سياحة الشلالات تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة في كردستان

سياحة الشلالات تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة في كردستان
TT

سياحة الشلالات تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة في كردستان

سياحة الشلالات تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة في كردستان

في كل عام ومع بداية فصل الصيف، تغدو المصايف والمواقع السياحية في محافظات إقليم كردستان، التي يزيد عددها عن عشرين موقعا، مقصداً للآلاف من السياح العراقيين. أغلبهم من سكان المحافظات الوسطى والجنوبية التي تتجاوز فيها درجات الحرارة الخمسين مئوية في مثل ذلك التوقيت. فهذه المصايف تتحول إلى ملاذات لما تتمتع به من شلالات مائية، تنساب من أعالي قمم جبال تكسو الثلوج قمم بعضها، حتى أواخر الصيف. من شلال «كلي علي بك» الشهير والمطبوعة صورته على عملات عراقية من فئة (الخمسة دنانير) منذ الثمانينات من القرن المنصرم، والذي يقع على بعد (95) كلم شرق مدينة أربيل، إلى «بيخال» المجاور وشلال «أحمد أوا» المحاذي لبلدة خورمال (84) كلم شرق مدينة السليمانية، وشلال «سيبه» في بلدة عقرة (130) كلم شرق مدينة دهوك.
وعورة الطرقات المؤدية إليها لا تشكل عائقا أمام العراقيين. مجرد فكرة أجوائها اللطيفة تُهون عليهم كل المصاعب، إذ لا تتجاوز درجات الحرارة فيها الثلاثين مئوية، فضلا عن طبيعتها التي تسر الناظرين. فهم يعرفون مسبقا أنهم على موعد مع مياهها الباردة التي تتدفق من أعالي الجبال على هيئة شلالات هادرة مصدرها ذوبان الثلوج أو الينابيع التي تحيط بها أشجار الجوز واللوز والفستق والتوت. يقول أثير البغدادي، وهو شاب يبلغ 23 عاماً كان يكرر الغطس في حوض المياه المنسابة من شلال «سيبه» في مدينة عقرة شرق محافظة دهوك: «أتردد على مصايف كردستان كل عام، نظرا للمناخ اللطيف والمناظر الرائعة، وهروبا من حر بغداد». ويتابع: «لا أمل أبدا من زيارتها ففي كل مرة أكتشف جمالا لم تره عيني من قبل، هذا إضافة إلى طيبة أهلها ودماثة أخلاقهم».
أثير ليس وحده في هذا الرأي، فإن الكل وما إن يصلوا إلى هذه الشلالات حتى تصبح مشقة السفر في خبر كان. تراهم يتقافزون ويسبحون مع أطفالهم في الأحواض الكبيرة، التي تتجمع فيها مياه الشلالات، أو يقودون الطوافات الصغيرة وسط مجرى المياه الرقراقة المثلجة، التي تطفئ حرارة الأبدان. آخرون ينشغلون بالتقاط الصور التذكارية أو إعداد موائد الطعام بين الأشجار الكثيفة الممتدة على طول السفوح الجبلية.
وبحسب هيئة السياحة في الإقليم، فإن قرابة ثمانية آلاف سائح عراقي، يقصدون تلك المواقع السياحية يومياً، مما يعني بطبيعة الحال نشاطاً غير مسبوق في القطاع السياحي، من شأنه الإسهام في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثرة في كردستان منذ نحو خمس سنوات، فضلا عن خلق العشرات من فرص العمل في قطاع السياحة بالإقليم.
ويرى «نادر روستائي» المتحدث باسم هيئة السياحة في كردستان، أن ارتفاع معدلات الحرارة في مناطق وسط العراق وجنوبه، وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة، وانعدام الخدمات والمناطق السياحية هناك، من ضمن الأسباب التي تحث المصطافين على التوجه نحو مصايف الإقليم. لكن المحفز الأهم برأيه هو الطبيعة والمناخ وانخفاض الأسعار ومستوى بالمقارنة مع دول الجوار والعالم. وهناك خطط مستقبلية لاستحداث المزيد من المواقع السياحية وتطوير ما هو موجود حالياً.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».