هكذا نجحت «حماس» في تحييد المتشددين والفصائل المسلحة في غزة

خلال تخريج دفعة من عناصر الشرطة التابعين لـ«حماس» الأربعاء (أ.ب)
خلال تخريج دفعة من عناصر الشرطة التابعين لـ«حماس» الأربعاء (أ.ب)
TT

هكذا نجحت «حماس» في تحييد المتشددين والفصائل المسلحة في غزة

خلال تخريج دفعة من عناصر الشرطة التابعين لـ«حماس» الأربعاء (أ.ب)
خلال تخريج دفعة من عناصر الشرطة التابعين لـ«حماس» الأربعاء (أ.ب)

لا تخفي قيادة حركة «حماس» أنها تسعى باستمرار لتجنب أي حرب إسرائيلية على قطاع غزة، وأنها لا تسعى لأي تصعيد عسكري، رغم تلويحها أكثر من مرة بمضاعفة قدراتها العسكرية والميدانية، وأنها لن تصمت كثيراً على استمرار السياسات الإسرائيلية في تشديد الحصار، وضرب أهداف داخل القطاع.
ولم يكن قرار «حماس» الداخلي والعلني بتجنب الحرب وليد اللحظة؛ بل كان ناتجا عن تجربة ربما في المراجعات الداخلية للحركة، رأى بعض قياداتها أنها كانت نابعة من ظروف قاسية عانتها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2014، التي استمرت 51 يوما وخلفت آلاف الضحايا ودمرت آلاف المنازل.
ومع مرور نحو عام ونصف من الحرب، ومع عدم وجود أي أفق وحلول كان يتوقع أن تنتج عنها الحرب، ظهرت من جديد مجموعات متشددة في غزة، وبدأت تطلق صواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، ما دفع «حماس» مجددا لملاحقتهم ومنعهم من إطلاق أي صواريخ كما كان يجري قبل حرب صيف 2014.
وبعد أن تواصلت وازدادت عمليات إطلاق الصواريخ التي كانت تدفع إسرائيل للرد بقصف أهداف لحركة «حماس»، اعتمدت الحركة، كما تقول مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خطة أمنية في نهاية عام 2016، لاعتقال جميع «العناصر المتطرفة» وزجت بهم في سجونها، وتمكنت أجهزة أمن الحركة خلال الحملة التي وصفت بأنها الأكبر منذ ظهور تلك الجماعات نهاية عام 2007، من اعتقال قيادات من تلك الجماعات كانت تلاحقهم منذ سنوات، منهم عبد الله الأشقر، الذي كان يعتبر العقل المدبر لغالبية تلك الجماعات وقاد في السنوات الأخيرة الجماعة الأكثر نشاطا في إطلاق الصواريخ، التي كانت تسمي نفسها «أحفاد الصحابة».
وفرضت المحاكم العسكرية في غزة أحكاماً بالسجن على المعتقلين «المتشددين»، ووجهت لهم تهماً، منها: «النيل من الثورة»، وغيرها، وراوحت الأحكام بين عام وثلاثة أو أكثر، فيما لا تزال قيادات تلك الجماعات قيد التحقيق في كثير من القضايا. وتمكنت «حماس» من خلال التحقيق معهم من السيطرة على مخازن صواريخ وأسلحة، وكذلك أماكن لتصنيع تلك الصواريخ، وأموال صادرتها بعد أن تبين أنها وصلتهم من الخارج، وفق مصادر «الشرق الأوسط».
ومع اشتداد تلك الحملة والزج بجميع «المتطرفين» في السجون، نجحت «حماس» في تحييد تلك الجماعات التي كان مراقبون يرون أنها شكلت تحديا للحركة، وحاولت جرها إلى حرب مع إسرائيل.
ونجحت «حماس» في «تحييد» تلك الجماعات، بعد أن صادرت كل إمكاناتها واعتقلت قياداتها وممولين لها، وبعد نجاح خطتها في فرض خطة أمنية على طول الحدود مع قطاع غزة بالتنسيق مع مصر، لمنع تسللها من وإلى سيناء.
ومع نجاح حملة «حماس»، عاد الهدوء لغزة، وتوقفت عمليات إطلاق الصواريخ أكثر من 7 أشهر، ولم يعد هناك إطلاق باتجاه إسرائيل، سوى في حالات نادرة جدا لا تكاد تتعدى المرات الثلاث، ولكنها لم تتسبب بأي ردود فعل إسرائيلية.
