تحذيرات لبنانية من اللجوء إلى «الشارع» لتشكيل الحكومة

مصدر أمني لـ {الشرق الأوسط} : الوضع لا يسمح بترف المظاهرات

عنصر من الجيش اللبناني يتصدى لحريق في أحراج بلدة القبيات بأعالي عكار شمال لبنان (الوكالة الوطنية)
عنصر من الجيش اللبناني يتصدى لحريق في أحراج بلدة القبيات بأعالي عكار شمال لبنان (الوكالة الوطنية)
TT

تحذيرات لبنانية من اللجوء إلى «الشارع» لتشكيل الحكومة

عنصر من الجيش اللبناني يتصدى لحريق في أحراج بلدة القبيات بأعالي عكار شمال لبنان (الوكالة الوطنية)
عنصر من الجيش اللبناني يتصدى لحريق في أحراج بلدة القبيات بأعالي عكار شمال لبنان (الوكالة الوطنية)

تجتمع المواقف السياسية والأمنية على رفض «لعبة الشارع» لحلّ عقد تشكيل الحكومة، انطلاقا من أسباب عدة أهمها الخوف من عدم القدرة على ضبط انفلاتها في حال انطلقت، وفي ظل الكشف الدائم عن خلايا إرهابية ما يثير القلق من استغلال هذه المجموعات لأي تحركات، إضافة إلى وجود أكثر من مليون نازح سوري موزعين في مختلف المناطق.
وكان رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، أبرز من لوّح باللجوء إلى الشارع قبل أيام لحلّ عقدة تأليف الحكومة، وهو ما استدعى ردود فعل غاضبة وضعت كلامه في خانة الضغط على الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري ومحاولة وضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، تأليف الحكومة وفق رغبة باسيل وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، أو حمله مكرهاً على الاعتذار. واستغربت كيف أن فريقاً يتربع على قمّة السلطة يمارس دور المعارضة، في وقت حذرت مصادر أمنية من لعبة الشارع، لأن «لبنان ليس في مرحلة استرخاء أمني، والدولة لا تستطيع حماية أي مظاهرة أو مظاهرات، في ظلّ وجود خلايا أمنية نائمة، والقبض يومياً على إرهابيين يتحرّكون في الداخل»، بينما قلل التيار الحرّ من أبعاد كلام رئيسه، ورأى فيه مجرّد تحذير من رد الفعل الشعبي على التأخير في تأليف الحكومة.
وكان باسيل قد رفع سقف المواجهة وهدد خلال ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لـ«تكتّل لبنان القوي» بالنزول إلى الشارع «لفكّ أسر لبنان من الاعتقال السياسي»، على حدّ تعبيره، لكنّ ردّ رئيس الحكومة سعد الحريري لم يتأخر، حيث قال «إذا رأى صاحب هذا الطرح أن الحلّ يكون بالتهديد بالشارع فليكن».
ومهما بلغت حدّة الخلاف بين القوى المتصارعة، تبقى مقبولة ما دامت مضبوطة على إيقاع الصراع السياسي، لكن أن يصل هذا الصراع إلى الشارع تصبح محاذيره كبيرة، بحسب ما أكدت مصادر أمنية، آملة أن «يكون التلويح بالشارع مجرّد محاولة لتحسين شروط التفاوض في الملف الحكومي». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن لعبة الشارع خطيرة، إذ لا أحد يضمن ضبطها. وقالت «لبنان لا يملك اليوم ترف استخدام الشارع في ظلّ وضع أمني دقيق، وكأن القصّة مجرّد حركة احتجاج أو تعبير عن الرأي، ولذلك لا تستطيع الدولة ضمان أمن مظاهرة شعبية حاشدة، خصوصاً إذا واجهتها مظاهرات مضادة في المقلب الآخر».
ولا يخلو يوم من عمليات أمنية تكشف النقاب عن توقيف مطلوبين بأعمال إرهابية، أو ضبط خلية نائمة، وهو ما يثير قلقاً من استغلال هذه المجموعات أي تحرّك شعبي لإحداث خلل أو فوضى أمنية.
وذكرت المصادر الأمنية أن الوضع الآن لا يشبه العام 2005. والمظاهرات التي كان ينظمها معسكرا 8 و14 آذار، وقالت: «يكفي انشغال الجيش والأجهزة الأمنية بتعقب الخلايا الإرهابية النائمة، عدا عن محاذير وجود مليون ونصف مليون نازح سوري»، مشيرة إلى أن «الاستقرار الأمني المستتب نسبياً يحتاج إلى استقرار سياسي لتعزيزه وليس لاضطرابات في الشارع».
