تونس: بدء احتجاجات مبكرة ضد سياسة الحكومة

احتجاجاً على ارتفاع المعيشة... والإصرار على تنفيذ «إملاءات» صندوق النقد الدولي

TT

تونس: بدء احتجاجات مبكرة ضد سياسة الحكومة

كشف الإضراب المفاجئ، الذي نفذه مساء أول من أمس، دون سابق إنذار، عمال شبكة المترو الخفيف في العاصمة التونسية، والخط الحديدي (تونس حلق الوادي - المرسى)، بالإضافة إلى شبكة الحافلات، عن سلسلة من الإضرابات الجهوية، التي تعمل الهياكل النقابية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) على تنفيذها خلال الأيام المقبلة، في موجة مبكرة من الاحتجاجات ضد سياسة الحكومة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، تعبيراً عن غضب المواطنين من ارتفاع تكلفة العيش، والارتفاع الكبير لمعظم المنتجات، ورفضاً لإصرار الحكومة على تنفيذ «إملاءات» وسلسلة الإصلاحات الاقتصادية الكبرى المتفق بشأنها مع صندوق النقد الدولي: «دون مراعاة فعلية لظروف الفئات الاجتماعية الهشة»، حسب تعبير النقابة.
ومن المنتظر دخول موظفي قطاع الصحة في إضراب عام عن العمل بداية من يوم الاثنين المقبل، للمطالبة بتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بالعمل الاجتماعي، والتي كان وزير الصحة قد تعهد بتنفيذها في يناير (كانون الثاني) الماضي، بالإضافة إلى تهديد عمال السكك الحديدية بشن إضرابات للمطالبة بفتح الخط رقم 13، الرابط بين توزر وصفاقس، وإدماج عمال شركة أشغال السكك الحديدية ضمن الشركة الوطنية للسكك الحديدية، وتطبيق الاتفاقيات المبرمة مع الطرف الإداري، علماً بأن الإضراب كان مبرمجاً في الثاني من الشهر الحالي؛ لكن تم تأجيله إلى 16 من الشهر نفسه.
من جهتها، أعلنت نقابة عمال الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، عن الدخول في إضراب عن العمل يومي 29 و30 من أغسطس (آب) الحالي، ويأتي ذلك فيما يواصل المتقاعدون سلسلة تحركاتهم الاجتماعية للمطالبة بالحصول على الزيادة في مرتباتهم الحكومية.
ومن المنتظر أن تسارع حكومة يوسف الشاهد إلى تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع المحتجين في منطقة الكامور في تطاوين (جنوب شرق). كما تسعى إلى تخفيف حدة التوتر في عدد آخر من المناطق، مثل قبلي ومدنين (بن قردان)، باعتبارها مناطق منتجة للنفط، وتسعى إلى الاستفادة القصوى من عائدات تلك الثروات الطبيعية.
ويجمع عدد من المراقبين للوضع السياسي في تونس على أن ظاهر الإضرابات، كما يبدو، هو المطالبة بتسوية أوضاع مهنية؛ لكن جوهرها يعود بالأساس إلى توتر العلاقة بين نقابة العمال وحكومة يوسف الشاهد، ومطالبة قيادات اتحاد الشغل بتغيير الحكومة، والاستغناء عن رئيسها الشاهد، ومحاولة الضغط عليه من خلال الهياكل النقابية، وتقديم مطالب مهنية مشروعة.
وفي هذا السياق شدد مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، على أهمية مواصلة الحكومة للحوار الاجتماعي، وعدم إغلاق أبوابه في وجه المطالبين بحقوقهم في الشغل والتنمية. معتبراً أن «اللجوء إلى الحلول الأمنية لمعالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية العالقة لا يمكن أن يفضي إلى نتائج إيجابية، وغالباً ما يعقد الأوضاع، ويفرز وضعيات جديدة أكثر تعقيداً بالنسبة الحكومة».
وتفيد الإحصائيات التي قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بأن عدد التحركات الاجتماعية خلال شهر يوليو (تموز) الماضي تجاوز 550 احتجاجاً، معظمها كانت للمطالبة بحقوق اجتماعية واقتصادية، وتوقع أن تتواصل هذه الإضرابات «طالما أن أسبابها لا تزال قائمة».
وخلال النصف الأول من السنة الحالية، سجلت المنظمة ما لا يقل عن 6052 تحركاً احتجاجياً، وهو ما يوحي بصعوبة إصلاح العلاقة بين الحكومة والهياكل النقابية، التي تتبنى مطالب المحتجين وتؤطرها.
وبهذا الخصوص أكد جمال العرفاوي، المحلل السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «تونس ستعيش بداية سنة سياسية وإدارية ساخنة؛ لأن وتيرة الإضرابات والاحتجاجات بدأت بصورة مبكرة، وما على الحكومة إلا إيجاد حلول سريعة لتنقية المناخ الاجتماعي، في ظل التوتر المتواصل بين اتحاد الشغل والحكومة». وتوقع أن تعرف الأشهر المقبلة احتجاجات قد تكون أكثر قوة واستمرارية، نظراً لصعوبة إيجاد حلول ناجعة في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، على حد تعبيره.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.