ومع انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار على حدود قطاع غزة في الثلاثين من مارس (آذار) الماضي، دخلت حركة «حماس» في تحد جديد مع سقوط عشرات من الضحايا، وتهديد قياداتها بالرد على إطلاق النار الإسرائيلي المتعمد تجاه المتظاهرين المدنيين.
وتزامناً مع ذلك نجحت «حماس» وجناحها العسكري «كتائب القسام» بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية في احتواء أي موقف تصعيدي، خاصة من «حركة الجهاد الإسلامي» التي تعتبر القوة العسكرية الثانية في غزة، ومنعت إطلاق أي صواريخ، بعد مرور أسابيع على تلك المسيرات، رغم سقوط الضحايا.
وبعد المجزرة الإسرائيلية في الرابع عشر من مايو (أيار) الماضي، أطلقت «حماس» عدة صواريخ قصيرة المدى، وشاركت معها «الجهاد الإسلامي»، ومن ثم فصائل أخرى، منها «لجان المقاومة»، و«الجبهة الشعبية»، وبعض المجموعات المسلحة التابعة لـ«فتح».
وردت إسرائيل على تلك الهجمات بقصف أهداف داخل القطاع، قبل أن تتكرر الحادثة أكثر من مرة، تحت مسؤولية وقيادة «كتائب القسام» التي كانت معنية بإدارة هذه المعركة، منعا لانزلاقها إلى مواجهة أكبر في حال أطلقت «الجهاد الإسلامي» أو فصائل أخرى صواريخ متوسطة أو طويلة المدى، ممكن أن تجر قطاع غزة إلى حرب عسكرية إسرائيلية.
وبذلك نجحت «حماس» في أكثر من تصعيد عسكري محدود على القطاع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في تصدّر أي تصعيد عسكري تحت مسمى «غرفة العمليات المشتركة للأجنحة العسكرية»، التابعة للفصائل الفلسطينية، ووضعت الفصائل تحت قياداتها في أي تصعيد ميداني، منعا لخروج تلك الفصائل عن مشورتها بإطلاق صواريخ أكثر تطورا، ما قد يدفع إسرائيل إلى بدء عملية عسكرية ضد القطاع، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه «حماس»، وتريد المحافظة على استمرارية المسيرات الحدودية، وإطلاق الطائرات الورقية الحارقة، التي تثير الخلافات الأمنية والسياسية في إسرائيل بشأن التعامل معها.
وتقول مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن قيادة «كتائب القسام»، وكذلك حركة «حماس» تجريان اتصالات مع قيادات الفصائل الأخرى على المستويين السياسي والعسكري، لتنسيق المواقف بينها. وأشارت المصادر إلى أن «القسام» كانت تدير المعارك الميدانية مؤخرا بإطلاق صواريخ قصيرة المدى، تضرب أهدافا عسكرية أو محيط تلك الأهداف العسكرية، للتأكيد على معادلة القصف بالقصف، وأنها لا ترغب في التصعيد، ولكنها لن تسمح باستمرار استهداف المسيرات على حدود القطاع.
وقالت المصادر إن «كتائب القسام» فقدت كثيرا من عناصرها خلال المسيرات، بعد أن قتلهم قناصة من الجيش الإسرائيلي خلال مشاركتهم المدنية في تلك المسيرات، مبينة أن «القسام» اعتبرت أن استهدافهم بمثابة اغتيال، رغم أنهم كانوا ضمن نطاق المسيرات السلمية.
وبيّنت أن ذلك دفع «القسام» للتصعيد، بعد التشاور مع القيادة السياسية وكذلك تنسيق المواقف مع الفصائل، وخاصة أن حركة «الجهاد الإسلامي» كانت تخطط لتصعيد عسكري محدود، تطلق من خلاله صواريخ قصيرة المدى تطال عسقلان وأسدود وأوفاكيم، وغيرها من هذه المناطق التي تبعد نحو 18 إلى 25 كيلومترا عن القطاع، ما دفع القسام للتدخل وتفعيل غرفة العمليات المشتركة، لإطلاق صواريخ قصيرة المدى منعا لانزلاق الأوضاع إلى حرب عسكرية لا يرغب فيها أي طرف، وخاصة سكان القطاع الذين لم يتعافوا بعد من آثار حرب 2014.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».