تيّار «المستقبل» أكثر المعنيين بالتهديد بورقة الشارع، يراقب هذه المستجدات ويقيمها من المنظار السياسي والأمني أيضاً، ويعتبر أن كلام جبران باسيل «يأتي ضمن المنطق الشعبوي لخلط الحابل بالنابل»، وفق تعبير عضو المكتب السياسي النائب السابق مصطفى علّوش، الذي رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التوازنات اللبنانية لا تتساوى والحالة الشعبوية التي يلجأ إليها باسيل». وقال «عندما يستعمل شارع معيّن، سيقابله شوارع أخرى، وأعتقد أن هذا التهديد يعبّر عن فقدان المنطق السياسي لدى هذا الفريق»، مبدياً اعتقاده بأن باسيل «أراد إيصال هذه الرسالة إلى محازبيه الواقعين في حيرة، ولا يعرفون إلى أين ستقودهم خياراته».
أما حزب «القوات اللبنانية»، فبدا أكثر تشدداً حيال هذا الطرح، إذ رأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب السابق أنطوان زهرا، أن «ما يصدر عن باسيل، لم نقرأه إلّا في كتب الأنظمة التوتاليتارية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم نر مظاهرة يقودها نظام حاكم إلا في كوبا أو كوريا الشمالية، لأن هذه الأنظمة عندما تتعثّر بالإمساك بالسلطة تلجأ إلى تهديد الناس بالناس». وأضاف زهرا «لا يجوز في دولة ديمقراطية جرت فيها انتخابات حرّة، وأفرزت قوى سياسية لتتولى تركيب السلطة، اللجوء إلى خيار الشارع تحت أي سبب»، معتبراً أن «ما حاول باسيل الإيحاء به، هو تهديد الحريري، والقول له إما أن تقبل بالتسوية السياسية كما نريد نحن، وإما ننسفها كما نسفنا تسوية معراب».
وكان لافتاً مسارعة «حزب الله» إلى رفض خيار الشارع وما يترتب عليه بالمطلق، وقالت كتلة نواب الحزب في بيان «إننا نحذر من مخاطر وتداعيات الانزلاق إلى التوتر والاحتكام خارج المؤسسات». وهذا يعني أن الحزب يرفض لأول مرّة توفير غطاء لحليفه التيار الوطني الحر لاستخدام ورقة الشارع، لما لها من تداعيات سلبيه عليه وعلى البلد برمته.
ويرفض تيّار «المستقبل» الإفصاح عن ردّه على التحرّك في الشارع إن حصل فعلاً، ويشدد مصطفى علوش على أن «خيار الحريري هو التمسك بالدستور، وتجنّب اللجوء إلى الشارع وانفعالاته»، مذكراً أن «الشارع ليس ملك فئة واحدة أو طائفة واحدة، وكأن هناك من يرغب في دفع الآخرين إلى خياراته»، معتبراً أن ليونة الحريري أفضل ردّ على هذه العنتريات، وهي تقول لباسيل، إن خياراتك لن توصل إلى أي حلّ.
بدوره، استغرب أنطوان زهرا «كيف يمكن لمن يتربّع على رأس السلطة أن يغامر إلى حدّ تعطيل السلطة، إن لم يرها مناسبة لطموحاته». ورأى أن «هذا الأسلوب حذرنا منه في السابق، ونعيد التحذير منه الآن». وتابع القيادي القواتي «واضح أن رهان هذا الفريق كان الإمساك بالغالبية النيابية (المسيحية) في الانتخابات، لكنه أصيب بخيبة أمل بعدم الحصول على الغالبية كما أظهرت النتائج». وسأل «هل يريد الانتقام من الناس للإمساك بالسلطة السياسية والأمنية والدبلوماسية عبر البهورة والتسلّط؟».
غير أن التيار الوطني الحرّ قلّل من أبعاد كلام رئيسه، وأوضح عضو «تكتل لبنان القوي» النائب ماريو عون في حديث إذاعي، أن الوزير جبران باسيل لم يهدد باللجوء إلى الشارع لفكّ أسر الحكومة، بل حذّر من نقمة شعبية واسعة قد تنتج عن التأخير في تشكيل الحكومة. وتمنى أن «تحمل الأيام القليلة المقبلة بشائر الولادة الحكومية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».