بعد أربعة أشهر من الإقامة في ألمانيا، حيث كان ينتظر قرار القضاء الألماني بشأن طلب تسليمه لمدريد، عاد كارلي بوتشيمون، رئيس الحكومة الإقليمية السابق في كاتالونيا، أمس، إلى بلجيكا التي كان قد اتخذها مقراً له، يدير منها أنشطته الانفصالية بعد هروبه من مدريد، إثر صدور مذكرة توقيف بحقه واتهامه بالتمرد واختلاس الأموال العامة.
ومنذ وصوله إلى العاصمة البلجيكية، حيث كان في استقباله الرئيس الحالي للحكومة الإقليمية الكاتالونية كيم تورّا، دعا بوتشيمون رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز إلى «أن يقرن القول بالفعل»، محذّراً من أن «فترة التسامح قد انتهت أيضاً بالنسبة إلى السيد سانتشيز».
وفي حديثه أمام وسائل الإعلام خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقده في مندوبيّة كاتالونيا لدى الاتحاد الأوروبي، أوضح بوتشيمون أنه «ينتظر خطوات ملموسة من قبل الحكومة الإسبانية». لكن من غير إحراج سانتشيز بمطالب يتعذّر عليه تنفيذها، مضيفاً أنه «على سانتشيز التصرّف بمقتضى حصوله على الأصوات التي حملته إلى رئاسة الحكومة».
كان الرئيس الحالي للحكومة الإقليمية قد أشار في لقائه مع سانتشيز إلى أن اعتراف مدريد بحق كاتالونيا في تقرير المصير هو من العناصر المطلوبة في الحوار الذي باشره الطرفان منذ أيام. إلا أنه تحاشى القول إن الحوار مشروط بتحقيق هذا المطلب. لكنه أكّد في المقابل أن الاعتراف بالحق في تقرير المصير سيكون حاسماً في مرحلة متقدمة، مشدداً على أن «مواقفنا على طرفي نقيض. لكن لا مفرّ من التقارب لحل الأزمة». وقد نُقِل عن تورّا أنه قال لسانتشيز في نهاية لقائهما: «أمامنا خريف معقّد وساخن».
وقال بوتشيمون خلال اجتماعه، أمس، بقيادات حزبه الذين ذهبوا لاستقباله في بروكسل، إنه سيواصل تنقلاته داخل أوروبا للدفاع عن «قضية كاتالونيا العادلة... وعن الحرية، والحق في تقرير المصير»، موضحاً أنه لن يتوقّف حتى «الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين».
وبعد بروكسل انتقل بوتشيمون برفقة تورّا إلى مدينة واترلو، التي تقع في إقليم فالونيا البلجيكي، حيث استقرّ بعد فراره من العدالة الإسبانية في ضيافة الحزب اليميني المتطرف، الذي ينادي باستقلال هذا الإقليم عن بلجيكا. علماً بأن بوتشيمون ومعاونيه كانوا قد حوّلوا ذلك المقرّ إلى ما سمّوه «بيت الجمهورية»، بمثابة حكومة كاتالونية في المنفى.
في غضون ذلك، تراقب مدريد عن كثب، وبقلق متزايد، تمدّد تيّار بوتشيمون المتشدد في المشهد السياسي الكاتالوني، بعد أن تمكّن من عزل الجناح المعتدل بين قوى يمين الوسط الاستقلالية، وتحركاته لاستيعاب حزب اليسار الجمهوري، الذي تشير آخر الاستطلاعات إلى تقدّمه على حزب بوتشيمون في حال إجراء انتخابات قريباً. وتهدف هذه التحركات إلى تأسيس حركة انفصالية واسعة تضمّ الأحزاب والقوى السياسية والمدنية والشعبية، ودعوة كل الذين يطالبون بالاستقلال للانضمام إليها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن حزب اليسار الجمهوري هو الخصم السياسي التقليدي للتيّار، الذي يتزّعمه اليوم بوتشيمون. لكن التطورات التي تعاقبت منذ الخريف الماضي على الساحة الكاتالونية دفعت بالطرفين إلى تحييد خلافاتهما في مواجهة الحكومة المركزية. ومما يزيد من منسوب القلق إزاء التطورات المرتقبة في كاتالونيا بعد العطلة الصيفية هو أن صعود التيار المتشدّد بين الانفصاليين يتزامن مع عودة الجناح المتشدد لقيادة الحزب الشعبي اليميني بعد سقوط حكومة زعيمه السابق ماريانو راخوي، وانتخاب زعيم جديد قريب من الرئيس الأسبق خوسيه مارّيا آزنار.
وفي أول التصريحات التي أدلى بها لدى عودته إلى واترلو، اعترف بوتشيمون بأنه مع حكومة سانتشيز، وقال في هذا السياق: «لقد تغّير الأسلوب، وتغيّرت الأجواء والخطاب» في التعاطي مع الأزمة الكاتالونية. وبعد أن استغرب كيف أن الحكومة الإسبانية سبق أن اجتمعت بمنظمة «إيتا» الإرهابية، لكنها ترفض الاجتماع بالاستقلاليين الكاتالونيين، رغم أنهم لم يستخدموا العنف أبداً، قال: «لست أدري إن كنت سأنتظر 20 عاماً قبل أن أطأ الأرض الإسبانية. لكن حتماً لن أنتظر 20 عاماً كي أعود إلى كاتالونيا».
وفي أول تعليق لها على تصريحات بوتشيمون الأخيرة، قالت نائب رئيس الحكومة الإسبانية كارمن كالفو: «بوتشيمون بذاته يعترف بأن حواراً يجري بين الطرفين، وهو حوار يحكمه الدستور والمعايير الديمقراطية».
بوتشيمون يتعهد من بلجيكا بمواصلة الدفاع عن قضية الشعب الكاتالوني
أكد أنه لن يتوقف حتى «الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين»
بوتشيمون يتعهد من بلجيكا بمواصلة الدفاع عن قضية الشعب الكاتالوني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة