في خضم الأزمة السياسية التي تعيشها تونس بدأت جل الأطراف السياسية والحقوقية تطرح أسئلة جوهرية: هل حقا انتصر يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية، على خصومه السياسيين؟ وهل تجاوز مرحلة التشكيك السياسي في حكومته والمطالب المتكررة بإزاحته من سدة الحكم وتغيير الحكومة بشكل كامل؟ وهل يمكن اعتبار موافقة ممثلي حزب نداء تونس، المتزعم للائتلاف الحاكم، على تعيين هشام الفراتي وزيرا للداخلية انتصارا للشاهد؟، أم أن المعركة ما زالت متواصلة، وأن الشاهد خدمته ظروف استثنائية، من بينها التخوف من حدوث فراغ في وزارة سيادية مثل وزارة الداخلية، والمخاوف المرتبطة بالإرهاب، ووجود البلاد في حالة طوارئ لمدة سبعة أشهر (تنتهي في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، لتجاوز أزمة الثقة بشكل مؤقت في انتظار ما هو أصعب؟
خلال الجلسة البرلمانية، التي خصصت لمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد هشام الفراتي، انقسم المراقبون للشأن السياسي بين من اعتبر أن الشاهد أفلت مؤقتا من قبضة خصومه، وتمكن من تحقيق نقاط لصالحه، وبين من توقع أن يواجه مزيدا من الصعوبات، خاصة في حال توجهه للبرلمان قصد إقرار قانون مالية تكميلي يسد عجز موازنة 2018، أو من خلال رد فعل الشارع على الزيادات المتكررة، التي عرفتها معظم السلع الاستهلاكية، وهو ما أثر على الطبقات الاجتماعية الهشة، التي قد لا يطول صمتها، حسب عدد من المراقبين.
وفي الوقت الحالي يطرح تساؤل أساسي في تونس حول العناصر التي يستمد منها الشاهد قوته. فعلاوة على حركة النهضة، التي دعا رئيسها راشد الغنوشي إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال السنة المقبلة، والمحافظة على رئيس الحكومة، شرط إعلان هذا الأخير عدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، فإن الشاهد يستمد جزءا من قوته، حسب بعض الملاحظين، من الانقسامات داخل قيادات حزب النداء وكتلته النيابية في البرلمان، كما أن الظرف الأمني والاجتماعي يصب لصالحه، إذ يدرك الشاهد أن تونس تعيش حاليا تحت وطأة قانون الطوارئ، الذي أقره الرئيس الباجي قائد السبسي لمدة سبعة أشهر متتالية.
ووفق تصريحات بعض أساتذة القانون، فخلال هذه المدة لا يمكن تقديم «لائحة لوم» ضد الحكومة، وفق الفصل 97 من الدستور التونسي، في ظل حالة الطوارئ، التي تخول لرئيس الحكومة عدة إجراءات استثنائية حفاظا على الأمن والاستقرار. كما ينص الفصل 80 من الدستور على أنه «لا يمكن لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) تقديم لائحة لوم ضد الحكومة عندما تكون البلاد في حالات استثنائية، على غرار حالات الطوارئ والحصار، أو اعتبار المنطقة منكوبة، وهذه الحالة تنطبق على الوضع الحالي في تونس»، التي تعيش حالة طوارئ.
وعلى المستوى السياسي، ما زال الثلاثي المتكون من حافظ قائد السبسي نجل الرئيس، ورءوف الخماسي وسفيان طوبال، وهم من أهم القيادات السياسية المؤثرة في حزب النداء، ينادون بضرورة الإطاحة بحكومة الشاهد، حيث وضعوا أمامه فترة زمنية لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ منح الثقة لوزير الداخلية الجديد قصد عرض حكومته على البرلمان لتجديد الثقة فيها.
وتلقى دعوات قيادات «النداء» دعما قويا من قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، بزعامة نور الدين الطبوبي، الذي طالب في أكثر من مناسبة بضرورة تغيير «ربان السفينة»، على حد تعبيره بعد إقرار برنامج اقتصادي واجتماعي جديد، والإقرار بفشل حكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها الشاهد في حل الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة.
وذهبت بعض قيادات حزب النداء إلى حد وصف الشاهد بـ«الاحتيال»، من خلال تقديم نتائج التصويت على وزير الداخلية الجديد (148 صوتا لفائدته)، وعلى أساس أن الحكومة الحالية هي حكومة وحدة وطنية، وما زالت تحظى بدعم الأحزاب المشاركة في النقاشات حول «وثيقة قرطاج»، وبذلك يقع خلط الأوراق بين التصويت لوزير داخلية بعينه، والمطالب المتكررة بتجديد الثقة في الحكومة أمام البرلمان.
وبشأن حجم التأييد الذي يعرفه رئيس الحكومة، وإمكانية مواصلته تصدر المشهد السياسي، رغم دعوات الإطاحة به، قال عدنان الحاجي، النائب البرلماني المستقل، إنّ الشاهد «انتصر على ابن أبيه»، في إشارة إلى حافظ قائد السبسي. «لكن ما يزال أمامه خصم آخر هو الاتحاد العام التونسي للشغل، ومن ورائه الفئات المهمشة»، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، قال حسان العيادي المحلل السياسي التونسي، إن «نصر» الشاهد «لا يتجسد في مرور الوزير بـ148 صوتا، تمثل كتلا برلمانية عديدة، أبرزها كتلة النهضة و«نداء تونس»، و«الحرة لمشروع تونس»، و«الوطني الحر»، و«الكتلة الوطنية»، ونواب عن «آفاق تونس»، بل إن الشاهد يروج لحكومة ليست مدعومة من حركة النهضة الإسلامية فحسب، بل أيضا من عدد كبير من التيارات السياسية، وبهذا تسقط عنها «تهمة» وجهها إليه كل من رئيس الجمهورية و«النداء» والاتحاد العام للشغل بكونها حكومة تخدم مصالح حركة النهضة فقط.
هل انتصر رئيس الحكومة التونسية فعلاً على خصومه السياسيين؟
مستفيداً من حالة الطوارئ والانقسامات داخل قيادات حزب النداء
هل انتصر رئيس الحكومة التونسية فعلاً على خصومه السياسيين؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة