تماما، ودعا الحكومة السورية، وجميع أطراف الصراع إلى التزام ضبط النفس.
ومن بين المخاوف الرئيسية أن يقوم النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية، بعد أن اتهمه الغرب باستخدام هذه الأسلحة العام الماضي، في عملية ضد الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية.
كما أن محافظة إدلب شكلت وجهة لإرسال عناصر الفصائل المقاتلة والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من جيوب معارضة، بموجب «اتفاقات تسوية» في الأشهر الأخيرة.
والمقاتلون الذين يرفضون اتفاقات مماثلة في إدلب، ليس أمامهم أي مكان للتوجه إليه، ما يزيد من فرص حصول معارك أكثر دموية في حال شن هجوم واسع النطاق. وذكر معهد «صوفان غروب» أن إدلب «شكلت ملجأ للمقاتلين والمدنيين اليائسين، ولكن الآن لا توجد إدلب أخرى يمكن أن يفروا إليها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.