مهن في عباءة الإبداع

كتّاب وفنانون مصريون يرون أنها عمقت تجاربهم

سلوى بكر  -  عادل السيوي
سلوى بكر - عادل السيوي
TT

مهن في عباءة الإبداع

سلوى بكر  -  عادل السيوي
سلوى بكر - عادل السيوي

غالباً ما تكون مهن الكتاب ذات انعكاسات سلبية على كتاباتهم، وبخاصة في بلداننا العربية، حيث التفرغ نادر، واعتماد الكاتب على مبيعات كتبه شبه معدوم؛ مما يضطره إلى العمل في مهن أخرى، قد تتناقض تماماً مع شخصيته واهتماماته الأساسية، فتستنزف طاقته، وتستهلك كثيراً من وقته، المفروض أن يكرّس لنتاجه وإبداعه. من ناحية أخرى. لكن هناك من يرى أن مهنته قد انعكست إيجابياً على كتاباته، وشكلت مصدراً مهماً في رفد تجربته على شتى المستويات:
هنا آراء كتّاب وروائيين وتشكيليين مصريين حول معادلة العمل والإبداع:
- الكاتبة سلوى بكر: وزارة التموين... والصحافة
تخرجت في كلية التجارة جامعة عين شمس عام 1972، وتم تعيني في وزارة التموين مفتشةً، في تلك السنوات كانت الدولة هي التي تقوم بتعيين الخريجين الجدد. وأتاحت لي هذه المهنة فرصة عظيمة للتعرف على القاع الاجتماعي والحياة المجردة للشارع المصري كما هي موجودة بالفعل. عملت نحو 6 سنوات التقيت فيها نماذج إنسانية متباينة، وتعرفت على آليات القهر الاجتماعي المقننة، التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها من الأمور الطبيعية أو من قبيل البديهيات. وعشت لحظات تاريخية في أثناء عملي هذا، فرأيت على سبيل المثال بأم عيني كيف بدأت ثورة الجوع في مصر (مظاهرات الخبز) عام 1977.
كانت أوقاتاً عصيبة؛ لأن الثورة بدأت بالفعل عندما توجه الفقراء إلى مكاتب التموين الحكومية للتساؤل عن أسباب رفع الأسعار المفاجئ للسلع الغذائية الأساسية، وما يطلق عليها السلع الاستراتيجية، مثل الخبز والأرز وما شابه. هذه الفترة من عملي كانت مؤثرة في إنتاجي الأدبي فكتبت قصة بعنوان «أم شحته»، وكذلك قصة «امرأة على العشب»، كما أن الكثير من خيوط عوالم روايتي «العربة الذهبية لا تصعد للسماء» مستمدة مما لمسته وعشته عن قرب في تلك الأثناء. على مستوى آخر من المهن، عملت صحافيةً في صحيفة لبنانية، فانتقلت على أثرها إلى بيروت. وأتاح لي هذا العمل، الذي كان خلال فترة احتدام الصراع العربي – الإسرائيلي، والعدوان الصهيوني على أشده في لبنان، إنتاج مجموعة من القصص والكتابات عن نماذج إنسانية ولحظات فارقة تتعلق بهذا الزمن الذي لم أعش مثله من قبل كقصة «ابن خمسين يوم» و«عباس أجوسك». إن المناخات التي يحيا على متنها المبدع مؤثرة في تركيبته الإبداعية، وتعد بمثابة مصادر خام حية ترفد تجربته على شتى المستويات؛ فقد تأثر مناخ كتابتي بعوالم المهن التي اشتغلت بها، وربما أيضاً يتضح ذلك في رواية «ليل ونهار»، وهي رواية عن علاقة بين صحافية شابة ورجل ثري، وكنت متأثرة في ذلك بأجواء العمل الصحافي الذي عشته في بيروت وقبرص وتونس.
