باريس عازمة على المساهمة في حفظ أمن الحدود الأردنية ـ السورية

الرئيس ماكرون والملك عبد الله متمسكان بعودة «آمنة ومنصفة» للاجئين السوريين

معبر نصيب بين سوريا والأردن يستعد لاستقبال اللاجئين السوريين بحسب مصدر رسمي للنظام السوري (أ.ف.ب)
معبر نصيب بين سوريا والأردن يستعد لاستقبال اللاجئين السوريين بحسب مصدر رسمي للنظام السوري (أ.ف.ب)
TT

باريس عازمة على المساهمة في حفظ أمن الحدود الأردنية ـ السورية

معبر نصيب بين سوريا والأردن يستعد لاستقبال اللاجئين السوريين بحسب مصدر رسمي للنظام السوري (أ.ف.ب)
معبر نصيب بين سوريا والأردن يستعد لاستقبال اللاجئين السوريين بحسب مصدر رسمي للنظام السوري (أ.ف.ب)

لم تبالغ الصحافة الفرنسية عندما أكدت أن رئيس الجمهورية سينقل معه إلى «حصن بريغانسون» جنوب فرنسا، المطلّ على البحر الأبيض المتوسط، قصر الإليزيه ودبلوماسية بلاده؛ فأول من أمس، كان مصير المهاجرين الأفارقة على متن الباخرة الإنسانية «أكواريوس» شغل إيمانويل ماكرون الشاغل. كما أن الأخير، منذ اليوم الأول لوصوله إلى مقر إقامته الصيفي الرسمي، استقبل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وهو على تواصل دائم مع كبار هذا العالم، سواء أكان الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين وغير الأوروبيين، دون أن يسقط من اعتباره الأزمات الإقليمية والشرق أوسطية على وجه الخصوص.
وأمس، كانت الحرب في سوريا والوضع الأمني في الأردن عقب العمليات الإرهابية الأخيرة على جدول نشاطات ماكرون، من خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع العاهل الأردني عبد الله الثاني.
وفي بادرة تعكس بالتوازي تمسُّك وحرص باريس على أمن الأردن من جهة، وما يبدو أنه تعبير عن قلق إزاء تسرب أفراد من «داعش» إليها عبر الحدود المشتركة مع سوريا، فقد أخبر ماكرون ملك الأردن، وفق ما جاء في بيان لقصر الإليزيه، أمس، عن عزم باريس «تقديم مساهمة فرنسية لحفظ الأمن على طول الحدود السورية الأردنية». وأضاف البيان أن التعاون بين البلدين «يتعزز في ميداني الأمن والدفاع».
في القراءة الفرنسية للوضع الاستراتيجي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، يشكل الأردن الذي له حدود مشتركة واسعة مع سوريا والعراق «حلقة أساسية» يتعين السهر على أمنها. وليس سرّاً أن البلدين يتعاونان في أكثر من ميدان أمني مخابراتي كما أنهما تعاونا في الحرب على «داعش» والإرهاب، إذ إن باريس أرسلت إلى أحد المطارات الأردنية العسكرية مجموعة من طائرات «الرافال» التي شاركت في الضربات الجوية ضد «داعش» في العراق.
وأشار البيان الفرنسي إلى ذلك، إذ جاء فيه أن ماكرون والملك عبد الله «تبادلا الرأي حول الحرب على الإرهاب وتحديداً الحرب على (داعش) في إطار التحالف الدولي» الذي ينتمي إليه البلدان.
كانت سوريا الملف الرئيسي الذي بحث بشكل خاص في إطار تناول جولة الأفق الإقليمية: الوضع في جنوب سوريا كما في إدلب، ضرورة الوصول إلى حل سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة، وأخيراً ملف عودة النازحين والمهجرين السوريين إلى ديارهم. وشدد المسؤولان، وفق باريس، على أهمية «مواكبة الأسرة الدولية لهذه العودة التي يجب أن تتم وفق شروط آمنة ومنصفة».
تعي باريس العبء الذي يشكله النازحون والمهجرون السوريون على الأردن كما على لبنان أو تركيا. بيد أن فرنسا لا تزال تتمسك بمجموعة من المبادئ أهمها التركيز على العودة الطوعية والآمنة، أي التي تتوافر لها الضمانات الدولية. وسيكون لباريس الفرصة في عرض موقفها خلال القمة الرباعية المرتقبة، بدعوة من روسيا وتركيا، «وحضور ألمانيا» في السابع من الشهر المقبل في إسطنبول حيث سيتم التطرق لملفين رئيسيين، إضافة إلى الوضع الميداني، وهما عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
وفيما يتضح أكثر فأكثر أن موسكو تربط بين عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وأنها تريد من باريس وبرلين المساهمة فيه، فإن للأوروبيين مقاربة مختلفة حيث يربطون قبول المساهمة في إعادة الإعمار بالتوصل «أو السير» إلى حل سياسي يكون مقبولاً إلى حد ما.
وبكلام آخر، فإن الغربيين ومعهم الأطراف الأخرى فيما يسمى «المجموعة المصغرة» المشكَّلة من «فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة والسعودية والأردن ومصر» ما زالوا متمسكين بـ«الحد الأدنى» من متطلبات الحل السياسي بعد أن تخلوا عن المطالبة برحيل الأسد والانتقال السياسي الفوري. وما يطالبون به هو التوصل إلى دستور جديد «عادل» وانتخابات عامة نزيهة على الأرجح مع نهاية ولاية الرئيس الأسد عام 2021 وإعادة تفعيل دور الأمم المتحدة ممثلة بالمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وستكون جميع هذه المسائل حاضرة في الخطاب الذي سيلقيه أمام السلك الدبلوماسي الفرنسي في مؤتمر السفراء السنوي الذي ينطلق في 27 من الشهر الحالي.
حتى عصر أمس، لم تتسرب من المصادر الفرنسية معلومات عن طبيعة ونوعية المساهمة الفرنسية في حفظ حدود الأردن مع سوريا. لكن أوساطاً مطَّلِعة رجحت أن تكون «فنية تقنية» وليست بشرية، وقد تشكل الصور الفضائية التي تلتقطها الأقمار الصناعية والمعدات والأجهزة الاستشعارية والرادارات وخلاف ذلك.
ولم يفت الرئيس الفرنسي دعوة العاهل الأردني للقيام بزيارة رسمية لفرنسا «في الأشهر المقبلة» التي سبق له أن زارها نهاية العام الماضي. كذلك فقد قدم له تعازيه إثر مقتل ستة عناصر من قوات الأمن الأردنية في اعتداء وصفته السلطات الأردنية بـ«الإرهابي» في منطقتي الفحيص والسلط.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.