تأثير هذه التجارب لم يقتصر على المستوى النفسي أو الإدراكي، بل على المستويات التقنية والأدوات كاللغة، فعندما تخالط جماعات إنسانية في مستويات اجتماعية وثقافية متباينة، فهذا دون شك سيؤثر على المنظومة اللغوية داخلك، فربما عملي مفتشة تموين ومخالطتي الطبقات الشعبية كان وراء حرصي على استنطاق كل شخصية من شخصيات أعمالي القصصية أو الروائية بلغتها، وتفعيل قاموسها اللغوي الخاص بها، وتعلمت أيضاً من خلال المعايشة أن أنتبه إلى بلاغة الذين يبدون للوهلة الأولى وكأن لغتهم تفتقر إلى البلاغة، حيث اكتشفت أن الناس تتحدث بما أسميه بـ«فصيح العامية».
- الفنان عادل السيوي: الطب والرسم
بدأت علاقتي بالمهنة منذ تخرجي في كلية الطب جامعة القاهرة سنة 1970، لكنني لم أجرب أبداً الإحساس المكتمل بكوني طبيباً. في بداية الدراسة كنت متفوقاً، وعندما بدأت الشكوك تساورني حول علاقتي بهذه المهنة انعكس ذلك على تحصيلي وحماسي، لكنني تخرجت رغم ذلك بتقدير جيد جداً.
الطب مهنة ساحرة بالفعل ومدهشة بقدر غموض وغرابة حضورنا الجسدي الحي داخل هذا الكون المصمت، حيث إن اكتشاف الجسد بوصفة آلة بيولوجية، ثم التعرف على الوظائف، ثم مناطق الخلل وطرق تشخيصها وصولاً إلى الحلول الممكنة. إنها رحلة بديعة من التأمل والذكاء، والخبرة، والحدس، ومن التعاطف والتضامن أيضاً بين الأحياء إلى جانب الكثير من الأرقام والتحاليل وخلافه. ثم، درست وأنا طالب طب بالقسم الحر في بكلية الفنون الجميلة عامين متواليين، وكان لذلك دلالة على أن علاقتي بالرسم قد تجاوزت حدود الولع. لكن الفترة التي يمكن أن أقول إنها قد تركت بصمة كبيرة على روحي من جراء المهنة هي السنة وبضعة الأشهر التي قضيتها بمستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية طبيباً نفسياً، والتي قررت بعدها السفر إلى إيطاليا وقطع علاقتي بالطب تماماً، حيث أدركت في تلك الفترة القصيرة مدى هشاشة العقل وقابلية الروح للانشطار، بل التفتت، وفهمت قوة الجنون وقدرته الفذة على خلق منطق صلب لا يقبل القسمة على اثنين. وما بين ترك الطب واحتراف الفن عبرت بفترة انتقالية طويلة عملت خلالها مترجماً، وهي المهنة التي أدخلتني إلى علاقة مغايرة باللغة، والنصوص، وقادتني بعد ذلك للانتقال إلى الترجمة اختياراً حراً، لا يكلفني بها أحد، أترجم نصوصاً أحبها كنظرية التصوير لليوناردو دافنشي، أو الأشعار الكاملة للشاعر الإيطالي أونجاريتي. مهنة الترجمة لها أفضال كبيرة عليّ؛ فقد مكنتني من تجاوز تلك المرحلة الانتقالية دون معاناة كبيرة، وبخاصة أني كنت مقيماً في ميلانو، وهي مدينة تتطلب الإقامة فيها تكاليف باهظة، كنت أحلم بأن أقضي حياتي رساماً، وأن أضع أشكالاً وخطوطاً وألواناً فوق الأسطح، وأن تكون هذه المهمة هي حياتي وطريقة وجودي في العالم، الرسم ليس مهنتي رغم احترامي لاستحقاقات الاحتراف كاملة، لكن الرسم كان طريقتي في الوجود.
- الشاعر فؤاد حجاج: الغزل والنسيج... والشعر
لا بد من التفريق بين المهنة أو الصنعة التي تكفل لصاحبها لقمة العيش والحياة الكريمة، والإبداع الذي لا حدود له ولا جدران. فقد عملت في بداية رحلتي مراقباً للإنتاج بإحدى شركات الغزل والنسيج قبل بيع القطاع العام. ولأنني ممسوس بالإبداع الأدبي كنت مسؤولاً ثقافياً بمنظمة الشباب فاقترحت عمل مجلة حائط في مدخل الشركة ليراها العمال في دخول وخروج الورديات، ولتكون بداية لخلق حالة من الرغبة في القراءة والاضطلاع، ونجحت في جذب الاهتمام والمتابعة، واكتشفت الكثير من المواهب بين العمال، كما قمت بإيجاد نشاط ثقافي ملموس بنادي الشركة. وكانت محطة أخرى في رحلتي، حيث توليت منصبي الجديد أميناً لمكتبة النادي، وكانت فرصتي الذهبية لكي أقرأ يومياً لمدة 8 ساعات كاملة. قرأت الأعمال الكاملة لعشرات الكتاب في مصر والعالم، وكنت مولعاً بويليام شكسبير، وقرأت الـ36 مسرحية بواقع مسرحية كل يوم، كما قرأت أعمال نجيب محفوظ كاملة منذ البداية الفرعونية الباكرة. انتقلت بعد ذلك لمسؤولية ثقافية أكثر اتساعاً، حيث أصبحت المسؤول الثقافي لقطاع شبرا الخيمة باتساعها، فأتيحت لي فرصة العمل المباشر مع 11 مركز شباب لأكتشف الكثير من المواهب، وتزامن هذا مع دراستي الإعلام في الدفعة الأولى بالجامعة العمالية لكي أتولى صفحة الأدب فيما بعد في جريدة «العمال» الأسبوعية.
كل تلك المحطات تركت أثراً في شعري، وعمّقت إحساسي بالمسؤولية تجاه قضايا وطني؛ ما انعكس جلياً في الكتابة للإذاعة والتلفزيون، وفي الكثير من البرامج الشعرية التي أعتز بها، وقمت بإعدادها وكتابة مادتها مثل «أوراق من شجرة أكتوبر»، الذي أذيع على القناة الأولي بالتلفزيون المصري في أواخر الثمانينات في 30 حلقة بشكل يومي بصوتي وصوت سيدة المسرح الفنانة سميحة أيوب.
- الروائي حمدي البطران: البوليس... والكتابة
إن المهنة الأولى أو المهن تعد ركناً أساسياً في الوعي الفكري لأي كاتب، ففيها تنحصر تجاربه الأولى مع المجتمع والناس، وتنعكس سلباً أو إيجاباً على أدبه وكتاباته. من خلال المهنة يرى الكاتب المجتمع الذي يتعامل معه، وتتبلور فكرته وأفكاره وتجاربه من خلال تلك الوظيفة؛ فهو يرى العالم حوله بعيون وظيفته.
كانت مهنتي الأولى ضابطاً في البوليس، وأتاح لي هذا أن أتعمق في المجتمع من خلال طبقاته ومآسيه، كما أتاح لي موقعي أن أرى الوطن في حالاته المختلفة؛ فالشرطة هي انعكاس كامل لحالة المجتمع، فكانت كتاباتي تعالج هذا الجانب المتروك من المجتمع الذي لم يتحدث عنه أحد.
كتبت على أثر ذلك رواية «يوميات ضابط في الأرياف» و«كل شيء هادئ في الجنوب» و«خريف الجنرال»، وهي أعمال تبحث وتفتش في هذا العالم الغريب.
لكن هناك تجاهلاً تاماً لما أكتبه أنا وأمثالي لاعتبارات كثيرة، منها أن هناك من يغار من مهنتنا السابقة ويراها سبباً لكراهيتنا، وعدم التعامل مع ما نكتبه بالجدية المطلوبة، وهناك من يرى أننا نحاول أن نكون أدباء من أجل نوع من الوجاهة، لكن الأمر لم يكن إلا رغبة عارمة في أن نقول كلمة صادقة للناس، من واقع ما عشناها ولمسناه عن قرب، عبر هذه المهن السابقة.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.